دولي
استهداف المنطقة "سي"... نهب ما تبقى من أراضي الضفة ومواردها
95 بالمائة مما تسمى عمليات تسريب الأراضي تتم عبر أوراق مزوّرة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 05 أوت 2019
يخشى المزارع الفلسطيني خليل عمر فاتوني، ضياع أرضه التي ورثها عن والده في قرية حارس المحاذية لمستوطنة أرئيل الصهيونية شمالي الضفة الغربية، كما حدث لغيرها من الأراضي المحاذية لبؤر الاستيطان الاحتلالي، نظراً لكونها غير موثقة عبر سجل "الطابو" (سند الملكية)، ما جعلها مهددة أكثر من غيرها نظراً لوقوعها ضمن دائرة التوسع بالمناطق المصنفة "سي" وفق اتفاق أوسلو، التي تشهد طفرات في نهب أراضيها.
تقدر مساحة أرض الستيني فاتوني بـ 45 دونماً، وبالرغم من تسجيلها لدى وزارة المالية الفلسطينية باسم والده، فإن ذلك لا يمنع ضمها أو الاستيلاء عليها نظراً لأن قطع أراض غير مسجلة في "الطابو" في منطقة وادي عبدالرحمن الواقعة ضمن الشارع الالتفافي حول ذات المستوطنة، تم الاستيلاء عليها تحت هذه الذريعة وغيرها، كأن تكون تلك الأراضي من أملاك الغائبين أو المتوفين كما يقول لـ"العربي الجديد".
وتشكل المنطقة "سي" 61% من مساحة الضفة الغربية، وتحتفظ دولة الاحتلال بالسيطرة الحصرية عليها، بما في ذلك ما يتعلق بإنفاذ القانون والوصول والحركة والتخطيط والبناء. ولم يتجاوز متوسط معدل الموافقة على الطلبات التي قدمها الفلسطينيون للحصول على تراخيص البناء في المنطقة بين عامي 2009 و2016 ما نسبته 3%، في حين تم هدم 4000 مبنى يملكه الفلسطينيون كما أن 12.500 أمر هدم لا تزال معلقة وفقاً لتقرير "المنطقة سي: المخاوف الإنسانية الرئيسية"، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا" في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2017.
وتبلغ مساحة المنطقة "سي" 3.375 ألف دونم، ويستغل الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر منها 2.642 ألف دونم، وهو ما نسبته 76% من مجمل المساحة بحسب الموقع الرسمي للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وكان من المفترض أن يكون تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج) مؤقتًا وفق اتفاقي أوسلو1 الموقع عام 1993، واتفاقية أوسلو 2 الموقعة عام 1995، وأن يسمح بنقل الصلاحيات الأمنية وغيرها بشكل تدريجيّ إلى السلطة الفلسطينية، إلا أنّ هذا الترتيب "المؤقت" يسري على أرض الواقع منذ قرابة 20 عامًا، وفق ما جاء في يونيو/ حزيران 2013 بتقرير "تفعل ما تشاء: سياسة إسرائيل بمنطقة C في الضفة الغربية"، الصادر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم).
• بداية مخطط النهب
جرى تسجيل قرابة 30% من مجمل أراضي الضفة الغربية في سجل الطابو خلال الحكم الأردني، لكن بعد احتلال الضفة الغربية من قبل كيان الاحتلال عام 1967، صدر أمر عن الحاكم العسكري تحت رقم 291، ضمن وقف جميع عمليات تسجيل الأراضي في الضفة الغربية، واستمر المنع بعد توقيع اتفاقية أوسلو في المناطق المصنفة "سي"، بحسب ما أوضحه لـ"العربي الجديد" مدير الوحدة القانونية في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، المحامي بسام كراجه، مشيراً إلى أن المواطن الذي يترك أرضه دون زراعتها، ثم يفكر في أن يستخدمها، يتلقى في الكثير من الحالات إخطارات بالإخلاء من دائرة الأملاك الحكومية في الإدارة المدنية الإسرائيلية، فحواها أنك تعتدي على هذه الأملاك، لأن هذه الأراضي غير مسجلة، وبحكم القانون (أوامر عسكرية 58 و59) وقانون الأراضي العثماني، وبحجة أن الأرض غير مزروعة يصبح من حق السلطة اعتبار هذه الأملاك حكومية، وبهذه الطريقة يجري تسخيرها في ما بعد لأغراض الاستيطان.
