دولي
هل تهديدات نتنياهو لغزة تغيير تكتيكي أم إستراتيجي؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 16 سبتمبر 2019
كان لافتاً تصريح رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو 12-9-2019 لبرنامج ديكل سيجل لراديو "إسرائيل" باللغة العبرية الذي صرح فيها ولأول مرة وبصورة تشكل خروجاً عن خطابه وسياسته المتبعة منذ عدة سنوات حيث قال: "يبدو أنه لن يكون لنا خيار إلا الدخول في معركة كبيرة تجاه غزة، ولن أبدأ هذه المعركة قبل أن تكون الظروف مناسبة تماماً. نحن نعني حربا مختلفة، وسأختار التوقيت المناسب والشكل الأنسب".
فهل هذا تكتيك سياسي قبيل الانتخابات بعدة أيام أم أنه يشير لتغيير جوهري بعد الانتخابات؟
لم يكن هذا السؤال ليطرح كما لم يطرح في تصريحات نتنياهو حول ضم غور الأردن وشمال البحر الميت لـ"إسرائيل" حيث كان واضحاً أنه خطاب مكرر يهدف إلى استمالة أصوات من اليمين لصالحه، لكن التصريح حول غزة جاء مخالفاً لكل سياسات نتنياهو وخطاباته السابقة مما أثار الاهتمام والتساؤل من قبل العديد من المحللين والمراقبين في المنطقة، إضافة إلى ذلك فقد زادت تصريحات الجيش الأخيرة حول قلقه من احتمالية الدخول في مرحلة (دوامة وفقدان السيطرة بما في ذلك أمام غزة) أضاف هذا التصريح جدية لذاك التساؤل.
من الممكن القول إن تصريحات نتنياهو مفيدة له من الناحية السياسية في كل الأحوال؛ فهي تداعب طموحات أنصاره من اليمين واليمين المتطرف على نحو التحديد وحتى كثير من أنصار الوسط في "إسرائيل" مما قد يكسبه أصواتاً جديدة ويعزز من إستراتيجيته الانتخابية بعدم السماح لحزب (قوة يهودية) العنصري المتطرف بزعامة ابن غبير بأن يتجاوز نسبة الحسم.
ومن جهة أخرى فإن نتنياهو يفتح الباب أمام خيارات جديدة تجاه غزة مما يسمح له بالمناورة السياسية الداخلية مع بقية الأحزاب المتوقع أن تكون جزءاً من تشكيلة الحكومة الإسرائيلية القادمة.
ومن جهة ثالثة، فقد تعتبر تصريحات نتنياهو رسالة تحذير لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بضرورة الحفاظ على الهدوء والاستمرار في مسار التهدئة البطيء بين "إسرائيل" وغزة، وهي رسالة تحذير رفضتها المقاومة في غزة، لكنها وعلى الأرجح ستتخذ كل الإجراءات والاستعدادات الضرورية لمواجهتها حال وقوعها.
لهذا كله تبدو تصريحات نتنياهو -وعلى الرغم من الجرعة الزائدة غير المسبوقة في جديتها- تكتيكات سياسية موجهة بالدرجة الأولى للداخل الإسرائيلي ثم لفصائل المقاومة في غزة أكثر منها تغير عميق في رؤية نتنياهو السياسية والإستراتيجية تجاه غزة كما قد يبدو للوهلة الأولى.
وبالمقابل وعلى الرغم من أهمية تصريحات نتنياهو المتعلقة بغزة إلا أنها لا تدل على اهتمام إسرائيلي ملحوظ بالقضية الفلسطينية إلا من باب التهديدات الأمنية الواجب مواجهتها في "إسرائيل"، ومن باب الحكم على سياسات نتنياهو بشكل عام وسياسته الأمنية تجاه الجنوب بشكل خاص، لذا فإن فرض قضايا الشعب الفلسطيني الكبرى على أجندة دولة الاحتلال بحاجة إلى المزيد من التعاون الوطني لتحرك شامل ضد الاحتلال سياسياً وعسكرياً وإعلامياً واقتصادياً وغيره.
قد يبدو عند بعض السذج أن هذا وعد انتخابي ربما يتبخر بعد الانتخابات، ولكن الواقع الميداني والفكر الأيديولوجي الصهيوني يؤكدان الاتجاه إلى ما عزم نتنياهو تنفيذه بعيد الانتخابات. نتنياهو رفض وضع الأغوار على طاولة الانتخابات، ورفض كذلك الحديث عن مصير المستوطنات. وقد صرح قبل أشهر أن الضفة بكاملها هي أرض (إسرائيل)؟!
تقول المصادر الصحفية العبرية: إن نتنياهو لم يحصل على تأييد ترامب فيما أعلن عنه في خطابه، وإن ترامب أقال جون بولتون أكبر مؤيد لنتنياهو في البيت الأبيض من منصبه، لأنه ألحّ على ترامب بتأييد ضمّ الأغوار. في الصحافة العبرية سخروا من إعلان نتنياهو هذا لأمرين: الأول لأنه يمكنه ضمّ الأغوار غدا، وهو ليس بحاجة لتجديد انتخابه.
والثاني لأنه بدا ضعيفا خائفا وهو يقطع اجتماعا انتخابيا له في أسدود، بعد صواريخ حماس! إن أقبح صورة ممكنة لضعف نتنياهو كما تقول الصحف العبرية هي صورته وحرسه الشخصي يدفعه للمغادرة العاجلة، في حين يبقى الجمهور في الصالة! وهذا يبعث من ناحية أخرى على التساؤل: هل قررت المقاومة التأثير في الانتخابات الصهيونية؟! أم أن الصواريخ كانت ردا معتادا على عدوان (إسرائيل)؟!
نعود إلى ضم الأغوار.. إنه إعلان نية وعزيمة، لا إعلان انتخابات ومناورة. هكذا أفهمه، وهكذا يفهمه صائب عريقات وعباس، اللذان أعلنا أن ضم الأغوار يعني إلغاء اتفاقية أوسلو وتوابعها كاملة. وقولهم هذا هو قول عزيمة، جيد، ولكن لماذا لم تكن هذه العزيمة حاضرة مع القدس؟! دعونا نسمع الإجابة منهما.
دعونا نشكر السعودية والأردن وسوريا لسرعة تفاعلهم مع إعلان نتنياهو، وشجبها له، ورفضها ما وعد به نتنياهو ناخبيه، وقولها إن هذا يهدد السلام والاستقرار، ونشكر السعودية التي بادرت لدعوة منظمة التعاون الإسلامي للاجتماع ومناقشة الأمر.
إن موقفا عربيا قويا وصلبا، مع موقف فلسطيني قوي ومقاوم، يمكن أن يكونا طريقا جيدا لمنع نتنياهو من تنفيذ وعده، وحسب قادة هذه الدول فإن أمريكا ترفض هذه المرة ضمّ الأغوار. الطريق سالك أمام بيانات الرفض.
ناصر ناصر