دولي

العدو واحد من القدس إلى معرّة النعمان

هدمت قوّات الاحتلال الإسرائيلي، قبل أيام، ستّة عشر مبنى سكنيّاً يضمّ مائة شقّة في حيّ أبو الحمص، من أعمال صور باهر جنوب القدّس المحتلة، بعد عمليّة حصار ومداهمة عسكريّة، مدعومة بالمجنزرات والمصفّحات والآليات الثقيلة.

وفي الوقت نفسه، كانت طائرات بطل المقاومة والممانعة وطائرات حليفه الروسي تدكّ أحياء مدينة معرّة النعمان، فتهدم البيوت والأسواق ومعاهد التدريس، وتقتل 42 مدنيّا أعزل بين شيخ وطفل وامرأة. 

تتلطّى قوّات الاحتلال خلف ذريعة الأمن، وتتستّر بغطاء القانون الذي تفصّل بنوده على مقاس مطامعها، وتتحصّن بقرارات القضاء الذي أثبت أنّه سيفٌ مسلّطٌ على رقاب أبناء الأرض وحقوقهم، والذي لم يخرج عن عباءة العنصريّة والتحيّز، فشعارات الديمقراطية والعدالة والحكم الرشيد مخصصّة لمخاطبة الغرب فقط، لا للتطبيق الفعلي، خصوصا على القابعين رغماً عنهم تحت سلطة هذا الكيان الغاصب. في المقابل، يتذرّع الروسي، ومن خلفه نظام الأسد، بالإرهاب، ويستندان مطمئنّين إلى تقاعس المجتمع الدولي، وإلى عجز القانون الدولي، منزوع الأنياب، عن ردعهما. 

تمارس سلطات الاحتلال إرهاب الدولة المنظّم بحق الفلسطينييّن، تلاحقهم بجرائم الاغتيال "توطّد حكم الطغاة حتى بات مُستندَ الاحتلال في البقاء وداعمَه في الاستمرار"

والتصفية الجسدية، وتستولي على أملاكهم وأسباب رزقهم، تهدم بيوتهم وتدنّس مقدّساتهم، وتقطع أشجارهم، وتنهب مياههم الجوفيّة. ويفعل الشيء نفسه نظامُ الاستبداد الأبشع في العالم منذ سقوط النازيّة والفاشيّة والستالينيّة. منذ تسع سنوات، لم تهدأ مدافعه عن دكّ بيوت السوريّين على رؤوسهم. براميله الغبيّة تُحيلُ المدن إلى ركامٍ والتراثَ والحضارةَ إلى عصفٍ مأكول. لا تفرّق طائراته بين قرية ومدينة، بين مسكن ومقرّ عسكري، بين رجل وامرأة، بين مسلّح ومدني، لم يبق من أرض سورية شبرٌ من دون دمار، ولم يبق من أهلها عائلةٌ واحدةٌ غير منكوبة بأحد من أفرادها أو أكثر، بشيءٍ من أرزاقها، أو بكلّ ما تملك. لم يترك للسورييّن ممن أيّده وممن عارضه بارقة أمل للعيش معاً، ولو بعد مائة عام. 

هذا الاستعداء الصهيوني لكلّ ما هو بشري وإنساني، لكلّ حقّ بالأرض والوجود، هذا الإنكار لتاريخ شعب عمره آلاف السنين عاش في هذه الأرض منذ وُجد الإنسان عليها، يقابله إنكار أسديّ مماثل لحق البشر بالكرامة والحريّة، لحقّهم باختيار طريقة عيشهم وممثليهم وحكّامهم، لحقّهم بالتعبير عن آرائهم والتطلّع إلى مستقبلهم وقضاياهم المصيريّة كما قضاياهم الشخصيّة بكلّ إرادة حرّة واختيار واعٍ مدرك مستقل. 

