دولي

الصهيونية تنهش ضحايا المحرقة

القلم الفلسطيني

لا أحد يسيء لضحايا محرقة الهولوكوست أكثر من الصهيونية وإسرائيل. ولا أحد يجرّد هذه الجريمة البشعة من بعدها الإنساني أكثر من الصهيونية وإسرائيل. لم يعد خافياً كيف تستثمر التنظيمات الصهيونية، وفي مقدمتها إسرائيل، "منجم الوجع" اليهودي، لابتزاز العالم الحر، مادياً وأخلاقياً، وحشره في مربع الصمت عن الوحشية الإسرائيلية التي توغل يومياً في الجرح الفلسطيني المفتوح. 

لا إنشائية أو مبالغة في هذا، وقد شرح الزعيم البريطاني ونستون تشرشل تلاعب اليهود بـ"الاضطهاد بخبث". وجاء في مقالٍ نُسب له، ونشر في العام 2017، أن "هذه الحقائق يجب أن تواجه في أي تحليل بمعاداة السامية، ويتعين أن يفكّر فيها ملياً اليهود أنفسهم، لأنهم هم الذين دعوا إلى الاضطهاد بسلوكهم المختلف، ويتحمّلون مسؤولية جزئية في العداء الذي يعانون منه". وقد منع نفوذ الصهاينة وسطوتهم نشر مقال تشرشل، المؤرخ في العام 1937، وظل حبيس الأرشيف في جامعة كامبريدج سنوات طويلة. وتجلى الخبث الذي أشار إليه تشرشل في ما زعمه رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بقوله إن هتلر لم يكن ينوي حرق اليهود، بل كان يكتفي بإبعادهم عن ألمانيا، غير أن مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، حليف هتلر، هو من أقنع الزعيم النازي بالخلاص من اليهود نهائيا بالحرق. وكلام نتنياهو هذا لم تنقله صحيفة هامشية، بل جاء في سياق كلمة ألقاها في أكتوبر/تشرين الأول 2015 أمام المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس. وقال نتنياهو بالحرف: "قال هتلر في اجتماع مع المفتي أمين الحسيني في نوفمبر/تشرين الثاني 1941 إنه يفكر بإبعاد اليهود من ألمانيا، غير أن المفتي أشار عليه بعدم فعل ذلك، لأنهم سيذهبون الى فلسطين، وعندما تساءل هتلر عن الحل، قال المفتي: احرقهم".

وقد أثارت فِرية رئيس حكومة إسرائيل، بداية، دهشة حضور المؤتمر، كيف لا وهو يمسح كل الادعاءات التي روجتها الصهيونية لاستدرار عطف العالم، وابتزاز مشاعره، لدعم قيام إسرائيل "وطنهم القومي" الذي وعدهم الله به. لم يفقد نتنياهو صوابه، كما اعتقد بعضهم وقتذاك، وإنما عبّر صراحة عن "العقل الباطن" للصهيونية العالمية التي تختزن من الحقد والكراهية للعرب والمسلمين، وحتى المسيحيين، ما يفوق كره هتلر اليهود بمئات المرات. وقد يكون العنصري نتنياهو تأخر بالتعبير عن دواخله الفاشية، لأن قطعان المستوطنين الذين أحرقوا عائلة الدوابشة، وقبلهم عصابات الهاغاناه وشتيرن التي أحرقت عشرات القرى الفلسطينية، قد سبقوه بالتعبير بالنار والبارود عن "العقل الباطن" الصهيوني الذي يرى في أحفاد الحاج أمين الحسيني نازيين أكثر من هتلر، لأنهم أقنعوه بـ"الهولوكوست"، كما يزعم نتنياهو. 

لم يعد خافياً كيف دأبت الصهيونية على الخلط بين اليهود وإسرائيل، وبين الديانة اليهودية السماوية والصهيونية. وقد حقق الكيان الصهيوني، عبر هذا الخلط المتلازم، مع استغلال الهولوكوست، أكبر جريمة سرقة بشرية في التاريخ، بتعبير نورمان فينكلشتاين، مؤلف كتاب "صناعة الهولوكوست... تأملات في استغلال المعاناة اليهودية" (2000). وفي الكتاب، إن الهدف الأساسي من صناعة الهولوكوست هو إعطاء مناعة لإسرائيل من كل نقد، كما تحوّلت المحرقة إلى أسلوب لابتزاز مبالغ طائلة من دول العالم. ويتعمد الصهاينة الخلط بين اليهودية والصهيونية، مع الحرص على تحميل العالم مسؤولية الاضطهاد الذي تعرّض له اليهود، مع عرض "التطهر" من ذلك الذنب بدعم إسرائيل، وغض الطرف عن جرائمها.

يجب التأكيد هنا على أمرين: أن جريمة المحرقة بشعة ومستنكرة إنسانياً، أودت بحياة الملايين من اليهود وغيرهم، كما أنها بشعة أيضا متاجرة الصهيونية بدماء الضحايا وآلام أهاليهم، وتوظيفها لتمرير جرائم شديدة البشاعة أيضا. ثم إن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق ما لم يتخلص اليهود من عقدة الاضطهاد تلك، كما كتب اليهودي أنتوني لرمان، في مقاله في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في مارس/آذار 2009.

نواف التميمي

من نفس القسم دولي