دولي
مقاومة الاحتلال.. ومقاومة الاستقلال
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 04 ماي 2019
أسرى العرب في السجون العربية ربما أكثر عددا من أسرى المقاومة الفلسطينية في معتقلات العدو الصهيوني. ومعتقلو العرب لا يقلون معاناة عن معتقلي العدو، بل ربما أكثر. كل ما هنالك أن ثمة فئة قاومت الاحتلال الصريح، فحظيت باهتمام وتغطية إعلامية كبرى، حتى من أجهزة إعلام لأنظمة استبدادية تكتظ سجونها بالأحرار، وفئة قاومت الاستقلال (الكاذب) فلفّ ملفها غموضٌ وغمغمةٌ وقلة اهتمام، بزعم أنها ارتكبت أفعالا "جنائية" تتعلق بـ "أمن الدولة" و"التعاطف مع الإرهاب".
وقصة الإرهاب هنا كبيرة، تحتاج لوقفة طويلة جدا، فقد حان الوقت لوقف عمليات تزييف الوعي وخلط المصطلحات، وشأنها هنا هو شأن الفرق بين "احتلال" صريح واحتلال "وطني" ملتبس، هو أشد مضاء من الاحتلال الوقح المباشر.
صدر في 1948/12/10 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونصت مادته الأولى على "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق.. إلخ".
كما نصت المادة 21 على أن "إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية، تجرى على أساس الاقتراع السري، وعلى قدم المساواة بين الجميع".
ثم أصدرت الأمم المتحدة اتفاقيتين رئيسيتين، تؤكدان حق الشعوب في تقرير مصيرها. الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الملحق بها في 1976/3/23، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الملحق بها في 1976/12/23، ثم جاءت اتفاقيات جنيف الأربع، بعد لائحة لاهاي، لتؤكد مشروعية مقاومة العدوان، واعتبار الثوار الوطنيين كالمقاتلين في الجيوش النظامية.
كما أقر ميثاق الأمم المتحدة، في مادته 21، حق المقاومة "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول والشعوب، أفراداً أو جماعات، في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت عليها قوة مسلحة".
كما حددت اتفاقية لاهاي عام 1907 الشروط التي يجب توافرها في المقاومة الوطنية المشروعة التي يقرّها القانون الدولي في مادتها الثالثة، بأن يكون للمقاومين الثوار قيادة مسؤولة أو رئيس مسؤول، أن يحملوا علامة مميزة، أن يحملوا السلاح علناً، أن يلتزموا بقوانين الحرب وقواعدها.
وفي اتفاقية جنيف 27 يوليو/ تموز 1929 "يعتبر أسير حرب كل شخص يقع في يد العدو
"أسرى العرب في السجون العربية ربما أكثر عددا من أسرى المقاومة الفلسطينية في معتقلات العدو الصهيوني" بسبب عسكري، لا بسبب جريمة ارتكبها، وتنطبق بنود هذه الاتفاقية على أفراد الشعب، إذا سلموا مختارين".
كما منعت القمع والتعذيب وأعمال السخرة أو أية معاملة مهينة لكرامة الإنسان ضد أسرى القوات النظامية أو المليشيات الشعبية.. وأكدت اتفاقية جنيف الموقعة في 12 أغسطس/ آب 1949 المبادئ السابقة، كما نصت في مادتها الرابعة، عن أسرى الحرب وأفراد المليشيا والوحدات المقاتلة الأخرى، بما في ذلك حركات المقاومة الشعبية.
كما حظرت المادتان 32 و63 من هذه الاتفاقية استخدام القهر المادي والمعنوي، والتعذيب وأعمال السخرة، أو أية إجراءات وحشية تستخدم ضد الثوار المقاومين الأسرى، ومعاملة المعتقلين منهم باعتبارهم أسرى حرب. وأصدرت الأمم المتحدة قراراً بالإجماع، باستثناء أصوات الثلاثي، أميركا وبريطانيا وإسرائيل، في 14/12/1960 أهم ما جاء فيه "لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، وبمقتضى هذا الحق، لها مطلق الحرية في أن تحدّد أوضاعها السياسية، ولها أن تنهج بمحض إرادتها أساليب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تراها مناسبة".
قد لا تساوي كل هذه المواثيق الحبر الذي كتبت به، فلا احترام في عالمنا المتوحش إلا للقوة، ولكنها محاولة لفرك بصلةٍ في عيون بعض المشرّعين الذين يحتمون بالقانون لتشريع سفالتهم، وموقفهم المذلّ من المقاومة، فهذا هو موقف القانون الدولي من المقاومة، فهل المقاومة الفلسطينية لإرهاب الاحتلال وعسفه وتوحشه إرهاب؟ فكيف يتم الخلط بين مقاومين أشراف أو متعاطفين مع المقاومة حتى (!) ومجرمين جنائيين خالفوا القانون، وارتكبوا من المحرّمات ما يخجل منه القانون نفسه؟ وكيف تجرؤ دولٌ تزعم أنها "مستقلة" وقرارها "وطني"، على التعرّض لمن قاوموا الإرهاب الصهيوني، وتعاطفوا مع المقاومة، و"أسرهم" في ظروفٍ لا تمت لحقوق المعتقل بأي صلة، من حيث الإعلان عن اعتقاله وتوفير محاكمةٍ عادلة له، والسماح لأسرته بزيارته، وغير هذا من حقوقٍ كفلتها التشريعات الدولية والمحلية، حتى في أسوأ أنظمة القهر والعسف و"الإرهاب" الرسمي؟
ملف الأسرى العرب الشرفاء في سجون العرب شائك ومسكوت عنه، وحان وقت فضحه
"ملف الأسرى العرب الشرفاء في سجون العرب شائك ومسكوت عنه" وفتحه بكل التفاصيل، ولا بد هنا من تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، من دون مواربة، ففــي وقتٍ كان ينـاضــل فيــه بعــض الناس، ويتفــرج بعــض آخــر، كان هناك بعــض آخـر يقــوم بدور الخائن. كما يقول غسان كنفاني.
حان الوقت الآن، وأكثر من أي وقت مضى، لوضع النقاط على الحروف، والقول بكل صراحة ومن دون مواربة، إن مقاومة الاستقلال الكاذب المستبد الظالم لأهله، والناهب لثروات الأمة، والمتواطئ مع أعدائها بدعوى "التنسيق والتعاون الأمني!" لا تقل أهميةً عن مقاومة الاحتلال الصريح المستبيح للأرض والعرض والشجر والحجر.
حلمي الأسمر