دولي

فساد في "أونروا"؟ أجندة أميركية مخفية ونسف لقضية اللاجئين

أجيال من اللاجئين استفادت من خدمات الهيئة

تشوب الشبهات توقيت الإعلان عن حالات فساد في وكالة "الأونروا"، إذ يترافق ذلك مع دعم أميركي كبير لإسرائيل، واستعداد لصفقة القرن، خصوصاً أنّ اللاجئين يقعون في قلب كلّ التجاذبات السياسية الحاصلة يثير التقرير الذي وضعه مكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة، بخصوص ما وصفه بأنّه "سوء إدارة واستغلال سلطة من قبل مسؤولين على أعلى المستويات في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)" أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة حقيقية مقنعة.

في الوقت الذي ينظر فيه محققو الأمم المتحدة حالياً في الاتهامات الواردة في التقرير السري لمكتب الأخلاقيات، يتبين أنّ التقرير يتحدث عن "انتهاكات خطيرة للأخلاقيات يطاول بعضها المفوض العام للوكالة بيار كرانبول وجملة اتهامات لبعض كبار مسؤوليها بالتورط في سلوك جنسي غير لائق ومحاباة وتمييز، وغيرها من ممارسات استغلال السلطة لمنافع شخصية وقمع المخالفين بالرأي تحقيقاً لأهداف شخصية". 

ومن دون دخول في تفاصيل تلك الاتهامات، فمن غير الممكن عزل ما قام به مكتب الأخلاقيات وأيّ لجنة تحقيق عن المناخات السائدة منذ أعوام، والتي تتميز بالعمل الأميركي الحثيث على توجيه اتهامات سياسية ومالية للوكالة ومسؤوليها. ففي غضون الأشهر الـ18 الماضية، كما ذكر أحد مسؤولي الوكالة، عانت من ضغوط مالية وسياسية لم يسبق لها مثيل، لكنّ فريق عملها تحمّل ذلك، وتمكّن من متابعة تقديم خدماته إلى نحو 5.4 ملايين لاجئ فلسطيني وسط أزمة مالية كبرى لم يعرفها تاريخ الوكالة الذي يناهز 70 عاماً. وتقرير لجنة الأخلاقيات الذي وصل إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، دفع محققي المنظمة الدولية لإجراء زيارات إلى مكاتب الوكالة في القدس وعمّان لجمع المعلومات المتعلقة بهذه الاتهامات، بحسب مصادر مطلعة. وذكر كرانبول في بيان أنّه "إذا توصّل التحقيق الجاري، متى أنجز، إلى نتائج تقتضي تدابير تصحيحية أو إجراءات إدارية أخرى، فلن نتردد في اتخاذها". 

وتعتمد "الأونروا" في تمويلها على الدول والجهات المانحة، بما فيها منظمات دولية وإقليمية، بنسبة 94 في المائة، وتحصل على ما نسبته 4 في المائة من تمويلها، من الموازنة العامة للأمم المتحدة. وتفوق الموازنة السنوية للوكالة ما مجموعه 1.2 مليار دولار، وكانت الولايات المتحدة الأميركية هي المانح الأساسي بنسبة تصل إلى حوالي ثلث الموازنة السنوية. بينما تتوزع نسبة الثلثين على مروحة واسعة من الدول المانحة من بينها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا واليابان والدول العربية وغيرها. وللوكالة ثلاث موازنات هي: الموازنة السنوية التي تنفقها في الغالب على التعليم والصحة والخدمات وبعض المساعدات الغذائية، وموازنة المشاريع وهي مخصصة لأشغال في البنى التحتية في المخيمات والترميم وما شابه، وهذه تجرى وفق توافر الأموال من المانحين، أما الثالثة فهي التي ترد تحت بند نداءات أو مشاريع الطوارئ كالتي تصدر عن الوكالة لمناسبة أحداث طارئة لها مضاعفات مالية تطاول اللاجئين الفلسطينيين، وهي من خارج نفقات الموازنة العامة. 

وتخدم الوكالة نحو 5.4 ملايين لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 58 مخيماً تنتشر في كلّ من: الأردن وسورية ولبنان، بالإضافة إلى الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، في فلسطين المحتلة. 

 

    • أكثر من 550 ألف تلميذ بمدارس "أونروا" 

 

الأساسي في خدمات "الأونروا" يتحدد في الخدمات التعليمية، إذ لديها أكثر من 550 ألف تلميذ في مدارسها الموزعة على مناطق عملياتها الخمس، ويزيد عددها الإجمالي على 700 مدرسة، ففي لبنان مثلاً يبلغ عدد مدارس الوكالة 76 مدرسة، من ضمنها مدرستان مهنيتان في كل من سبلين (إقليم الخروب، جبل لبنان) والبداوي (الضنية، شمال لبنان) وتتوزع الباقية على المحافظات اللبنانية، ويقع معظمها في الجنوب. وتضم هذه المدارس نحو 37 ألف تلميذ مع هيئتين تعليمية وإدارية يصل تعداد أفرادهما إلى نحو 1700 معلم وإداري. 

