دولي

أوسلو وصفقة القرن.. بداية ونتائج!

القلم الفلسطيني

من الناحية النظرية، يمكن القول إن «أوسلو» -مساراً ومشروعاً سياسياً- متضرر أساسي ورئيسي من مؤتمر البحرين وما يُسمى «صفقة القرن» على المدى القريب؛ بل تُعدّ هذه المساعي ضربة قاصمة لمشروع «أوسلو» ومهندسيه من الجانب الفلسطيني. وإن شككنا في الأهلية الوطنية لمتبنِي أوسلو من الفلسطينيين، يمكن القول إن «صفقة القرن» تأتي مع «أوسلو» في نسق ومسار واحد، والشركاء في البداية على الأقل يتحملون جزءََا كبيراً من المسؤولية عن النتائج وربما شركاء فيها.

الاحتلال قتل «أوسلو»، وهذا باعتراف أصحاب مسار «أوسلو» من الفلسطينيين، ومنهم أحمد قريع وصائب عريقات؛ بل بات -كما هو معلن- لا يعير اهتماماً لقادة السلطة الذين دعموا المسار وساروا فيه، ولا يرى فيهم شركاء مناسبين رغم كل ما قدّموه وما فعلوه، ورغم مشروع التنسيق الأمني الذي لا يزال قائماً ويستفيد منه الاحتلال.

وبسعيه لضم الضفة وتوسّعه الاستيطاني بها واستباحته اليومية لمدنها وقراها، يهدم الاحتلال فعلياً مكانة السلطة وقيمتها وسيطرتها، وإن كانت السيطرة أو السيادة نسبية، وهو ما يمثّل نهاية لما يُسمى «حلم الدولة الفلسطينية».

حلم كان في مخيّلة أصحابه من قادة وأقطاب سلطة عباس أنه ممكن من خلال مسار «التسوية» والهرولة نحو الاحتلال، وكأن الذي حصل عليه الاحتلال بالبارود والنار سيعيده فقط بالمفاوضات والحوار!

حلمهم هذا ينهار، وإن كنت أراه مجرد حلم لنائمين، ينبغي عليهم ومن باب أقل القليل -إن كانوا صادقين- أن يعتذروا للشعب عن ربع قرن من الزمان أمضوه في هذا المسار الفاشل، وعليهم أن يتنحوا عن الساحة ويدفنوا مشروعهم بعد أن اعترفوا هم بموته.

أما محاولات إنعاشه أو الاستمرار فيه، فهي مجرد تضليل ودجل يُمارس على الناس؛ فكل محاولات الإنعاش -ولو استمرت سنوات- لا يمكن أن تعيد ميتاً إلى الحياة.

ليت الأمر يقف عند ذلك؛ فالبعض وكأنه لم يرَ فشل مسار «أوسلو» وخياراته، فيسعى من جديد للبدء في مسار مشابه أو المضيّ في البدايات ذاتها التي بدأ منها وفيها المسار، متوقعاً نتائج مختلفة، مع أن الاحتلال هو ذاته بصفته وصفاته!

البعض يجد في المسار الميت فرصة للبقاء داخل المعادلة الفلسطينية مستفيداً من المنصب والامتيازات دونما تحمّل أي مخاطرة؛ فالاحتلال بكل تأكيد لن يزعجه أو يخيفه العمل مع أشخاص يتبنون مشروعاً ميتاً لا يوجد فيه تأثير حقيقي على بقائه وتمدّده.

لا تعدو بعض الاعتراضات الرسمية على مشاريع التصفية ومسار «صفقة القرن» كونها مجرد تفريغ لحالات الغضب واحتواء للانفعالات الشعبية بإظهار حالة رفض رسمية تتناغم مع المزاج الشعبي وتُشعر الناس بوجود من يتبنى نيابة عنهم التصدي لتلك المخططات.

