دولي
قائمة انتخابية واحدة للانتخابات الفلسطينية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 16 جولية 2019
طرح أبو مازن على قيادة حماس فكرة الذهاب إلى انتخابات تشريعية في قائمة موحدة مع فتح والفصائل، أو مع فتح وحدها دون الفصائل، كذلك طرحها عزام الأحمد عدة مرات، واليوم هناك أصوات من فتح تجدد طرح القائمة المشتركة.
ما المقصود من هذا الطرح؟ وما المقصود من إعادته الآن؟
في ظني أنها دعوات غير صادقة، هدفها تمييع المواقف وخلط الأوراق والهروب من استحقاق المصالحة، ومن استحقاق الانتخابات الشاملة للمواقع كافة، ومحاولة للهروب من ضغط الوساطات التي تسعى للقاء وطني جامع لمواجهة صفقة القرن وورشة البحرين، وكان آخر هذه الدعوات ما اقترحه رئيس البرلمان اللبناني بري، وكذلك الهروب من الدعوات المتكررة التي تطالب أبو مازن بالدعوة لعقد لقاء للإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية (التي يحب عزام الأحمد تسميتها لجنة تطوير م ت ف).
إذا، ليس الهدف هو الخروج من المأزق الوطني ومواجهة صفقة القرن بصف موحد، وتحقيق المصالحة الفلسطينية الواجبة، وليس الهدف تبني مشروع الشراكة الوطنية، إنما هدفها الأول هو الاحتواء والتمييع والمراوغة السياسية.
حماس تطالب بإجراء انتخابات شاملة، ثم نذهب بعدها إلى الشراكة الوطنية، والانتخابات تمنح كل فريق وزنه الحقيقي ومدى صدق دعواه أنه يمثل إرادة الشعب
كان رد حماس الدائم لنذهب إلى انتخابات نزيهة وشفافة وشاملة تحت سقف الحريات، بحيث يشارك فيها الجميع، ولكل فريق الحرية التامة في التحالف مع من يريد من القوى الفصائل، ولْيحترم كل منا نتائج الانتخابات. المشكلة أصلا كانت عدم قبول نتائج الانتخابات وعدم احترامها فعليا، ورفض مبدأ التداول السلمي للسلطة، والسعي لفرض برنامج التسوية بالقوة كما حصل في غزة حين ابتكروا منظومة الفلتان الأمني "والرقص خمسة بلدي"، مما دفع إلى الحسم العسكري الذي أنهى حالة الفلتان.
حماس تطالب بإجراء انتخابات شاملة، ثم نذهب بعدها إلى الشراكة الوطنية، والانتخابات تمنح كل فريق وزنه الحقيقي ومدى صدق دعواه أنه يمثل إرادة الشعب، حينها نذهب إلى الشراكة الفعلية في القرار والقيادة والحكم، نتفق على الحكومة، وعلى شخوصها وعلى برنامجها.
لقد أبدت حماس موافقة على الشراكة الوطنية كما نص عليه برنامج الحكومة العاشرة برئاسة الأخ إسماعيل هنية، البرنامج الذي وافق عليه أبو مازن وفتح في حينه، أم إنها كانت موافقة وقتية انتظارا أو تحضيرا لفرصة الانقضاض على النتائج؟
هناك اختلاف كبير بين برنامجين متعارضين ومتضاربين، ولا مجال لحل وسط بين البرنامجين، إلا أن يتنازل أحدها عن برنامجه للآخر
هناك اختلاف كبير بين برنامجين متعارضين ومتضاربين، ولا مجال لحل وسط بين البرنامجين، إلا أن يتنازل أحدها عن برنامجه للآخر، فأبو مازن يرفض التنازل عن برنامج المفاوضات ثم المفاوضات -الذي ثبت فشله- كما أنه يعتبر التنسيق الأمني مقدسا ويخضع لاتفاقية باريس الاقتصادية المجحفة. أما حماس، فإنها إذا تنازلت عن برنامج المقاومة فلن تعد هي حماس بل شيء آخر لا نعرفه.
ما موقف الحكومة التي ستفرزها الانتخابات من قضايا الاعتقال السياسي والاعتقال على خلفية المقاومة؟ وما موقفها من استمرار التنسيق الأمني؟ وما موقفها من الفساد المالي والإداري والوظيفي؟ وما موقفها من هيمنة فتح على الوظائف الحكومية والدبلوماسية.
هذه الدعوات التي تخرج بين الحين والآخر غير جادّة ولا صادقة وهي تطرح فقط بهدف المراوغة، فَلَو افترضنا أن حماس وقوى المقاومة قبلت بمشروع القائمة الواحدة، حينها لبدأ الحديث في التفاصيل -حيث الشيطان يكمن- ما هو البرنامج السياسي للقائمة، هل هو برنامج المفاوضات والتنسيق الأمني؟ أم برنامج الصمود والمقاومة؟ وهل تعتبر الحكومةُ المنبثقة عن القائمة الموحدة الاحتلال عدوا أم شريكا؟
لقد مدّت حماس على الدوام يدها للمصالحة، مصالحة تحفظ الحقوق وتضمن الحريات، وترفع يد الأمن الغليظة عن النثم سيقع الخلاف، لمن رئاسة القائمة ولمن رئاسة الحكومة، جماعة السلطة يتمسكون بحكومة يكون رئيسها ووزراؤها مقبولون لدى المجتمع الدولي (يعني لدى أمريكا وإسرائيل)، وإذا وافقت حماس وقوى المقاومة بهذا المعيار فلن يكون هناك فرصة لأي أحد يُؤْمِن ويتمسك بالحقوق الفلسطينية لتولي أي منصب، وبالتالي ستتشكل الحكومة ممن يعترفون بوجود الاحتلال ويعترفون "بحق إسرائيل في فلسطين"، ثم ندخل في خلافات على الأوزان والحصص، فما وزن حماس، وما وزن فتح؟ وما هي حصة كل فصيل من الفصائل؟ هل تعطى هذه الفصائل وفق حجمها أم أكبر أم أقل؟
حتى إذا وافقت حماس على فكرة الدخول في قائمة واحدة، يبدأ حوار طويل وشاق ومضنٍ، يحرق أعصاب المحاورين وأبناء الشعب الفلسطيني الذين ينتظر الدخان الأبيض، في الأثناء أن تخرج تسريبات إعلامية مقصودة تركز أن الخلاف ينصب على المحاصصة، ونصيب كل فريق، (يعني الاختلاف على تقسيم الكعكة كما يروج البعض) فالأمر -في نظر الرأي العام- لا يتعدى أن يكون صراعا على المناصب والكراسي، وليس خلافا على البرنامج السياسي.
أخيرا، لقد مدّت حماس على الدوام يدها للمصالحة، مصالحة تحفظ الحقوق وتضمن الحريات، وترفع يد الأمن الغليظة عن الناس، وفق اتفاقات القاهرة 2011، وحماس كذلك تؤكد موقفها المعلن جاهزيتها للمشاركة في انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني متزامنة، وفي أقرب فرصة.
ماهر عبيد