كذلك، يذهب القسم الثاني من الموازنة السنوية لتمويل خدمات مراكز الرعاية الصحية الأولية (المستوصفات) والنفسية التي تنتشر في المخيمات، أما عمليات الاستشفاء فيخضع تمويلها لنسب محددة تتوزع بين أجور للعمليات الجراحية والإقامة تبعاً للتصنيف الذي تضعه الوكالة. ويجرى الاستشفاء في مستشفيات القطاع الحكومي والخاص بما فيه الهلال الأحمر الفلسطيني لدى توفره. كما تقدم "أونروا" مساعدات غذائية للعائلات الأكثر فقراً، والتي تعاني من مداخيل دون الحد الأدنى، مثل عشرات آلاف العائلات في قطاع غزة (نحو مليون نسمة) الذي يعاني من حصار خانق وانهيار في مستوى الخدمات ومن أزمة بطالة حادة، علماً أنّ مستويات البطالة في المخيمات تفوق مثيلاتها في الدول المضيفة أو الضفة الغربية وتصل إلى 50 في المائة وسطياً، لا سيما لدى الخريجين الجامعيين والمهنيين. 

ولا بدّ من التذكير أيضاً أنّ الوكالة تملك جيشاً من الموظفين، لكنّه تراجع في غضون العامين الأخيرين عن 30 ألفاً، وهو الرقم السابق، بفعل الضائقة المالية التي تعانيها برامج الوكالة في قطاعات عدة (تعليم، تنظيف، طبابة وغيرها). ومن بين موظفي الوكالة 155 موظفاً دولياً يجرى تمويل رواتبهم من الميزانية العامة للأمم المتحدة. 

 

    • ضغط مالي وسياسي 

 

بدأ المشهد إذاً بالضغط السياسي على الوكالة، وهذا الضغط بادرت إليه إسرائيل قبل مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته. ويذكر كثيرون الاتهامات التي وردت على ألسنة المسؤولين، وفي الصحافة الإسرائيلية، وأساسها أنّ الوكالة تعمل على تأبيد قضية اللاجئين، بدلاً من العمل على إنهائها، وذلك من خلال تقديماتها وما يتعلمه التلاميذ الفلسطينيون في مدارسها. وتركزت الادعاءات الإسرائيلية على تسويق انحياز الوكالة وعدم حياديتها خلال حرب غزة، كما في مناهج التعليم التي تعتبر أنّها تحضّ على الكراهية ضد اليهود، علماً أنّ تلك المدارس تعتمد المناهج الدراسية للدول المضيفة، فالمناهج في مدارسها في لبنان لبنانية، وفي سورية سوريّة، وفي الأردن أردنية. كذلك، وصفت الادعاءات مؤسسات الوكالة ومدارسها بأنّها عبارة عن مخازن ومخابئ لأسلحة وكوادر حماس وغيرها من اتهامات. ومؤخراً، أوردت أنباء مفادها أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين يوازي عدد اليهود الذين غادروا الدول العربية إلى إسرائيل، وبالتالي فالمشكلة أنّ اللاجئين اليهود أمكن استيعابهم وتأمين حياتهم وسكنهم، بينما لم تفعل الدول العربية شيئاً للفلسطينيين. 

لا شك أنّ هذا التقرير والحملة المواكبة من شأنهما أن ينعكسا على المانحين دولاً ومنظمات وأفراداً، ما يعني أنّنا لم نعد نتحدث عن عجز مقداره 200 مليون دولار بسبب تجميد إدارة البيت الأبيض للمرة الأولى 300 مليون دولار من أصل مساهمتها البالغة 360 مليون دولار كما حدث خلال عام 2017، بل نتحدث عن مصير الوكالة برمته، ما يعني تهديداً جدياً يطاول كلّ مصير ومساعي وموازنات "الأونروا" دفعة واحدة. 

وفي الإمكان اعتبار الضغط المالي غير المسبوق على "الأونروا" لا يستهدف الضغط على الوكالة فقط، بل على الطرف الفلسطيني لدفعه للجلوس على طاولة المفاوضات والتسليم بالمقترحات الأميركية حول خطة السلام (صفقة القرن). لكنّ أزمة "الأونروا" المالية تهدد بشكل مباشر استقرار الدول المضيفة للاجئين، خصوصاً لبنان، وهي بمثابة خطوة إضافية نحو تصفية ملف اللاجئين، الأساسي في مفاوضات الحلّ النهائي المفترض. وسبق للإدارة الأميركية الحالية الضغط لمنع الوكالة من الاستفادة من مشروع قرار في الأمم المتحدة في عام 2016 مقدم من فلسطين، يسمح لـ"الأونروا" بالحصول على موازنة ثابتة من ضمن آليات الأمم المتحدة، الأمر الذي كان في إمكانه التقليل من حدة الأزمة المالية الحالية. 

استجابت "الأونروا" للأزمات المالية منذ عام 2015 عبر اعتماد إجراءات تقشفية خفضت بموجبها بعض بنود موازنتها وضبطت إنفاقها. لكنّ لذلك محاذيره، فمثلاً، تستحوذ موازنة التعليم وحدها على 80 في المائة من موازنة البرامج في "الأونروا"، وبالتالي فإنّ أيّ اقتطاع إضافي سينعكس بالضرورة على برنامج التعليم بشكل مباشر. وتبحث الوكالة إمكانية دمج بعض المدارس ورفع القدرة الاستيعابية الصفّية إلى 50 – 55 طالباً في الصف الواحد، وتخفيض أعداد الكوادر التعليمية والإدارية في الوقت عينه. يتردد كذلك حديث عن إمكانية تسليم "الأونروا" مدارسها لوزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية كخيار بديل عن رمي التلاميذ في الشارع، في لبنان.

من نفس القسم دولي