دولي

القدس في خطر فهل ننتصر لها؟

القلم الفلسطيني

على مدار ثلاثة أيام كانت القدس والأخطار التي تحيط بها محور مؤتمر أكاديمي في الجامعة الأردنية، جمع 38 باحثا من العديد من الدول العربية، ليقدموا رؤاهم ونتائج بحوثهم واقتراحاتهم حول ما يحيق بالمدينة المقدسة من أخطار، وما يقدمه أهل القدس من تضحيات، وما هو مطلوب من الأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم من خطوات لدعم صمود المدينة وأهلها خاصة وفلسطين عامة.

المؤتمر بشكل عام دراسة للواقع وطرح عملي وعلمي لكيفية مواجهة تحدي التهويد والأسرلة والاستيلاء والتفريغ. ولأن ما جاء في المؤتمر يهم كل أبناء العروبة، رأيت أن أشارك القراء بعض الملاحظات المهمة، لعل قضية القدس تدخل في تفكير كل إنسان وتحتل حيزًا من اهتماماته، وتدفعه لعمل ما من أجل القدس يعزز صمود المدينة وأهلها وشعبها.

لقد أدرك الفلسطينيون منذ بداية الصراع مع الحركة الصهيونية وممثليها من المستوطنين في فلسطين، أن قضية القدس خاصة لا تهم الفلسطينيين وحدهم، بل العالمين العربي والإسلامي أولا، والمسيحيين ثانيا، وكل المؤمنين بالحرية والعدالة والحق في كل مكان. فمنذ المواجهات الكبرى قرب الحائط الغربي للمسجد الأقصى عام 1929 المعروفة بثورة البراق، أحس الفلسطينيون بأن المهاجرين الجدد من أتباع الديانة اليهودية، لديهم أطماع في المدينة، عندما بدأوا يهتفون قرب حائط البراق «هذا الحائط حائطنا»، فتصدوا لهم ووقعت المواجهات الدامية. حضرت لجنة دولية برئاسة البريطاني ولسون «شو» المبعوثة من عصبة الأمم للتحقيق في أحداث البراق، فأدرك الحاج أمين الحسيني أهمية التحقيق، وأن المسألة أكبر من أن تترك للفلسطينيين وحدهم، فقرر دعوة كبار العلماء والمختصين من العالمين العربي والإسلامي للمثول أمام اللجنة، فاستدعى كلا من فايز الخوري وفخري البارودي من سوريا، أحمد زكي باشا ومحمد علي علوبة باشا من مصر، صلاح الدين بيهم والدكتور أسد رستم من لبنان، مزاحم الباجه جي من العراق، أحمد باشا الطراونة من الأردن، هلالي محمد بن طاهر من المغرب، محمد علي من الهند، رضا توفيق من تركيا، مهدي مشكي من إيران، الشيخ عبد الغفور من أفغانستان، وأبو بكر الأشعري من إندونيسيا. أدلوا بشهاداتهم أمام لجنة «شو» بأن الحرم الشريف وقف إسلامي لا يجوز التصرف به، وأنه ملك المسلمين جميعا. وقد أقرت اللجنة بأن حائط البراق وقف إسلامي وجزء لا يتجزأ من الحرم الشريف، وتعود ملكيته حصريا للوقف الإسلامي، لكن الأخطار المحيقة بالمدينة ما زالت متعددة ومتفاقمة ولنمر على بعض منها.

لقد ركزت الحركة الصهيونية على زيادة حجم السكان اليهود في المدينة، فقد وصل القدس نحو 100000 مهاجر يهودي إلى فلسطين في العقد الذي تلا الانتداب البريطاني، وارتفع عدد السكان اليهود من أقل من 10% إلى أكثر من 17%.

