دولي

الفلسطينيون والصعود الإسرائيلي إلى الفاشية

القلم الفلسطيني

انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية أخيرا، بزعامة نتنياهو، دلالة جديدة على صعود الفاشية ما فوق العنصرية، الجديدة المتجددة. ليس في إسرائيل وحدها ربما، مع أنها الأكثر فجاجة، فالعالم دخل في زمن الشعبوية الذي هو مؤاتٍ لكل التيارات المتشدّدة باتجاه اليمين والتطرف وسحق الفقراء والمهمشين لمصلحة قلة قليلة لرأسمالية متوحشة لا تعرف الشبع، وما نهمها للسلطة إلا وسيلة لهذا الجشع الذي يحول و/أو سيحول شعوب العالم بأسره إلى مجرد عبيدٍ يسخرون لخدمة أسياد قلائل، يحكمون العالم عبر صناديق اقتراع عمياء، تتغذى على الخوف وجهل الناخبين، أو عجزهم من رؤية الهاوية التي تجرّنا إليها هذه القلة. وهذا غيض من فيض مؤشرات تمهد لصعود الفاشية عبر العالم، سيما في إسرائيل. نرى ذلك بوضوح عبر التحالفات التي أنشأها اليمين واليمين المتطرّف بقيادة نتنياهو ونيفتالي بينيت وليبرمان وإيليت شكد وغيرهم، فضلا عن الجنرالين المرشحين المنافسين لنتنياهو، غانتس ومردخاي اللذين لا يقلا تطرّفا عنه. لم يقتصر تقارب نتنياهو الشديد مع ترامب، بل اختار أصدقاءه المقربين من بين أسوأ الشعبويين الأوروبيين. لم يرفّ جفنه، وهو يصافح رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، على الرغم من علمه، قبل زيارته المجر ببضعة أيام في يوليو/ تموز 2017، بدفاع أوربان العلني والصريح عن وصي عرش المملكة المجرية (1920ـ 1940)، ميكلوش هورتي الذي ساعد حليفه النازي، أدولف إيخمان، على ترحيل وقتل 430 ألف يهودي مجري. لم تطرف عين زعيم "ليكود"، نتنياهو، وهو يتودد أيضا إلى ياروسلاف كاتشينسكي الرئيس البولندي الأسبق، ياروسلاف كاتشينسكي (2006 - 2007) الذي حفّز سن قانون يمنع ذكر المتواطئين مع المحتل النازي الذين تواطأوا على إبادة مائتي ألف يهودي بولوني خلال الحرب العالمية الثانية، بحسب المؤرخ زايمون داتنر في بحث أجراه عام 1970. كما أن أفيغدور ليبرمان، وغيره من زعماء اليمين المتطرّف، يُستقبلون بحفاوة منذ العام 2010. وقد أقام نحو ثلاثين من قادة اليمين المتطرّف الأوروبي في إسرائيل، منهم النمساوي هاينز كريستيان ستراتش، وعضو البرلمان الهولندي غيرت فيلدرز الذي يحلم بمنع القرآن في هولندا، وتربطه علاقة حميمة مع ليبرمان، وقد ترافع علنا في إحدى زياراته لمستوطنة في الضفة الغربية، وفق وكالة الأنباء الفرنسية، ضد مبدأ الأرض مقابل السلام مع الفلسطينيين، مقترحا إسكان الفلسطينيين بإرادتهم في الأردن. 

أكثر ما يدفع الإسرائيليين باتجاه التيارات اليمينية المتطرّفة الخوف المتصاعد من عمل الفلسطينيين الدائم على استعادة حقوقهم في أراضيهم والعودة إلى بلدهم التي طردوا منها أو طرد منها أهلوهم. وهذا يعني للإسرائيليين خسارة ما سرقوه، ويعتبرونه حقا لهم، بحسب الخرافة الدينية لأرض الميعاد، خصوصا في تغييب أي حل يحقق لهم السلام والاستقرار. 

