دولي
وحدها الأحذية الثقيلة تصنع التاريخ
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 24 سبتمبر 2019
مُحزنة أو مُخجلة، بل مُخزية انفعالات بعض الفلسطينيين مع الانتخابات الإسرائيلية. تستعصي على الفهم قدرة هؤلاء على الاحتفال بما تفرزه صناديق الناخبين الإسرائيليين، بل وزعم بعضهم النصر في انتخاباتٍ أقل ما يقال عنها إنها منافسة مسعورة بين قتلةٍ يتسابقون على سفك الدم الفلسطيني ونهب الأرض وتهويد المقدسات.
ماذا يعني للعاقل إن بقي بنيامين نتنياهو أو ذهب إلى الجحيم، وهل سيغير الفارس النبيل بيني غانتس من حقيقة هذا الاحتلال وجوهره العنصري الفاشي؟ كم من وجوهٍ تعاقبت على رأس هذا الكيان منذ اقترافه، ولم يكن الخلف منها إلا أشد إيغالاً في الدم العربي من سلفه.
كتب صاحب هذه السطور في هذه الزاوية، بُعيد الانتخابات الإسرائيلية السابقة في إبريل/ نيسان الماضي، أن الثابت الوحيد في كل انتخابات إسرائيلية هو نزوع المجتمع الإسرائيلي وبنياته المختلفة، منذ تكوينه، نحو مزيد من العنصرية المقيتة واليمينية الفاشية. وقد ظهرت هذه النزعة جلية في انتخابات الثلاثاء الماضي التي انقسم الناخبون فيها بين مؤيدي يمين متطرّف بربطات عنق، بزعامة بنيامين نتنياهو وإلى جانبه أحزاب دينية ويمينية تطالب بضم كل فلسطين التاريخية لإسرائيل تحت ادعاء ومزاعم قداسة "يهودا والسامرة"، ولا تخفي رغبتها في تطهير عرقي عبر "ترانسفير" للفلسطينيين خارج الحدود. وبين أنصار يمينٍ متطرّف آخر، خلع لتوّه البزات العسكرية، بزعامة بيني غانتس وموشيه يعلون، لا يقل شراسةً أو فاشيةً عن حزب الليكود أو أحزاب اليمين الأخرى.
وقد تجلى التماهي حتى التطابق بين المعسكرات المتنافسة في توافقها على تعزيز مكانة إسرائيل دولة للشعب اليهودي، واعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية للشعب اليهودي، وتوافقها أيضاً على تغييب الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك تجاهل أي حديثٍ عن السلام أو المفاوضات خلال الحملات الانتخابية.
وبذلك يتفوّق اليمين على نفسه بإصرار مختلف أطيافه على الالتزام بالسيطرة الأمنية والعسكرية على الضفة الغربية، والإبقاء على المستعمرات، وعدم الانسحاب من الجولان المحتل وضم منطقتي الأغوار الفلسطينية وشمال البحر الميت، كما أعلن نتنياهو خلال حملته الانتخابية الأخيرة.
ماذا يرى المراهنون على هذا الكيان الإحلالي التوسعي، وهم يتوهمون إمكانية إحداث شروخ في بنياته الاجتماعية والسياسية، غير مدركين أن القتلة، مهما تباينت وجوههم، لا يختلفون على تصفية الفلسطيني، إنما يتبارون في طرائق قتله وحسب.
ومن يعتقد خلاف ذلك ما عليه إلا النهوض من مقعده الوثير في صالون بيته الفاره في رام الله، بعيداً عن القنوات الإسرائيلية الثانية أو العاشرة أو "إسرائيل 24" والنظر من نافدة منزله ليرى دماء الشهيدة آلاء وهدان (28 عاما) التي اغتالها جنود الاحتلال على حاجز قلنديا، شمال مدينة القدس المحتلة في مشهد دموي سادي طغى فيه اللون الأحمر على كل الأزرق والأبيض الذي صفق له معجبون بالديمقراطية الإسرائيلية.
وقد أظهرت الصور ومقاطع الفيديو التي شاهدها العالم كيف تُركت الشهيدة آلاء تنزف حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، من دون أن تُقدم لها الإسعافات اللازمة من الجنود الإسرائيليين، كما لم يُسمح للطواقم الطبية الفلسطينية بإنقاذ حياتها.
لم ينتظر قتلة الشهيدة آلاء وهدان نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، ولم يتمهلوا بانتظار أوامر رئيس الوزراء المُنتخب أو تعليماته، بل أطلقوا النار بدم بارد، وتركوها تنزف حتى الموت، فلا صوت يعلو على عقيدة وَرِثها هؤلاء الجنود من أسلافهم رواد عصابات شتيرن والهاغانا والبالماخ.
ولا مكان للتردّد في عقيدة قتل سقفها "من دون خوذة وبندقية لن نستطيع زرع شجرة أو بناء منزل"، وجذرها "الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت".
مُخجل حال قيادات زمن "أوسلو" الحالك، وهي تواري فشلها المتراكم خلف صناديق الاقتراع الإسرائيلي.
ومثيرٌ للشفقة تَصَدّر ثوار الأمس الشاشات للتباهي بهزيمة نتنياهو، والتغني بـ "ديمقراطية إسرائيل"، مع شهيةٍ مفتوحةٍ على فصل آخر من مفاوضات عبثية. مُشينٌ حال من يجهلون أن "الأحذية الثقيلة هي التي تصنع التاريخ"، كما كان يُردد رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، مناحيم بيغن.
نواف التميمي