دولي

لماذا الورشة؟ ولماذا في البحرين؟

القلم الفلسطيني

تتواصل المؤامرات على فلسطين أرضاً وشعباً، وكل حلقةٍ في سلسلة المؤامرات تأخذ بعداً جديداً، فقديماً كان الغرب وأمريكا و(إسرائيل) يحيكون المؤامرات دون أي وجود عربي رسمي أو شعبي إلا لقليلٍ من الأنظمة وبشكلٍ سري، بينما الآن، فالكل العربي الرسمي يهرول نحو التطبيع مع الاحتلال مقابل بقاء الحكام في عروشهم، سواء سرا أو علانية، بل وصل الأمر بكثير من الأنظمة للتباهي والتفاخر بالكيان الصهيوني والمطالبة بضرورة استيعابه واعتباره جزءا أصيلاً من جغرافيا المنطقة العربية، ونسيان آلام الماضي وفتح صفحة جديدة بين الطرفين، وبقيت سفينة التطبيع والخيانة تسير حتى وصلت البحرين.

في البحرين ستعقد ورشة اقتصادية بعنوان "السلام من أجل ‏الازدهار" فيا ترى لماذا أعلنت أمريكا نيتها عقد ورشة البحرين قبل مدة طويلة من موعد انعقادها؟ ولماذا تم اختيار البحرين؟

يمكن القول بأن التبكير في الإعلان عن موعد الورشة هو لإعطاء فرصة للجهود الأمريكية بتحصيل أقصى ما يمكن من العرب، سواء على صعيد استثمارهم ضد إيران، أو على صعيد تأكيد رغبتهم في فتح صفحة جديدة مع دولة الاحتلال، بخطوات عملية، وإعطاء مبرر منطقي لتأجيل الإعلان عن بنود صفقة القرن لما بعد ورشة البحرين خاصة أن التأجيل حدث لأكثر من مرة، وتوسيع الفجوة بين الأنظمة والشعوب حيث تتظاهر الأنظمة بالاعتراض على الصفقة وأدواتها، وما إن تأتِ ساعة الصفر حتى يذهب الجميع إلى حيث تريد أمريكا، تحت مبررات واهية..

وعن سر اختيار البحرين لتكون المحطة الاقتصادية لصفقة القرن، فيبدو أن أمريكا توزع الأدوار بين الأنظمة، فهذا يفعل كذا سراً والآخر علناً، وربما رسالة لإيران بأن الخليج عربي يدار بعقلية أمريكية، وربما لأن أمريكا تنوي تقديم مساعدات للبحرين أو منعها من الإفلاس والانهيار، فأوعزت لها باستضافة هذه الورشة.

وعن المتوقع من ورشة البحرين يمكن الاستشهاد بما جاء في كتاب "أمريكا طليعة الانحطاط" للمفكر الفرنسي الإسلامي روجيه جارودي "أمريكا ترفع شعارات ظاهرها فيها الرحمة وباطنها فيها العذاب، مثل شعار "التعاون من أجل التقدم "الذي أطلقه الرئيس الأمريكي كينيدي لكنها في حقيقة الأمر تنظر للازدهار بالمعيار الذي يخدمها فقط"، وشعار كينيدي السابق ينسجم مع شعار ورشة البحرين "السلام من أجل الازدهار"، وهذا يؤكد "أنهم ذرية بعضها من بعض"، كما أن ورشة البحرين ذات الروح الاقتصادية تنسجم تماماً مع فلسفة شمعون بيرس في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" القائمة على أن العلاج الاقتصادي كفيل بإنهاء أي خلافات سياسية أو أي مظاهر "إرهابية" على حد زعم بيرس، وما إعلان كوشنير عن تفاصيل الورشة قبل موعدها بأيام والمتمثلة بجلب استثماراتٍ قدرها 50 مليار دولار للأراضي الفلسطينية، ومصر، والأردن ولبنان، إلا تأكيد لذلك النهج.

ورشة البحرين تحاول التسويق بأنها الحل الجذري للخلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنها ستساعد في تحسين فرص التنمية والنهضة من خلال ضخ أموال تخدم المنطقة، لكن هذه تبقى مجرد وعود كاذبة تهدف للحصول على تأكيدات سياسية عربية بعدم تفعيل أي مضاد حيوي ضد الكيان الصهيوني.

هل فعلا "إسرائيل" لن تشارك في مؤتمر البحرين كما يفهم للوهلة الأولى من تصريحات مصادر في البيت الأبيض بالأمس "17-6 " بأنه تم إبلاغ "إسرائيل" بذلك؟

أم أنها ستشارك فعلا وبحيوية في هذا المؤتمر المعد أصلا لخدمة مصالحها الحيوية من خلال الترويج لخطة ترمب على فصولها الاقتصادية والسياسية؟

وهل تغيير شكل المشاركة هو مؤشر على تراجع زخم وأهمية مؤتمر البحرين؟ أم أنه تكتيك لتجاوز بعض العقبات التي نتجت عن الموقف الفلسطيني ضد المؤتمر؟ 

من الواضح أن أمريكا و"إسرائيل" لم تتوقعا حجم ومدى المعارضة الفلسطينية للمشاركة في هذه الورشة، الأمر الذي خلق عقبات جدية في وجه المؤتمر، وخاصة من ناحية شرعية المؤتمر وتحديدا في الرأي العام الفلسطيني والعربي، مما تسبب وما يزال بحرج واضح لبعض الأنظمة العربية المتورطة في تسويق ودعم المؤتمر، وكذلك من ناحية مدى جدوى المؤتمر وتحقيقه لأهداف المنظمين، الأمر الذي تطلب تغييرا في التكتيكات وليس في جوهر الموضوع.

اقتضى التكتيك الإسرائيلي في بداية الأمر وهنا نفترض بشكل عام أن تكتيكات الشرق الأوسط هي إسرائيلية أولا ثم يتم تسويقها وعرضها على أنها أمريكية، اقتضى هذا التكتيك أن تكون المشاركة على أعلى المستويات أي برئاسة وزير كابينت كبير ومختص في شؤون الاقتصاد وهو وزير المالية موشيه كحلون، لكن وبسبب ما قد يبدو تراجعا معينا على الأقل في زخم المؤتمر، بدأت "إسرائيل" بالتراجع كما ظهر في تصريحات كاتس قبل يومين أن "إسرائيل" تدرس شكل مشاركتها في المؤتمر، ثم جاء تصريح مصدر كبير لرويترز بأن مستوى المشاركة  سيتراجع لوفد من رجال الأعمال ومستشفى إسرائيلي ثم جاء بيان البيت الأبيض، والذي قد يكون قد قصد عمدا إرسال رسالة مفادها أن الدور والمشاركة الإسرائيلية متواضعة إلى ضعيفة جدا، فهلموا أيها الفلسطينيون والعرب.

""إسرائيل" كانت وما تزال هي الروح الدافعة من وراء المؤتمر على الرغم من أن بعض أركان الإدارة الأمريكية ممن يتابعون ملف الشرق الأوسط ككوشنير وغرينبلات وفريدمان قد ذهبوا أبعد مما يريده اليمين المتطرف في "إسرائيل"، خاصة في موضوع ضم الضفة بعد إسقاط القدس واللاجئين، لذا فمن غير المتوقع أن يكون هناك تراجع حقيقي في دور "إسرائيل" في التخطيط والإدارة والتنفيذ لمشاريع متعددة الأسماء والمستويات والأهداف لتصفية القضية الفلسطينية.

وأحدها وليس آخرها مؤتمر البحرين.

مصطفى أبو السعود

 

من نفس القسم دولي