دولي

تسلل نحو المجهول

يعيش أهالي غزة ظروفا إنسانية متدهورة من جراء إستمرار الحصار الإسرائيلي، ترك آثاره على مناحي الحياة، في ظل الاستهداف المتكرر لكل مقومات صمود المواطنين، ضمن سياسة العقاب الجماعي والإرهاب المنظم الذى تمارسه سلطات الاحتلال، لتبقى هذه البقعة "أرضا محروقة" ينتشر فيها الخراب والدمار، حتى ينعدم الأمل في أي مستقبل أمام هذه الأجيال، ويبقون في دائرة القلق والخوف والاضطراب لا يملكون أي حلم في مستقبل زاهر في البلد لدفعهم للتفكير في الهجرة، بحثا عن عمل أو محاولة الهروب من هذا الواقع؛ حتى لو كان باتجاه العدو طمعا في واقع أفضل.

لقد ظهرت في الآونة الأخيرة حالات تسلل لأشخاص من خلال السياج الفاصل مع الاحتلال الصهيوني، وتعددت لدى كل واحد منهم أسباب التسلل؛ فمنهم قاصد البحث عن عمل لتغيير واقعه، ومنهم ذاهب لمقابلة ضباط مخابرات الاحتلال بعد تلقي اتصالات منهم وتطمين لدور مستقبلي أفضل.

أجهزة المخابرات الصهيونية تسعى بدورها لتهيئة هذه الظروف بأساليب وأشكال عدة لدفع الشباب نحو هذه القناعات مستغلين الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، وذلك لتحقيق مكاسب أمنية مختلفة تفيد في الحرب الدائرة مع المقاومة الفلسطينية. وفي المقابل تتعامل الأجهزة الأمنية في غزة مع هذه الأحداث وتحاول تطويقها والسيطرة عليها ومنع تكرارها لما لها من انعكاسات أمنية في منتهى الخطورة. وأمام هذا التحدي الخطير، كان لا بد للمقال من الوقوف أمام عدة حقائق، ومنها:

- أن الهروب باتجاه العدو الإسرائيلي لا يشكل نهاية لمعاناة الشباب، ولا فرصة للحصول على حياة أفضل، بل هي بداية للضياع والسقوط، والانقياد لتوجيهات الاحتلال ليصبح الشاب خنجرا في خاصرة هذا الشعب وسينتهى المطاف بالشاب نحو نهاية مأساوية.

- أن الصمود والثبات في وجه محاولات العدو وأجهزته المخابراتية، وعدم الانخداع بأساليبهم الخبيثة، والمحافظة على قدر كبير من الوعي، والحذر من شأنه إفشال أغراض وأهداف العدو، وتفويت الفرصة عليه في استهداف المقاومة. 

وهنا من الضروري تقديم جملة من التوجيهات لمنع تكرار مثل هذا الأعمال وضبطها ومعالجتها لتفويت الفرصة على العدو الصهيوني ومنها:

- إعداد برنامج متكامل يستهدف المدارس والجامعات، يحتوى على مواد توعوية تتناول خطورة التسلل عبر الحدود ومحاذير الوقوع في وحل الإسقاط الأمني، والتداعيات الاجتماعية على أسر هؤلاء الأشخاص.

- تناول الأمر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار مصير عدد من الأشخاص المتسللين -دون ذكر الأسماء- وتوضيح مصيرهم والذى كان ما بين الأسر ونيل حكم لسنوات، أو إعادته للقطاع بعد ربطه بالمخابرات الصهيونية.

- التوضيح المستمر للمواطنين عبر النشرات ولوحات المساجد، والبرامج الإذاعية أن العدو الصهيوني يسمح لبعض عملائه بالدخول عبر السياج لتهريبهم وحمايتهم من الملاحقة الأمنية مما يسبب ضررا كبيرا لسمعة أشخاص آخرين قد تسللوا لأسباب أخرى وجرى سجنهم طرف الاحتلال.

- أن تُتخذ إجراءات رادعة بحق المتسللين في حالة الإفراج عنهم من سجون العدو الصهيوني، وذلك كونه أضرّ بالواقع الأمني ويعرض المقاومة لخطر الاستهداف، ويكون دافعاً لغيره في هذا السلوك، لذلك فإن ردعه من خلال الجهات الرسمية يوجد ردعا عاما للآخرين الذين تسول لهم أنفسهم محاولة محاكاة هذا الفعل.

- توعية المواطنين القاطنين على طول المناطق الشرقية لغزة بخطورة التحركات المشبوهة، والعمل على تعبئتهم وطنياً للتصدي لفكرة التسلل، وتأهيل فرق منهم للتصدي لمحاولات التسلل عبر أراضيهم، ليكونوا سدا يحول دون التسلل نحو العدو.

وبالعودة إلى نهاية العام 2017 أطلقت حكومة نتانياهو مشروعها الكولونيالي الاستيطاني التهويدي الأوسع بالنسبة لمدينة القدس تحت عنوان مشروع «القدس 2020»، وهو المشروع التوسعي الذي يَمِسُ مدينة القدس في سياق عمليات تهويد المدينة ومحيطها، وهي العمليات الجارية منذ احتلالها الكامل عام 1967، واستمراراً لمشروع الإطباق على كامل المدينة وعلى حدودها الإدارية التي جرى توسيعها أكثر من مرة خلال سنوات الاحتلال الطويلة.

وبحسب العديد من المصادر «الإسرائيلية» ذاتها، فقد قدم نتانياهو، وفي سياقات مايسمى بــ «صفقة القرن» اقتراحاتٍ محددة للمبعوث الأميركي الجديد (غرينبلات) وبموجبها، تجري عملية ضم الكتل الاستيطانية المحيطة بشرقي القدس مقابل نقل بعض قرى وبلدات (وادي عارة) إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. نتانياهو يسعى من خلال هذا الاقتراح والتصريحات إلى تحقيق هدفٍ آخر وهو الإثارة والتحريض على بلدة (أم الفحم) عاصمة ومركز (وادي عارة). كما يسعى نتانياهو من ناحية ثانية من خلال طرح مبادلة الكتل الاستيطانية بمنطقة (وادي عارة) لتعزيز مكانته السياسية في ظل الأزمات والقضايا الجنائية التي تعصف به. 

وفي حقيقة الأمر، إن المشروع الاستيطاني الاستعماري «القدس 2020» يَهدِفُ إلى فصل القدس ومحيطها القريب نهائيا عن الضفة الغربية وقطع التواصل معها، وتهديد الوجود الفلسطيني داخل حدودها الإدارية، وابتلاع مطار القدس في (مطار قلنديا) لإنهاء إمكانية وجود وقيام الدولة الفلسطينية و«حل الدولتين»، وتوطيد أغلبية يهودية في القدس، أغلبية تجعل من الفلسطينيين المقدسيين يعيشون في مدينة القدس كأجانب في منازلهم. 

وعليه، إن معركة الدفاع عن القدس، مسألة حيوية وذات بعدٍ هام في مسار الصراع مع الاحتلال «الإسرائيلي» ومع المشروع الأميركي المُعلن تحت عنوان «صفقة القرن» وخاصة بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. فالقدس تعيش لحظاتٍ حاسمة من تاريخها، بين عروبتها ومحاولات الإطباق عليها وتهويدها. وهنا يترتب على الحالة العربية والإسلامية، الرسمية والشعبية، التحرك الجدي والحقيقي من أجل قضية القدس.

أحمد أبو زهري

 

من نفس القسم دولي