دولي

حماس تقود المواجهة

القلم الفلسطيني

كما تمكنت حركة حماس من جمع الفصائل والقوى الوطنية والمجتمعية في الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار ، وعكست صورة حضارية للشعب الفلسطيني والعمل الجمعي الموحد ، نجحت حماس في جمع القوى المجتمعية والفصائل –وهذه المرة بما فيها خصمها السياسي حركة فتح - ، وقيادة الشعب الفلسطيني في معركة المواجهة لاسقاط صفقة القرن ومؤتمر البحرين الهادف الى تصفية القضية الفلسطينية .

عملت حماس بجهد كبير سبقه تفكير عميق وتخطيط دقيق في كيفية مواجهة صفقة الموت التي يريد فيها الثرثار الجاهل ترامب والسمسار الغبي كوشنير بيع فلسطين للكيان الصهيوني على أن يدفع العرب بشكل أساسي الثمن ، وضعت حماس خطتها وعرضتها على الكل الوطني ليتم إقرارها بعد نقاش ومداولات ، وأنكرت ذاتها وكينونتها من أجل نجاح الموقف الفلسطيني الجامع وبذلت الأموال والجهود والأوقات والاعلام وسخرت كل إمكاناتها وقدراتها لانجاح العمل وهو ما عكس صورة إيجابية شاملة في مشاهد المؤتمر الوطني الفلسطيني في مركز الشوا والمسيرة الحاشدة الموحدة وسط غزة وغيرها.

ترجمت حماس ولا زالت في مسيرتها الوطنية مفهوم الشراكة والوحدة والتعاون الى أفعال حقيقية على الأرض ، وبرزت واضحة في الإصرار على مشاركة الجميع في جولات المصالحة في القاهرة وغيرها ، وغرفة العمليات المشتركة للأجنحة العسكرية ، وهيئة مسيرات العودة ، ومن ثم المؤتمر الوطني لمواجهة صفقة القرن ورفض مؤتمر البحرين.

وعكست جهود حماس الوحدوية في اظهار الشعب الفلسطيني موحدا في موقفه من رفض الصفقة ومؤتمر البحرين ، من خلال استنهاض الحالة الوطنية رغم التحديات الصعبة في البيئة الوطنية والإقليمية والدولية ، وهو ما مثل رسالة واضحة للمجتمعين في المنامة أن فلسطين ليست صفقة تجارية تحتاج الى تمويل و أن فلسطين ليست للبيع.

وعقدت حماس مؤتمرات عديدة للاجئين الفلسطينيين على امتداد قطاع غزة ، ومؤتمرات للعلماء في غزة وبيروت ، ومؤتمرات للعشائر والوجهاء ووقفات واعتصامات في دول أوروبية وامريكا اللاتينية وغيرها ،ونفذت حماس في لبنان فعاليات اعتصامات ولقاءات وتظاهرات عديدة رفضا للصفقة ومؤتمر البحرين وحشدت الجماهير وجمعت الفصائل في لوحة وحدة ونضال يعتز بها الجميع.

حماس أكدت على ان أساس الصراع وعدم الاستقرار هو وجود الاحتلال ومن يريد الازدهار للمنطقة عليه انهاء الاحتلال، وحينها يستطيع الشعب الفلسطيني بناء اقتصاد وطني قوي ومنافس دون مساعدات مشبوهة.

وحتى على الصعيد العربي والدولي كان خطاب حماس هجوميا ضد الصفقة وما يجري في البحرين لكنه كان منضبطا وحكيما ولم تستخدم –كما غيرها –مصطلحات الخيانة و غيرها لمن شارك في مؤتمر البحرين ، إنما انتقدت من شارك في المؤتمر الذي وصفته بالتصفوي وطالبت مرارا دولة البحرين بالغائه ، وثمنت موقف من قاطع المؤتمر ورفض المشاركة وانحاز إلى الحقوق الوطنية الفلسطينية ما يؤكد أن هذه الصفقة ولدت ميتة.

