دولي
ثنائية فتح وحماس.. إلى متى؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 26 أفريل 2019
حظيت انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت، الأسبوع الماضي، باهتمام كبير من المراقبين، فاق ما نالته في الأعوام الفائتة، باعتبارها دومًا كانت، وما زالت، إحدى وسائل قياس اتجاهات الرأي العام الفلسطيني. وبيززيت هي الجامعة العريقة التي وُلدت فيها حركة الشبيبة الفتحاوية، وتخرج من أروقتها عدد وافر من قادة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. فضلًا عن أن هذه الجامعة، بإدارتها وطلبتها، قد سنّت تقاليد مهمة على صعيد العملية الانتخابية التي تجري فيها، بطريقة التمثيل النسبي التي تكفل للاتجاهات كافة التي تجتاز نسبة الحسم أن تكون لها المقاعد المتناسبة مع حجمها الفعلي. وبذلك، وعلى الدوام، كان الجسم الطلابي المنتخب ممثلًا حقيقيًا لأوسع شريحةٍ من الطلاب. ولكن هذه الجامعة تفوقت على نظيراتها من الجامعات الأخرى، عندما وقّعت الكتل الطلابية المتنافسة على ميثاق شرفٍ يقضي بعدم استثناء أي اتجاه يفوز بأي عدد من المقاعد في الجمعية العامة من التمثيل في مجلس الطلبة، وبذلك تم إنهاء احتكار من يفوز بالأغلبية النسبية التي تكون أحيانًا بمقعد واحد.
تراجعت، في انتخابات هذا العام، كتلة الحركة الإسلامية المحسوبة على حركة حماس مقعدين، فانخفض عدد مقاعدها من 25 مقعدًا إلى 23 مقعدًا، ذهب أحدهما إلى كتلة القطب الطلابي، المحسوب على الجبهة الشعبية الذي زادت حصته من أربعة مقاعد إلى خمسة، وحازت المقعد الآخر كتلة الشبيبة الفتحاوية التي ارتفع عدد مقاعدها من 22 إلى 23 مقعدًا، متعادلةً مع كتلة الحركة الإسلامية في عدد المقاعد، ومتفوقة عليها بعدد الأصوات بـ 62 صوتًا، ومنهيةً بذلك فوزًا لحركة حماس في جامعة بيرزيت استمر دورات عدة. ما أوجب احتفالاتٍ بهذا "النصر"، فاق كل متوقع، حيث شمل ذبحًا للخراف في باحة الجامعة، وإطلاقا كثيفا للرصاص، امتد من بيرزيت إلى رام الله، إضافة إلى تهنئة من الرئيس وكبار المسؤولين للشبيبة بهذا الفوز (التعادل) المؤزر. في حين اعتبره بعضهم، مع ما رافقه من فوز لكتلة الشبيبة في الجامعات الأخرى في الضفة الغربية، بمنزلة مؤشر على اتجاهات الرأي العام.
منحت هذه الانتخابات نسبة 45% لكل من "فتح" و"حماس"، و10% للجبهة الشعبية، في حين لم تتمكّن الكتل الأخرى (الفصائل) من تجاوز نسبة الحسم، ولم تحظَ بذلك بأي مقعد، بل لم يتمكّن بعضها من تشكيل قائمة، أو أن يتقدم بمرشح واحد فحسب، ما عزّز لدى بعضهم ثنائية "فتح" و"حماس" في الشارع الفلسطيني، وهو استنتاجٌ يحتاج إلى نقاش لمعرفة حقيقة جوهره، ومدى ثباته، وهل يمكن تغييره، أكان ذلك لمصلحة أحد طرفيه أم باتجاه قوىً أخرى.