كان الاحتلال الاستيطاني أساس نشوء أنظمة العسكر والحكم الانقلابي. منذ انقلاب حسني الزعيم في سورية وحتى انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، عاشت شعوبنا بين مطرقة إسرائيل وسندان الاستبداد، وما إن توطّد حكم الطغاة حتى بات مُستندَ الاحتلال في البقاء وداعمَه في الاستمرار.

 إنّها علاقة جدليّة بين السبب والنتيجة، فلكي يبقوا على عروشهم، باع الطغاة أنفسهم، والبلاد لأميركا، ومن خلفها لإسرائيل. وبدل أن تبني شعوب هذه المنطقة مستقبلها بالعلم والمعرفة، بالعمل والإنتاج، وبدل أن تصبح كغيرها من شعوب الأرض منتجة للحضارة، مساهمة في ركبها، باتت متقوقعةً على ذواتها، مقموعة بسياط العسكر وأحذيتهم، فاقدة أية قيمة مضافة، تقدّمها لحاضرها ومستقبلها، فضلاً عن أن تقدّمها للبشرية. 

بينما تمارس إسرائيل التفرقة العنصريّة بين اليهود الذين استقدمتهم الحركة الصهيونيّة العالميّة من كل بقاع الأرض وبين العرب الفلسطينيين أصحاب الحق الثابت من كل الأديان والملل، يمارس نظاما الأسد والسيسي التمييز والتفرقة العنصريّة بين أبناء البلد الواحد أساس الموالاة والمعارضة. وبينما تميّز حكومات الاحتلال المتعاقبة بين اليهود ذاتهم على أساس منابتهم وأصولهم بين شرقي وغربي، وبين أبيض وأسود، تمارس أنظمة الاستبداد العربيّة التمييز نفسه بين أبناء الشعب الواحد، على أساس انتماءاتهم الدينيّة والمذهبيّة والمناطقيّة.

قضيّة التحرر الوطني الفلسطيني من سطوة الاحتلال الاستيطاني مرهونة بقضيّة التحرر العربي  "كان الاحتلال الاستيطاني أساس نشوء أنظمة العسكر والحكم الانقلابي"

من الديكتاتوريّة، ومرهونة بقضيّة تحرّر الإنسان من العبوديّة والاستبداد أينما كان. ليست قضيّة فلسطين قضيّة الفلسطينييّن وحدهم، ولا قضيّة العرب، ولا المسلمين، ولا المسيحييّن فقط، بل هي قضيّة الإنسانيّة جمعاء التي يجب ألّا تسكت عن هذا الهولوكوست الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، كذلك فإنّ قضيّة التحرّر من نير الاستبداد ليست قضيّة السورييّن والمصريين واليمنيين والليبيّين وحدهم، إنهّا كذلك قضيّة الإنسانيّة كلّها التي لن تنعُم بالسلام، ما دام الإنسانُ يُقتلُ ويُعتقلُ، ويُهجّر من أرضه، لمجرّد أنّه أراد العيش بكرامة. 

كلّ بيت يُهدم في العريش أو في كفرنبل أو في الحُديدة أو في طرابلس الغرب يمدّ أعواماً إضافيّة في عمر مستوطنات معاليه أدوميم وبيت إيل وكريات أربع وهارحوما. كلّ رصاصة تصيب سورياً أو مصرياً تقتلُ فلسطينيّاً وتُبعد حُلم العودة أكثر وأكثر. كلّ أنّة معتقل في أقبيّة مخابرات الأسد والسيسي تؤلم أسرى القدس ورام الله وغزّه والخليل والنقب والجليل. 

معركتنا مشتركة وعدوّنا واحد، من جنوب القدس إلى شمال إدلب، فلنرفع الرايات، ولنوحّد الجهود فالحرائق تحفّنا من كل جانب وما لنا، بعد الله، من معين إلّا سواعدنا، ولن تقوم لنا قائمة إلّا بهممنا.

حسان الأسود

 

من نفس القسم دولي