جسدت حماس معاني القيادة والشراكة والوحدة في خطوات عملية حقيقية في جمع الشمل الوطني، والشارع الفلسطيني ينتظر من غيرها الابتعاد عن الاقصاء والتفرد والهيمنة والاستئثار بالقرار الوطني بعيدا عن المجموع الفلسطيني .

خرج كوشنير على القوم في زينته منتشياً، كما لو كان في حفل زفاف محاولاً إظهار الثقة في خطابه المنمق مع ديباجة مزخرفة بالأرقام، محاولاً ترويج سلعته الكاسدة بالبهرجة المخادعة.

‎ربما لم يتنبه كوشنير للتناقض الفجّ في طرحه، فهو من جهة يرى أن ما يسمى بالسلام الاقتصادي يصلح لأن يكون مدخلاً لما يراه حلاً، في حين أنه قال في خطاب افتتاحه لمؤتمر المنامة: «لا يمكن تحقيق النمو الاقتصادي والازدهار للشعب الفلسطيني من دون حل سياسي دائم وعادل للصراع». أي أنه اعترف مبكراً بفشل فكرة المؤتمر القائمة على تقديم «السلام الاقتصادي» على «الحل السياسي»، وكأنه يقول أيضاً لا قيمة لكل تلك البهرجات التي قدمتها والتي سنقدمها لاحقاً خلال الورشة.

يدرك كوشنير ومن معه من طباخي الصفقة أنهم يقدمون خديعة، وأن الهدف من وراء كل المسعى والمخطط الحالي لصفقة القرن هو تثبيت الاحتلال وبعض الوقائع الاستيطانية والتهويدية على الأرض، وترسيخ منطلقات دولية ورسمية تتعاطى مع القضية الفلسطينية بتجاوز صارخ للحقوق السياسية والوطنية الأساسية للشعب الفلسطيني.مبلغ 50 مليار دولار المقترح للاستثمار على مدار عشر سنوات، والمخصص منه للفلسطينيين يقدر بقيمة 28 مليار دولار، ليس سوى استخفاف بوعي الجماهير وتدليس ممنهج، فلو حسبناها حسبة مادية بعيدًا عن الحسابات الوطنية والأخلاقية والدينية والقيمية سنجد أن صفقتهم هزلية للغاية.

أظهر تحقيق استقصائي عن غاز غزة عرضته الجزيرة مؤخراً، ضمن برنامج «ما خفي أعظم» أن عوائد حقول الغاز المحيطة بغزة لو أمكن الاستفادة منها تبلغ نحو 4.5 مليار دولار سنوياً (45 مليار دولار في 10 سنوات من مورد واحد فقط)، ناهيك عن الموارد والثروات الطبيعية الأخرى التي ينهبها الاحتلال ويستفيد من عوائدها. 

كما أن وجود المسجد الأقصى في فلسطين يجعلها مزاراً لمئات ملايين المسلمين سنويا، حال لم تكن محتلة، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الفلسطيني، وكذلك لأعداد مشابهة أو أكثر من المسيحيين، نظراً لوجود معالم مثل كنيستي المهد والقيامة، وما إلى ذلك.

التكلفة اليومية لاستمرار الاحتلال أعلى ماديا بكثير من تلك الاستثمارات الكاذبة. وبغض النظر عن الحسابات المادية، فإن المشكلة ليست مشكلة مبلغ بل مبدأ، فالحرية، الكرامة، الوطن...، هي الثمن وليست سلعاً.إنه المشهد الذي أرادوه قبل الإمعان في مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وأراده آخرون قبل أن يضعوا أيديهم بأيدي قادة الاحتلال علانية، بعد أن وضعوها سرًّا، ومن الجيد أن الفلسطينيين لم يحضروا الورشة، كي لا يكونوا شهود زور على المخادعة.

فلسطين ليست سلعة، ولا مجرد أمتار أرض مختلف على سعرها، هي قضية كل مؤمن، وكل حر، وكل صاحب ضمير، هي شرف، ومن لم يعرف الشرف لا يدرك ماهيته، ويظن أنه سلعة تباع وتشترى.

عماد الإفرنجي

 

من نفس القسم دولي