وبحسب قواعد علم النفس السياسي، يلجأ زعماء الحركة الصهيونية، منذ نشأتها، باستخدام الدين تارة والخوف من الإبادة تارة أخرى، إلى تذكير الإسرائيليين بزمن الهولوكوست، ليسهلوا عبورهم زمن "النكبة" التي تحولوا معها من ضحايا إلى مجرمين وجلادين ولصوص، ومن ثم إلى أهدافٍ "يسعى الفلسطينيون إلى قتلهم" بشتى الطرق، أو طردهم من المستوطنات، فبطريقة مشابهة، قامت النازية بتمرير "الهولوكوست " والتحضير له عبر ترويج صورة "اليهود البدناء الجشعين ذوي الأنوف المعقوفة والرائحة الكريهة الذين يسعون إلى السيطرة على الاقتصاد وتخريب طمأنينة الشعب الألماني"، إلى ما هنالك من وسائل رفعت منسوب الكراهية في أوروبا، ودفع ثمنها ملايين اليهود الأبرياء، بحسب العالم دايفيد هوتون. وإلا فكيف نفهم نزوع المجتمع الإسرائيلي إلى انتخاب أكثر المرشحين اليمينيين تطرفا ممثلين لهم في الكنيست، والذين لا يتورّع بعضهم عن خيانة ضحايا الهولوكوست؟ 

الخطوة الأولى التي يجب أن يبدأ بها الفلسطينيون لمواجهة كل هذا الوضع، بتعقيداته الذاتية والموضوعية، هي البحث عن مكامن "القوة" التي يملكونها، مع أن خطواتٍ أخرى يجب أن تسبقها، مثل العمل على رص الصفوف، والتخلص من حالة الانقسام التي باتت تتحول إلى سلوك خياني للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، فضلا عن ظاهرة الفساد المالي والإداري والتنسيق الأمني، وترك ملايين اللاجئين الفلسطينيين من دون حماية، أو قيادة ترعى شؤونهم، سواء في داخل فلسطين التاريخية، وخارجها في دول اللجوء والشتات. 

الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها هي برسم النخب الشبابية والمثقفة والنساء أينما وجدوا، وليس برسم من يتسلطون على الشعب الفلسطيني، بوصفهم قادة وزعماء له، فمحو الوجود لا يترك للفلسطينيين أي خيارٍ غير خيار الكفاح من أجل الوجود. وعليه، وبينما أنت في غابةٍ مهدد بالموت لا محالة، يظل هناك أمل في أن تنجو. أن تبحث في نفسك عما يمكن عمله؟ أن تبحث حولك عن الوسائل، وعن الآخر الذي يتهدده المصير ذاته، أيا كان هذا الآخر، كي تتمكنا معا من بناء القوة اللازمة لدرء هذا المصير المظلم. يبقى أن تعلم أن الرؤية وسط الظلام أمر ممكن فقط حين نقبل العتمة، وحين نبدأ البحث عن بصيص النور فيها، فكما يمكن، بحسب قوانين الفيزياء، أن يتلمس المرء طريقه في الظلام، فإنه يمكن لشعبٍ بأكمله أن يفعل. وهذا لا يحتاج أي تحليل سياسي لموازين القوى، أو التيقظ من المؤامرات التي تحاك هنا وهناك، أو حتى إلى وضع خطط فذة للنجاة، فالظلام حالك، وليس هناك ما يمكن فعله غير مواجهة مصير مرعب، أوصل الفلسطينيون أنفسهم بأنفسهم إليه، وليس الأعداء فقط وظلم ذوي القربى.. حين يتهدد وجودك وحش يكشر عن أنيابه مبتهجا، فكل ما يحتاج له المرء هنا قلب شجاع، ولكن فقط أن يريد. فقط أن يبدأ الآن. أن يبدأ بنفسه قبل أن يفوت الأوان، وكي لا يلقي خطبته الأخيرة، كهندي أحمر يرثي نفسه عند خط النهاية.

سامية عيسى

 

من نفس القسم دولي