دولي
ورشة المنامة والحقوق الوطنية الفلسطينية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 20 جولية 2019
لم تُعْقَد ورشة المنامة من أجل التفكير في التحوُّلات التي لحقت بالقضية الفلسطينية، ولحقت بالوعي المواكب لها، وسط مناخ الانقسامات المتواصلة بين الفلسطينيين، ومختلف صُور التنكيل التي تُواصِل إسرائيل ممارستها عليهم بعجرفةٍ كثيرة.
ولم تُعْقَد لتبحث نتائج تداعيات الحالة الثورية العربية، وما خلَّفته من آثار في المسارات الجارية داخل الأرض المحتلة، وفي موضوع الصراع العربي ــ الإسرائيلي. مُقابِل ذلك، نتصوَّر أنها عُقِدَت أساساً في نظر من أعدَّها ورتَّب لها الأمكنة والمواعيد، لاقتناص ما رأى أنه "فرصة لا تفوت".
إلا أن ما تَمّ في المنامة توخَّى، وبكثير من الخفة، تصفية القضية، مع نوعٍ من الحرص على استحضار البهارات المطلوبة للقيام بذلك، معتقداً أن التخلي عن هذه "الفرصة" سيؤدي إلى طيّ القضية أو انكماشها. انعقدت الورشة تحت شعار "السلام من أجل الازدهار"، من دون أن تتوَقف أمام أسئلة الاستيطان الاسرائيلي المتواصلة، ومن دون أن تفكِّر في مآلات مشاريع السلام المجمَّدة، وما تضمنته من بنود موقوفة التنفيذ.
شارك في عملية الاستماع إلى ما دار في الورشة من مشاريع وأرقام وإجراءات، وفي مسألة البحث في كيفيات "تحقيق السلام والتنمية"، في الأرض المحتلة وفي البلدان العربية المحيطة بها، ممثلو دول ومؤسسات مالية ودولية، وشَكَّل الحضور الرسمي العربي، الحاصل بحساباتٍ متعدّدة، أحد أبرز التحولات لجهة الإرادة السياسية الهادفة إلى إفراغ القضية من طابعها التحرّري والتحريري، إذ تُطْلَق الورشات التي تمتلك الصَّفَاقَة اللازمة للقفز على مختلف شروط القضية وسياقاتها، لتتجه مباشرة إلى بحث كيفية التخلص من كل ما تبقَّى منها، ومن آثارها في الحاضر العربي.
لم يكن موضوع ورشة المنامة يتعلق بالتفكير في كيفية رفع الحصار المتواصل منذ عقود على شعبٍ أعزل. ولم تُعْقَد لتدبير ملفات اللاجئين، والتفكير في كيفيات استرجاعهم لحقوقهم، ولا
"سَمَحَت الورشة بعملية إخراج عَلَنِي للعرب من عملية إسناد المشروع الوطني الفلسطيني" بحث هموم فلسطينيي الشتات، وقد طوَّحت بهم صور التهجير والعنف التي مُورِست عليهم، فوق أرضهم وفي وطنهم وخارجه، وتُمَارَس عليهم اليوم في الورشات التي تُعْقَد تحت شعاراتٍ مُعَادِيّة لتضحياتهم منذ منتصف القرن الماضي.
ويمكن أن يضاف أن ما حصل في المنامة لم يكن يهمّه إطلاقاً البحث في كيفية استعادة روح المقاومة الفلسطينية والعربية وأنفاسها، ضمن الشروط العربية والإقليمية والدولية، حيث تتصاعد المبادرات الرامية إلى محاصرة المشرق العربي، ومحاصرة دول الخليج، من أجل مزيد من الاستفادة من مُقَدَّرَاتِهِم المرتبطة بالمجال الطَّاقي، وقد عُقدت الورشة لاستكمال حلقات مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ونحن نتابع ما جرى ويجري قبل انعقادها، وما حصل على هامش انطلاق أعمالها، وبعد انتهاء هذه الأعمال، تبيَّن أن أهميتها تَكْمُن في أنها يمكن أن تُدْرَج، أساساً، ضمن المعطيات المساعِدة في عملية تشخيص مواقف الذين تربطهم علاقاتٌ معينةٌ بالقضية الفلسطينية ومآلاتها في الراهن العربي، فقد فضحت الورشة درجات البؤس العربي والتبعية العربية، ورسمت أمام الفلسطينيين، وأمام العرب الذين ما زالوا يقفون وراء المشروع الوطني الفلسطيني، مجمل التحدّيات التي تواجهها القضية اليوم، في عالم يتمادى في تغييب حقوق الشعوب والأمم التي اغتُصِبت أراضيها، وذلك في سياق تطوّر المَدِّ الإمبريالي، وتنوُّع أساليبه الاستعمارية في عالمٍ يزداد انقساماً وخضوعاً لإرادة القِوَى الدولية المهيمنة.
سَمَحَت الورشة بعملية إخراج عَلَنِي للعرب من عملية إسناد المشروع الوطني الفلسطيني، مشروع تحرير فلسطين وإقامة الدولة المستقلة.
وتَمّ بصورة واضحة، عَلَنِيَّة ومُعْلَنَة، ترسيم التطبيع مع إسرائيل. لتتحول الأخيرة في الورشة إلى كيان شرعي في جغرافيا المشرق العربي، فهي تحضر في الورشة لتساهم في عملية الإعداد "للسلام والتنمية والازدهار"، في الأرض التي اغتصبت واستوطنت، كما أنها تحضر لتساهم في تنمية الدول العربية المحيطة بها، بتمويل خليجي أميركي، وتحت رعاية أميركية وعربية ودولية.
تُتَوِّج الورشة بكل ما دار فيها من نقاش، وبما ركَّبت من إجراءات مَسَار الاستعمار الاستيطاني
"عالم يتمادى في تغييب حقوق الشعوب والأمم التي اغتُصِبت أراضيها" لفلسطين، تتوّج ما ذُكر هنا، وهي تستعين اليوم بالمال العربي، لعلها تتمكَّن من شراء بؤس ما تبقى من الفلسطينيين، لِتُلحِقَهُم مجدّداً بدول الجوار. هذه هي رسالة الورشة لمن يريد أن يفهم. وسنتبيَّن في المبادرات الواردة في تفاصيلها ما يوضح البعد السياسي الذي تحمله، على الرغم من مظهريها، الاقتصادي والتدبيري.
نقف بعد انتهاء أعمال الورشة على منعطف جديد في تحولات الموقف الإسرائيلي، ومن يقف وراءه من القِوَى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ودول عربية كثيرة، ترى اليوم في غمرة صراعاتها الجديدة مع القِوَى الإقليمية أن انصياعها الكامل لتمرير الخيارات السياسية الأميركية الإسرائيلية في المشرق العربي، يمنحها ضمانات الحماية والبقاء.. دعنا من المبادرات التي قدمت في الورشة للحاضرين، فهي تستهين بقدرات من كانوا في حضرة الناطقين بمبادراتها وإجراءاتها، وخصوصا حين تَمَّ تبليغُهم أن إجراءات ورشة السلام والتنمية مَعْنِيَّةٌ بإطلاق قدراتهم الاقتصادية، في ما تبقَّى من أراضيهم المتباعدة، المعزولة والمحاصرة، وأن صفقة القرن وفرصته الأخيرة التي لا ينبغي أن تُضَيَّع، تروم دعم الحكومة الفلسطينية!
كمال عبد اللطيف