دولي
انقلاب الأولويات الإسرائيلية والإجماع العليل
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 11 سبتمبر 2019
تتدحرج كرة اللهب الإسرائيلية في اتجاه عدد من الجبهات، على وقع انتخابات مقبلة، وحرب استنزاف قائمة، ربما تتطور باتجاه حربٍ ساخنة، محدّدة الأهداف زمانياً ومكانياً، بحيث لا تتجاوز التاريخ المحدّد لانتخابات الكنيست (البرلمان) في 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، وذلك في أعقاب سلسلة تطورات أمنية قام بها الجيش الإسرائيلي في لبنان وسورية والعراق، اضطر على أثرها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لاستدعاء زعيم "حزب أزرق أبيض"، بيني غانتس، للتشاور في شأن ما يجري من تصعيد وتسخين متبادلين على جبهة الحرب الأمنية والعسكرية، بحضور رئيس مجلس الأمن القومي والسكرتير العسكري، كما ذكرت صحيفة معاريف، وهي المرة الأولى التي يستدعي فيها نتنياهو غانتس لإحاطة أمنية، في توقع لوجود تطورّاتٍ لم يفصح عنها الإعلام العبري، في أعقاب انتهاء اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) بعد انعقاد أربع ساعات مساء 26/8/2019. وهي دعوة تذكّر بدعوة رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، نتنياهو قبل أيام من الحرب العدوانية على غزة (2008- 2009)، وإن كان الظرف الحالي مختلفا، قد لا يشير إلى النتيجة التي أدت يومها إلى قيام تلك الحرب. فالوضع الراهن أكثر تشابكا مع تعقيدات ما يجري في الإقليم وفي العالم.
وجاءت هذه التطورات مجتمعة في ضوء ما كشفت عنه صحيفة هآرتس العبرية أن نتنياهو قلق من مساع داخل حزبه (الليكود) لعزله عن زعامته، في حالة خسارة الحزب الانتخابات المقبلة. وذكرت الصحيفة، في تقرير موسّع (23/8/2019)، أن نتنياهو حذّر قادة الحزب خلال اجتماعه بهم من أن منافسه، زعيم حزب "أزرق - أبيض" بيني غانتس، لا يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة تضم الليكود. وفي هذه الحالة، قد تواجه الأحزاب الإسرائيلية أزمة في تشكيل حكومة جديدة، إذا تحققت إشارة استطلاعات الرأي إلى أن كتلتي اليمين والأحزاب الحريدية من جهة، واليسار- وسط والأحزاب العربية من جهة أخرى، لن تتمكّنا من الحصول على عدد مقاعد كاف لتشكيل ائتلاف حكومي. وتتوقع الاستطلاعات إمكانية حصول كتلة اليمين والأحزاب الحريدية على 55 – 57 مقعداً من 120 مقعداً في الكنيست، وحصول كتلة اليسار - وسط والأحزاب العربية على 53 – 55 مقعداً، فيما يبقى حزب إسرائيل بيتنا، بزعامة أفيغدور ليبرمان، بيضة القبان التي قد تحسم هوية رئيس الوزراء.