في القدس، زاد عدد السكان اليهود من نحو 34100 إلى 53800، ليصل إلى 57.8% من المجموع بحلول عام 1931. وبقيت هذه النسبة تتزايد إلى أن وصلنا اليوم إلى أن عدد السكان العرب داخل المدينة القديمة لا يزيد عن 179000 مقابل نحو مليون يهودي بسبب الضغوط التي تمارسها السلطات الإسرائيلية على استنزاف السكان العرب مقابل زيادة السكان اليهود. وتستخدم "إسرائيل" عدة وسائل أهمها سحب هويات المقدسيين وإثقالهم بالضرائب، وطرد أهالي الناشطين ونفيهم من المدينة، واحتلال جيوب في المدينة وتحويل حياة السكان الفلسطينيين إلى جحيم، واستقدام مزيد من المستوطنين والسماح لآخرين بالتسلل داخل التجمعات السكنية العربية. ولكن تؤكد الوقائع الديمغرافية الحالية أن إمكانية تغلب طرف على آخر غير ممكنة، وأن محو الوجود العربي أمر شبه مستحيل، إلا بارتكاب جريمة التطهير العرقي الشامل، وهذا أمر غير ممكن في ظل الظروف الدولية المعاصرة، ولذلك من المتوقع أن تستمر سياسة الفصل العنصري (الأبرتهايد) بل ستزيد شراسة، وبالتالي يستمر الاستنزاف للمكون العربي من المدينة وصولا إلى حالة يكون الوجود الفلسطيني هامشيا.

تعمل السلطات الإسرائيلية منذ اليوم الأول لاحتلال المدينة بكاملها عشية حرب يونيو/حزيران 1967 على طمس المعالم الإسلامية والعربية، وإقامة بدائل لها أو معالم موازية يهودية، كما حصل مباشرة بعد الاحتلال عندما قامت القوات الغازية بهدم حارة المغاربة وتوسيع ساحة حائط البراق، وإعلانها مصلى حصريا لليهود. وقد تنامت الحركات الصهيونية المتطرفة التي تدعو إلى هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة ليقام في المكان نفسه الهيكل الثالث المزعوم، فقد بدأ الاعتداء على الأقصى يوم 21 أغسطس/آب عام 1969 عندما قام مايكل روهان الأسترالي المتطرف بحرق المسجد، وإلحاق الخراب بمنبر صلاح الدين. واعتدى جندي إسرائيلي يوم 11 أبريل/نيسان 1982 على المصلين، حيث أطلق النار عليهم مخلفا عددا من القتلى والجرحى، ثم قامت عناصر من الشرطة الإسرائيلية يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 1990 بإطلاق النار على المتظاهرين المحتجين على اقتحام حركة «أمناء الهيكل» للحرم، وخلفت 17 ضحية عدا عن الجرحى. 

لقد حصل استنزاف للمدارس العربية، بحيث أصبحت في وضع بائس، خاصة أن دعمها من السلطة الفلسطينية غير مسموح وغير متوفر أصلا. وتشجع السلطات الإسرائيلية تسرب الطلاب العرب من المدارس قبل إنهاء سنوات الدراسة بمنحهم فرص عمل، يضطر أبناء العائلات الفقيرة أن يقبلوه لمساعدة أهاليهم. كما تيسر السلطات الإسرائيلية الحصول على المخدرات وحتى أحيانا السلاح التي تعرف تماما أنه سيستعمل في الإجرام وليس في المقاومة. وقد نشأ عن كل هذه الظواهر ظاهرة التسرب من المدارس وارتفاع عدد المدمنين وأصحاب الجنح والجرائم والتجارة غير المشروعة بهدف تدمير أي مستقبل لشباب المدينة.

لتثبيت المقدسيين في مدينتهم وتعزيز هذا الوجود لا بد من قيام برامج عملية واستحداث صناديق دعم شاملة على كل المستويات العربية والإسلامية/المسيحية والإنسانية، لتمكين سكان المدينة من الصمود والمقاومة وجعل إمكانيات انتزاع حقوق أكثر، أمرا سهلا في أي تفاوض مستقبلي على مصير المدينة.

عبد الحميد صيام

 

من نفس القسم دولي