إلا أن مسار التصفية الحالي يمضي على الأرض كما هو مرسوم له حتى هذه اللحظة، ومن يعارضونه من أصحاب السلطة لا يفعلون شيئاً سوى ما يقدّمونه من تصريحات إعلامية لا تغيّر شيئاً على الأرض.

رغم الواقع الصعب والتحديات الصعبة والمصيرية التي تعيشها القضية، تبقى لفلسطين حيوية خاصة؛ فهي كالإيمان تزيد وتنقص في نفوس الناس؛ لكنها لا تنتهي ما دام الإيمان بوعد الله باقياً.

هل فعلا "إسرائيل" لن تشارك في مؤتمر البحرين كما يفهم للوهلة الأولى من تصريحات مصادر في البيت الأبيض بالأمس "17-6 " بأنه تم إبلاغ "إسرائيل" بذلك؟

أم أنها ستشارك فعلا وبحيوية في هذا المؤتمر المعد أصلا لخدمة مصالحها الحيوية من خلال الترويج لخطة ترمب على فصولها الاقتصادية والسياسية؟

وهل تغيير شكل المشاركة هو مؤشر على تراجع زخم وأهمية مؤتمر البحرين؟ أم أنه تكتيك لتجاوز بعض العقبات التي نتجت عن الموقف الفلسطيني ضد المؤتمر؟ 

من الواضح أن أمريكا و"إسرائيل" لم تتوقعا حجم ومدى المعارضة الفلسطينية للمشاركة في هذه الورشة، الأمر الذي خلق عقبات جدية في وجه المؤتمر، وخاصة من ناحية شرعية المؤتمر وتحديدا في الرأي العام الفلسطيني والعربي، مما تسبب وما يزال بحرج واضح لبعض الأنظمة العربية المتورطة في تسويق ودعم المؤتمر، وكذلك من ناحية مدى جدوى المؤتمر وتحقيقه لأهداف المنظمين، الأمر الذي تطلب تغييرا في التكتيكات وليس في جوهر الموضوع.

اقتضى التكتيك الإسرائيلي في بداية الأمر وهنا نفترض بشكل عام أن تكتيكات الشرق الأوسط هي إسرائيلية أولا ثم يتم تسويقها وعرضها على أنها أمريكية، اقتضى هذا التكتيك أن تكون المشاركة على أعلى المستويات أي برئاسة وزير كابينت كبير ومختص في شؤون الاقتصاد وهو وزير المالية موشيه كحلون، لكن وبسبب ما قد يبدو تراجعا معينا على الأقل في زخم المؤتمر، بدأت "إسرائيل" بالتراجع كما ظهر في تصريحات كاتس قبل يومين أن "إسرائيل" تدرس شكل مشاركتها في المؤتمر، ثم جاء تصريح مصدر كبير لرويترز بأن مستوى المشاركة  سيتراجع لوفد من رجال الأعمال ومستشفى إسرائيلي ثم جاء بيان البيت الأبيض، والذي قد يكون قد قصد عمدا إرسال رسالة مفادها أن الدور والمشاركة الإسرائيلية متواضعة إلى ضعيفة جدا، فهلموا أيها الفلسطينيون والعرب.

""إسرائيل" كانت وما تزال هي الروح الدافعة من وراء المؤتمر على الرغم من أن بعض أركان الإدارة الأمريكية ممن يتابعون ملف الشرق الأوسط ككوشنير وغرينبلات وفريدمان قد ذهبوا أبعد مما يريده اليمين المتطرف في "إسرائيل"، خاصة في موضوع ضم الضفة بعد إسقاط القدس واللاجئين، لذا فمن غير المتوقع أن يكون هناك تراجع حقيقي في دور "إسرائيل" في التخطيط والإدارة والتنفيذ لمشاريع متعددة الأسماء والمستويات والأهداف لتصفية القضية الفلسطينية.

وأحدها وليس آخرها مؤتمر البحرين.

رضوان الأخرس

 

من نفس القسم دولي