دولي
فلسطين ليست ألاسكا
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 10 جولية 2019
أستعير عنوان هذه المقالة من تغريدة أطلقها فلسطيني عتيق على موقع تويتر، أثارت كثيرا من الأسى والشجون.
وقطعا، فإن فلسطين التي عرضت للبيع في "ورشة المنامة" لا يمكن أن ننظر إليها كما نظر القياصرة الروس والأميركيون إلى ألاسكا، الوطن الأم لشعب الإسكيمو، والذي بيع في حينه بثمن بخس لأكثر من سبب.
وقد حملت "تغريدة" الفلسطيني العتيق الذي ربما لا يزال يضع في جيبه مفتاح بيته الذي تستوطنه اليوم أسرة صهيونية أكثر من بُعد، وأكثر من مفارقة، لكنها "لعنة" القرن التي حلت بنا، إذ وقف مسؤولون عرب كبار في حضرة شاب غرير، سمسار بورصة وتاجر عقارات أحمق، مهووس بالمال وجاهل بالسياسة وتاريخ الشعوب، اسمه جاريد كوشنر، كل مؤهلاته أنه صهر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومستشاره المفضل، وصديق بنيامين نتنياهو، كي يلقي عليهم دروسا ملغومةً بالكذب والزيف والخداع.
وبوصف المثل العراقي كان "يثرم على رؤوسهم بصلا"، وقد تفادى وضع القلنسوة اليهودية على رأسه، وهو اليهودي الأرثوذكسي المتطرّف، كي يبدو أكثر نزاهةً وحياديةً في عيونهم. شرح كوشنر مقدمات "صفقة القرن"، يسميها هو "فرصة القرن"، وكيف ستكون فرصة لازدهار الفلسطينيين والعرب، وكيف ستحوّل العالم العربي "من ضحيةٍ إلى نموذج للتقدم في العالم"، وعرض عليهم، كأي ممثلٍ مبتدئ، كيف بإمكان الأميركيين أن يخلقوا لهم "مدينة أحلام" في غزة، وفي غير غزة من مدن فلسطين والعالم العربي، وظهرت خباثة مخترع الصفقة في مقترح أن تتولى الدول النفطية الخليجية دفع نصف "العطية" المخصصة لما سمّوه "ازدهار المنطقة وسلامها"!
ولم يدرك المسؤولون الكبار الحاضرون أن الصهر العزيز لم يأت ليقنعهم بالقبول بصفقة بيع ما تبقى من فلسطين، إنما جاء لفرضها عليهم، ملوّحا لهم بعطية المليارات الخمسين، وقد خرج بعضهم من "الورشة" مبتئسا، وهو يحاول أن ينسى أن الأميركيين هم الذين حولوا بغداد وسواها من مدن العالم العربي إلى خراب لا مكان فيه للحلم.
ولكن كان على هؤلاء أن يطلقوا في وجه الصهر العزيز صرخة الفلسطيني العتيق أن "فلسطين ليست ألاسكا" لكنهم لم يفعلوها!
وإذ كانت "الورشة" قد انتهت في هدوء محسوب، فإنها سجلت مقادير من الفشل الذريع، لم
"سجلت صفقة القرن مقادير من الفشل الذريع، لم تستطع الجهات التي خططت لها أن تخفيه" تستطع الجهات التي خططت لها أن تخفيه، وبعض ذلك ما نقله شهود من أهلها: صحافيون وإعلاميون إسرائيليون حضروا وقائعها.
كتبت المحرّرة في صحيفة هآرتس، نوعا لنداو، أن "ورشة المنامة تشبه المرق الذي تم طبخُه على نار هادئة. وفي لحظة مفاجئة، وصل إلى درجة الغليان، وانسكب من الوعاء بصورة دراماتيكية".
وخلصت إلى الحكم على أن "الورشة" فشلت، لأنها لم تستكمل أدوات نجاحها، فقد كانت "أشبه بعرسٍ لم يشارك فيه العريس ولا العروس". وكتب مراسل صحيفة الغارديان البريطانية أن الورشة لم تكن سوى "محاولة فانتازية لإخفاء وقائع ماثلة على الأرض".
وعلى الرغم من فشل الورشة المذكورة التي قاطعها فلسطينيون وعروبيون، فإن مشاهد مقرفة لتطبيعٍ مقصود ظهرت على هامشها، وقد شاهد أهل البحرين بأم أعينهم صحافيين وإعلاميين ورجال أعمال إسرائيليين يصولون ويجولون في ديارهم، وقد أحاطهم الرسميون بحفاوة كبيرة، جعلتهم يشعرون وكأنهم في بلدهم، وفتح من أجلهم الكنيس اليهودي بصورة خاصة تكريما لهم، وبلغ الأمر بأحدهم، وهو مراسل القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة، باراك رافيد، أن يعلن أنه "شرب الجعة اللبنانية نخب شرق أوسط جديد" بشّرت بولادته "الورشة" نفسها، كما وصلت الصفاقة إلى حدٍّ أقصى، عندما وقف زملاء له ملوحين بجوازات سفرهم الإسرائيلية أمام مقر الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع، راسمين على وجوههم ابتسامات صفراء ماكرة.
ولم تظهر ردود أفعال معتبرة من الأطراف العربية الرسمية المروجة، باستثناء تصريحات لوزير خليجي، أفصح فيها عن رغبة بلاده في "السلام مع إسرائيل"، لأنها "جزء من التراث التاريخي للمنطقة، وللشعب اليهودي مكانه بيننا".
ولعل أطرف رد فعل على "الورشة" نكتة ساخرة أطلقها أحدهم على مواقع التواصل، تزعم أن أميرا خليجيا سئل عن السر في أن وفد بلده الذي حضر كان أكبر الوفود بعد الوفد الأميركي، أجاب: "حرصنا أن يكون وفدنا كبيرا، ليس لرغبتنا في مناقشة صفقة القرن، إنما فقط كي نعبر عن احتفائنا بالعزيزة إيفانكا، لكن صديقنا كوشنر خيّب توقعاتنا ولم يصطحبها معه". ... وبالفعل، مثل غياب إيفانكا خيبة أمل لدى حضورٍ عديدين.
عبد اللطيف السعدون