ومع تصاعد الخلاف بين نتنياهو وليبرمان، اشترط الأخير لانضمامه للتشكيلة الوزارية المقبلة أن تكون حكومة وحدة تضم "الليكود" و"أزرق - أبيض" و"إسرائيل بيتنا". وفي حالة رفض نتنياهو هذا العرض، هدّد ليبرمان بمطالبة "الليكود" بالتخلص منه زعيما للحزب، إلا أن نتنياهو، وبعد لقائه قادة "الليكود"، حسم اتجاه الحزب بتعزيز قوته حتى على حساب شركائه في الائتلاف الحكومي، عبر حض اليمينيين للتصويت لحزب الليكود وحده، وليس للأحزاب الأخرى المشاركة في كتلة اليمين. ويهدف نتنياهو من ذلك إلى ضمان تكليفه بتشكيل الحكومة، كونه زعيم أكبر حزب سياسي، وضمان حصول كتلة اليمين (من دون ليبرمان) على 61 مقعدا في الكنيست لتشكيل حكومة. في حين يخشى نتنياهو أن تؤدي خسارته الانتخابات إلى منع سن قوانين حصانة تمنع محاكمته في ثلاث قضايا فساد، يواجه فيها تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ويتوقع أن تبدأ محاكمته فيها بعد جلسة الاستماع الأولى المقرّر عقدها بدايات أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
من هنا، يمكن قراءة رسائل نتنياهو المتعدّدة، شمالا وجنوبا، بالاستمرار في تصعيد تسخيني لضربات استنزاف ردعية، لا ترقى إلى حربٍ مكتملة الأركان، إلا إذا ذهب حزب الله إلى حرب موضعية، لا يرغب بها هو نفسه، كما حصل أخيرا في رده على عملية عقربا في سورية، وهذا ما قد ينسحب كذلك في رد قادم على "مسيّرات" الضاحية، والواضح حتى اللحظة أن تكتيكات الاشتباك لن تتطور أكثر من الرد الذي استهدف فيه حزب الله مركبة عسكرية إسرائيلية، بدافع من إرادة الطرفين في احتكامهما لإرادة إقليمية (إيرانية) ودولية (أميركية)، وبضغوط روسية وأوروبية، لمنع وقوع حربٍ أقلها في لبنان. أما غزة، فقد تبقى مكسر عصا جيش الاحتلال وحصاره وحصار السلطة الفلسطينية، فالحرب هناك مؤجلة لحسابات سياسية وانتخابية، تتعلق بشخص نتنياهو، ووضعه الدقيق في مواجهة قضايا ليست بسيطة، يواجه فيها، مثلما سبق وواجه أولمرت، إمكانية محاكمته وربما سجنه، في حال لم يحالفه الحظ في الانتخابات. على أن ما يجري في قطاع غزة يمكن أن يبقى تحت السيطرة، إلا إذا فقدت غرفة العمليات المشتركة زمام المبادأة والمبادرة، بفعل صواريخ فردية تتبع "جماعات أو مجموعات وظيفية" غير منضبطة، قد تلاقي ردود فعل إسرائيلية إجرامية زائدة عن الحد.
الحيرة التي تنتاب نتنياهو وائتلافه الحكومي ونظامه السياسي اليوم لا تتشابه مع أي فترة سابقة، لا لجهة وضعه الانتخابي وتضعضع تحالفاته الائتلافية، وتغير أوضاع جبهة معارضيه، ولا لجهة إطلاقه اليد للمؤسسسة العسكرية لتجريب جولات ردعية جديدة، ليس مهما أين؟ في الشمال أو في الجنوب، في سورية أو العراق، وبالطبع ليس من دون إشراك الحليف الأميركي، واستمزاج رأيه في ما قد يجري عسكريا، سيما في ظل الصراع الأميركي – الإيراني على أحجام النفوذ ومستوياته في المنطقة، ومحاولة تحجيم الطموح النووي الذي لم يتبلور بعد، في وقتٍ يذهب الإسرائيلي بعيدا في تخطي الاستراتيجية الأميركية – الأوروبية، بالقفز نحو تحقيق طموحٍ أعلى، يتجلى في الإصرار على تدمير القدرات النووية، وعدم السماح للإيرانيين باستمرار إحراز مزيدٍ من الهيمنة على رقع شطرنج عائدة لهدف تقوية نفوذهم، وتشغيل أو إسناد أدوار وظيفية لهم ولحلفائهم في كل من سورية والعراق واليمن، مرورا بلبنان، وصولا إلى غزة، وذلك في غياب إجماع محكّم، يعوّل عليه في مؤسسات نظام كولونيالي، فقد عديدا من مميزاته القديمة، أيام كان الإجماع حديديا، تجاه قضايا عديدة، وفي طليعتها حروب العدوان الإجرامية.
ماجد الشيخ