دولي
ما لا تُريد السلطة إدراكه
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 31 ماي 2019
لربما التساؤل الذي ما ينفك أن يفارق أيّاً من الفلسطينيين، كيف تُقيم واقع السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة؟، وبعيداً عن الخلاف التاريخي حول مجيئها ضمن اتفاق أوسلو، فإنّ تمنيات الفلسطيني كانت ولا زالت، أن يتمتع بسلطة قوية ذات قرار وسيادة، لديها القدرة على قول لا، رغم التعقيدات الإقليمية، والنفاق الدولي لدولة الاحتلال.
وفي الوقت الذي تتحمل فيه ظروف موضوعية، مرتبطة بالتغييرات الإقليمية، جزءاً من المسؤولية عن الواقع الرديء، فإنّ السلطة الفلسطينية تتحمل المسؤولية الأولى عن التدهور الحاصل في الواقع الفلسطيني، في ظل وجود ملفات ثقيلة، لا زالت السلطة لا تُدرك ضرورة التعامل معها، بما يجعل منها نقاط قوّة لها، بدل أن تكون عبئاً عليها.
أولى تلك الملفات هو ملف المصالحة الفلسطينية، والتي تُحاول السلطة الفلسطينية فيه، تحميل حركة حماس في غزة المسؤولية الكاملة عن فشله، لكنّ الواقع والقناعات خالفت ما ارادته السلطة، حيث ترى غالبية فلسطينية بأنّ السلطة تتحمل الجزء الأكبر في فشل المصالحة، وبأنّها عبء على الشعب الفلسطيني، وهذا وفق ما أورده استطلاع للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية المسحية[1].
الحقيقة التي قد تغيب عن السلطة الفلسطينية هُنا، أن ترك المناكفات جانباً، مرده الإيجابي الأول سيكون على السلطة الفلسطينية، فمن بين مجموعة نقاط القوّة التي يُمكن للسلطة المناورة بها، لتحقيق برنامجها السياسي، -سواءً اتفقنا أم اختلفنا عليه-، تأتي في المرتبة الأولى غزة، فهي رغم الحصار الغاشم، لكنّها تتمتع بأمرين يفتقدهما الفلسطيني في أي بقعة أخرى، ساحة لا يوجد فيها احتلال، ومقاومة استطاعت الصمود والتحدي، وتسجيل تقدم من عام إلى آخر.
من هُنا وإن تبدى للبعض أنّ حصار غزة وانفصالها عن الضفة، سيصب في رصيد قوّة السلطة فهذا غير منطقي وواقعي، على العكس تماماً، هذا دفع غزة ومن خلال رغبات إقليمية، دولية وإسرائيلية إلى محاولة الخروج من أزمتها بمعزل عن السلطة الفلسطينية، ورغم أنّ الواقع هناك سيء للحد الذي أرهق غزة، لكنّه زاد من همة مقاومتها والتفاف الشعب حولها، الأمر الذي أدخل غزة ولو ببطء لساحة التفاوض غير المباشر، الذي سيُحسن من أوضاعها، ولو بعد جولة أخرى، ولكنّه في نفس الوقت سيترك الضفة لقمة سائغة للاحتلال.
في الملف الثاني، واقع الضفة الغربية والعلاقة مع الاحتلال، والذي يُضاعف بشكل ممنهج من استيطانه في الضفة الغربية، الأمر الذي حول مدن الضفة وقراها إلى شبه سجون مفصولة ومعزولة، هنا راهنت السلطة الفلسطينية وخلال العقد الأخير على تغيير الواقع، اعتماداُ على تغييرات داخلية في الكيان، أي انزياح اليمين الإسرائيلي عن الحُكم، وهذا لم يحدث، وليس في المنظور قريباً.
ولكن حتى لو حدث ذلك، هل بالفعل تغيير الحُكم في "إسرائيل" سيغير من الواقع في الضفة الغربية، هذا ما نفاه الواقع وليس التصريحات، فمشروع الاستيطان الذي بدأه العمل، سار بخطى ثابته زمن حكم المركز واليسار وكذلك في وقت سيطرة اليمين، وحتى أنّ أكثر ما يعد به المركز الذي يقوده حزب أزرق-ابيض، هو حصر الاستيطان وليس القضاء عليه، وهو بالتأكيد لن يستطيع في ظل واقع فرضه المستوطنين، واللذين تحولوا إلى دولة داخل الدولة.
الملف الثالث، والذي لربما بات الأكثر خطورة وبات انعكاسه يتضح في الشارع الفلسطيني، هي الفجوة التي باتت تتسارع ما بين السلطة والفلسطينيين في الضفة الغربية، والموضوع ليس مرتبطاً بالانقسام، بل تعدى ذلك ليصل إلى مراحل متقدمة في خلافات ولربما صراعات أوقعت فيها السلطة نفسها، ليس فقط مع أبناء التيار الإسلامي، بل وجزء من اليسار وطيف واسع من فتح، والأهم من ذلك عدم رضى من الشريحة الأكبر في الضفة الغربية، والتي ترى أنّ الفساد ينخر في مؤسسات سلطته، ويرى فشلها في تحقيق حلمها السياسي، وانحسار دورها خدماتياً وأمنياً.
وفي ظل ازدياد هذه الفجوات واتساعها، لم تُدرك السلطة أنّ الحل يكمن في الاقتراب من الشعب بأطيافه المختلفة، وإن كان للسلطة ذرائع فيما يتعلق بغزة، فإنّها في الضفة وواقعها لا تمتلك رواية مقنعة لما يجري!، وهي بمسيرها الحالي ستختلق المزيد من الفجوات، وستخلق حالة ستنعكس سلباً على الثقافة المجتمعية في الضفة الغربية، وخلق حالة متزايدة من الشعور بالغربة في الوطن.
لربما في واقعنا الذي بتنا نحيياه، بات يؤخذ الكلام ضد السلطة أو حتى ضد خصومها، ضمن ما يُعرف بمعادلة الانقسام، لكن الحقيقة المتمعَنة والتي تُرى بوضوح، هي أنّ الواقع الفلسطيني يزداد سوءاً، وعلى السلطة الفلسطينية تدارك الكثير، فيما يُمكن الوصول إليه اليوم بجهد كبير، كان من السهل الوصول اليه بجهود بسيط قبل سنوات، ولربما من المستحيل الوصول إليه كلّما مضى الزمن دون تحرك.
عماد أبو عوّاد