ويأتي منع تسجيل الأراضي الفلسطينية، في المناطق سي، في إطار مخطط ضم تلك الأراضي والسيطرة عليها بشكل كامل، لكونها تُشكل عمقاً للاحتلال ومستوطنيه، فضلاً عن غناها بالمياه الجوفية والمصادر الطبيعية، بحسب ما أكده الناشط والباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن عوامل سياسية وجغرافية وحتى دينية، تتداخل في عمليات المصادرة الحاصلة.
• غاز طبيعي ومياه ومحاجر
يقطن نحو 300 ألف فلسطيني في 532 منطقة سكنية تقع بكاملها أو أجزاء منها ضمن المنطقة سي، إلى جانب 400 ألف مستوطن صهيوني، يقيمون في 230 مستوطنة بعضها عبارة عن بؤر أقيمت دون الحصول على موافقة رسمية من سلطات دولة الاحتلال ولكن بدعمها، وفقاً لما وثقه تقرير مكتب "أوتشا"، الذي لفت إلى أنه يحظر على الفلسطينيين الدخول إلى ما نسبته 30% من المنطقة سي، أو الإقامة فيها بحجة أنها "منطقة إطلاق نار" لأغراض التدريب العسكري.
ويوجد في المنطقة سي نحو 420 مليون متر مكعب من المياه، و200 بئر جوفية، و17 محجراً، مع وجود إمكانية معقولة من الغاز الطبيعي في منطقة رنتيس شمال غرب الضفة الغربية، بحسب تأكيد الدكتور عبدالرحمن التميمي، رئيس جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين.
وتُشكل هذه الموارد ما يزيد عن 85% من نسبة الثروات الطبيعية الموجودة في الضفة الغربية ككل. لكن تلك المناطق تحت سيطرة الاحتلال وأي نشاط فيها يجب أن يتم بموافقة الإسرائيليين، كما يقول الدكتور التميمي لـ"العربي الجديد".
• تزوير أوراق الملكية
"يمنح تسجيل الأرض في الطابو شهادة ملكية للمواطن، والملكية الشخصية أو الخاصة أو الفردية مصانة بكافة القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وبالتالي إسرائيل ليس من مصلحتها أن يكون لدى الفلسطينيين ما يدعم موقفهم حتى تتمكن من مصادرة هذه الأرض في أي لحظة" وفق إفادة القاضي شكارنة.
وتعمل 650 شركة استيطانية في نقل ملكيات الأراضي، وتسريب أراضي الفلسطينيين، بحسب ما كشفه رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان المهندس وليد عساف خلال مؤتمر صحافي عقده في رام الله بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، للحديث عن "أبرز انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2018"، موضحاً أنه جرى تأسيس 49 شركة إسرائيلية فقط خلال العام الماضي، تعمل في ذلك المجال النشط، إذ إن 95% مما تسمى عمليات تسريب الأراضي هي مزوّرة.
وتُصدر السلطات الإسرائيلية شهادات التسجيل للشركات التي تقوم بالاستيلاء على ملكيات الأراضي الفلسطينية الخاصة بالتزوير، على اعتبار أنها شركات عقارية محلية، وهو ما يتم خصوصاً في الأراضي التي تواجه دولة الاحتلال صعوبة في تجريد ملكيتها، بحجة الضرورة العسكرية، أو بإعلانها أراضي دولة، لكونها مسجلة في سجلات "الطابو أو لأنها مرزوعة" بحسب تقرير "أبرز الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية خلال العام 2016"، الصادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وهو ما رصده المحامي كراجه خلال متابعته لقضايا الاعتداء على أراضي مواطنين فلسطينيين من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية، عبر شركات التسهيل الإسرائيلية، التي تقوم غالباً بالتلاعب بأوراق الأراضي وتزوير أوراق الملكية، وتظهر كأنها المالك وتقوم بطلب لتسجل هذه الأراضي.