دولي

جهاد سويلم .. رحيلٌ مفجع ومسؤوليّةٌ كبيرة

القلم الفلسطيني

بابتسامته التي لا تفارق ثغره في أقسى الظروف وأشدّها يلقاك على الدّوام، ‏يحتفي بكَ في كلّ مرةٍ بحرارةِ اللقاء الأوّل، ويفرض عليك أن تذوب خجلًا من ‏فرط تواضعه الفطريّ الذي لا تكلّف فيه، ومن عظيم ذوقه وأدبه الجمّ الذي لا ‏تصنُّعَ فيه.‏

رحلَ جهاد سويلم؛ أبو عبد الرّحمن، رجل الخير الذي إذا أتيتَه محتاجًا إليه لدعم ‏منكوبين أو محتاجين أو تحمّل مشروعٍ فإنّه يقبل عليكَ إقبالَ المحتاج إليك.‏

رحل جهاد سويلم كما يرحلُ النّسرُ شموخًا وكما ترحلُ الأشجارُ وقوفًا؛ لا يعرفه ‏الكثيرون من أبناء الحركة الإسلاميّة فضلًا عن غيرهم، فهو ليسَ من أهل ‏الشّاشات ولا من متصدّري وسائل الإعلام، ولا هو من فرسان التريندات ‏والهاشتاغات على وسائل التّواصل الاجتماعيّ.‏

ورضي الله عن عمر بن الخطاب عندما أتاه البشير بالنّصر يوم نهاوند، فلمَّا قدِم عليه قال: أبشِر يا ‏أميرَ المؤمنينَ بفتحٍ أعزَّ اللهُ فيه الإسلامَ وأهلَه وأذلَّ فيه الشِّرْكَ وأهلَه.‏

‏ فقال عمر: النُّعمانُ بعَثك؟ قال: احتسِبِ النُّعمانَ يا أميرَ المؤمنينَ "أي أنّ ‏النعمان لقي ربّه شهيدًا"، فبكى عمرُ واسترجَع.‏

قال: ومَن ويحَكَ؟ "أي ومن قُتِل ايضا في سبيل الله"، فقال: فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ ‏حتَّى عدَّ ناسًا ثمَّ قال: وآخَرينَ يا أميرَ المؤمنين لا تعرِفُهم، فقال عمرُ رضوانُ اللهِ ‏عليه وهو يبكي: "لا يضُرُّهم ألَّا يعرِفَهم عمرُ لكنَّ اللهَ يعرِفُهم"‏

رحل جهاد سويلم الفارس من نوع مختلف؛ الفارس في ميادين الخير والسّعي على ‏المنكوبين والمحتاجين والمحاصرين؛ إذ تعرفُ غزّة جيّدًا جهده وجهاده لأجل ‏تخفيف وطأة الحصار عن أهلها، وتعرفه الضّفّة وهو يسعى بلا كللٍ ولا ملل في ‏سبيل رفدها رغم حصار الصّهاينة ومن والاهم، وتعرفه القدس وأقصاها، وتعرفه ‏مخيّمات اللّجوء في منافي الأرض حدبه على الأرملة والمسكين، وسعيه على ‏الضّعيف والمنكوب، وتعرفُ القضايا العادلة في الأمّة حرصه على مشاريعها ‏لتمكين الشّباب وتثبيت أهل الحقّ في مواجهة الطّغاة المستبدّين.‏

رحل جهاد سويلم بعد أن جسّد بشكلٍ عمليّ بعيدًا عن دورات التّدريب ‏ومحاضرات التّثقيف حقيقة القائد الذي يهيمن على القلوب لا على الرّقاب، ولله ‏درّ القائد حين يجمع بينَ التّواضع والعزّة، والدّماثة والحزم، والعمل والتخطيط، ‏والجهاد والبصيرة، والحركيّة والرّشد، والرّحمة والقوّة.‏

رحل جهاد سويلم الذي لم يكن يرى العمل الخيري بابًا من أبواب البذل والعطاء ‏فحسب؛ بل كان يتعامل معه على أنّه بوابةٌ عريضة من بوابات الدّعوة إلى الله ‏تعالى وتجذيرِ الهوية وترسيخِ الثّوابت وتعميقِ الانتماء لهذا الدّين العظيم ورسالة ‏الإسلام الخالدة.‏

رحل جهاد سويلم بعدَ أن جسّد اسمَه في سلوك حياته؛ فكانت حياته كلّها تدور ‏بين الجهاد والسلام، فكان مجاهدًا يبذل كلّ الوسع والدّأب لخدمة دينه ورسالته ‏وقضيّته والمستضعفين من أبناء شعبه وأمّته.‏

وكان مجاهدًا تلاحقه الأنظمة التي يقضّ مضجعها ابتسامة اليتيم والرّبط على ‏جرح مكلوم ويثيرُ رعبها دعم المنكوبين، وتصمُ بالإرهاب كلّ من سعى لإيصال ‏الدّعم إلى المظلومين والمشرّدين؛ فعانى من صنوف الاعتقال عند أنظمة ‏البترودولار والتّشريد في منافي الأرض ما عانى بصمتٍ وصبرٍ واحتساب.‏

وكان سلمًا لإخوانه بقدر ما كان جهادًا لعدوّه، وكان سلامًا في الأرض ينشر ‏فيها حبًّا ويبذر فيها عطاءً ويزرع في الحيوات المقفرة خيرًا ليغدو جدبها مروجًا ‏ممرعة.‏

وبعد رحيل هذا القائد الفذّ تتحمّل الحركة الإسلاميّة مسؤوليّة كبيرةً تجاه هذه ‏النّوعيّة من القادة الذين يمثّلون جانبًا مشرقًا ونادرًا من العمل الإسلاميّ غير أنّهم ‏يرحلون بصمت بعيدًا عن ضجيج الإعلام.‏

إنّ هذا النّوع من الشّخصيّات القياديّة التي يمثّل د. جهاد سويلم أحدها هي ‏نموذج لما يتطلّع شباب الأمّة لرؤيته في العمل الإسلاميّ لكنّهم لا يطّلعون عليه ‏بسبب هيمنة وسطوة وسائل التّواصل الاجتماعي التي لا تكون هذه ‏الشّخصيّات الفذّة عادةً من رموزها.‏

وهنا يمكننا القول بأنّ صمت هذه الشّخصيات حيال حياتها هو ضربٌ من ‏الإخلاص الفرديّ؛ وهذا الإخلاص الفرديّ يزيدُ في المسؤوليّة الجماعيّة تجاهها ‏على الأطر التي تنتمي إليها هذه الشّخصيّات.‏

إنَّ بعضَ الواجب تجاه هذه الشّخصيّات الرّاحلة بصمت وهي تمثّل نموذجًا فذًّا ‏وصورة ناصعةً في العمل الإسلاميّ أن يتمّ تقديمها بوصفها رموزًا تُحتذى ونماذجَ ‏تُقتفى آثارها؛ فتُنشرَ سيرتُها كما تُنشر سيرُ عظماء التّاريخ والقادة الأوائل وتقدّم ‏للشباب والنّاشئة بصور متعدّة مقروءة ومرئيّة ومسموعةٍ كي يعرفوا أنَّ في العمل ‏الإسلاميّ جوانب مشرقة لا تتيح لها الظروف للخروج إلى العلن، و حتّى تعرف ‏الأجيال أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ترك من بعده رجالًا في زمنٍ عزَّ ‏فيه الرّجال.‏

محمد خير موسى

 

من نفس القسم دولي