ثمة استنتاجات أخرى لا تقل أهمية، وتكشف زيف المعادلة السياسية الفلسطينية السائدة، وتهافت فصائلها، وتطرح، بوضوح، مدى تمثيل هذه الفصائل والقوى لقطاعات من الشعب الفلسطيني. ويكفي هنا القول إن خمسة منها لم تفز في الانتخابات بأي مقعد، وأن أغلبها لم يجد في صفوفه طالبًا واحدًا لترشيحه، كما حالها في قطاعات الشعب الفلسطيني المختلفة، لكنها مع ذلك ممثلة بوزراء في الحكومة الفلسطينية، بصفتهم الحزبية/ الفصائلية، وبأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والمجلسين المركزي والوطني للمنظمة. وسط ادعاء بأن المنظمة (أو الحكومة) تحقق بوجود هؤلاء تمثيلًا واسعًا للشعب الفلسطيني وقواه!
لم تخلُ التعليقات على الانتخابات، أو الدعاية الانتخابية التي سبقتها، والحوار الصاخب الذي جرى بين الكتل المتنافسة بحضور آلاف الطلبة، من اتهاماتٍ متبادلة بشراء الأصوات، وشكاوٍ من ملاحقات أمنية بحق طلبة الكتلة الإسلامية من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وادّعاء أن تراجعها هذا العام نجم عن اعتقال 34 من قادتها في سجون الاحتلال. بالإضافة إلى اتهاماتٍ متبادلة بمنع الحريات وممارسة القمع في الضفة وغزة على السواء.
اللافت أن ثمّة اتجاها للهروب من الإجابات الحقيقية لدى الطرفين، ففي حين تتهم كتلة "حماس" حركة فتح بملاحقة طلبتها بهدف منعهم من ممارسة حقهم في التعبير، إلا أنها تقف عاجزةً عن الإجابة عن السؤال المضاد، وهو لماذا تمنع "حماس" إجراء أي انتخاباتٍ في الجامعات في قطاع غزة؟ ذلك أن المزاج العام لحركة حماس في قطاع غزة يقف ضد مبدأ الانتخابات عمومًا، أكان ذلك في الجامعات أم البلديات أم سواها، في وقت تسعى فيه الحركة إلى المنافسة في جميع الانتخابات التي تجرى في الضفة. أما عن قمع الحريات، فمن الواضح أن في جعبة كل طرفٍ ما يقوله عن الطرف الآخر، وفي ذلك القمع "فليتنافس المتنافسون".
ما يحدث فعليًا أن ثمّة استقطابا موقتا، طاول قطاعاتٍ واسعة من الشعب الفلسطيني، نجم عن ظروف تشكل السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، والتوسع في التوظيف، وبناء الأجهزة الأمنية، ومن ثم جاء الانقسام ليعزّز تحول الفصائل الكبرى إلى ما يشبه القبائل المتناحرة، حيث يدافع أفراد القبيلة عن تصرّفات شيوخها وسياساتهم، أكانت على حق أم باطل، وباندفاعٍ بلا تفكير، عملًا بقول الشاعر "وما أنا إلا من غزية إن غوت/ غويت وأن ترشد غزية أرشد".
أما السؤال عن كيف يتكون ذلك، وكيف نتخلص من هذه الثنائية الزائفة التي لا تعبّر عن حقيقة اتجاهات الشعب، بقدر ما تصادرها تحت تأثيراتٍ مختلفة، أهمها تلك العصبية الفصائلية القبلية، فإن الإجابة عنه تتمثل في الموقف من الشهيد عمر أبو ليلى وأمثاله، حين يتبارى الجميع في مباركتهم والاحتفاء بهم، وفي مسيرات العودة الكبرى في غزة، وفي تصدّي القرى الفلسطينية للمستوطنين الصهاينة.
بوضوح، لن تُحل هذه الثنائية الزائفة إلا عبر النضال والحراك. عندها فحسب ينجلي الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتتحدّد ثنائية مختلفة، أغلبية مع الوطن كله، وأقلية لا تمثل إلا ذاتها، اختارت أن تنهزم مع العدو.
معين الطاهر