دولي

الأسرى .. كيف ولماذا يعلنون الإضراب عن الطعام؟

القلم الفلسطيني

تنتهك مصلحة السجون الإسرائيلية الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بالأسرى وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة 1949، التي تنص على ضمان حقوق أسرى الحرب، إلا أن مصلحة السجون الإسرائيلية لا تعتبر الأسرى الفلسطينيين من أسرى الحرب؛ في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

حيث تمارس مصلحة السجون الإسرائيلية أبشع الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونها البالغ عددهم (6000) أسير، من خلال التعذيب الوحشي الجسدي والنفسي والاعتداءات المتواصلة بالضرب واقتحام غرف الأسرى والأسيرات، وكذلك فرض الأحكام المؤبدة تصل إلى مئات السنين، والعزل الانفرادي والاعتقال الإداري المفتوح، ومنع زيارات الأهالي المكفولة بالقانون الدولي.

بالإضافة إلى الحصار الإعلامي ومنع وسائل الإعلام عن الأسرى، والعدوان على الأسرى من خلال ما يعرف بـ"الكانتينا*" وفرض العقوبات المالية عليهم وتخفيض المبالغ المالية التي تصل إلى الأسرى لشراء المواد الغذائية واحتياجات الأسرى من بقالة السجن.

كما تنتهك مصلحة السجون الإسرائيلية القانون الدولي الذي يدعو إلى توفير العلاج والحماية لأسرى الحروب، حيث تنتهج مصلحة السجون سياسة الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى المرضى وعدم تقديم العلاج المناسب لهم، كذلك تهدد مصلحة السجون حياة الأسرى من خلال أجهزة التشويش التي تضعها في السجون، والتي تسبب أمراضا خطرة للأسرى كالسرطان.

منذ سنة 1967 توفي (220) فلسطينيا من أبناء الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال نتيجة التعذيب الوحشي من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى الإهمال الطبي والقتل المتعمد أثناء عمليات الاعتقال.

جميع هذه الانتهاكات شكلت عاملا رئيسا لانتفاضة الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذ عدة خطوات تصعيدية منها إرجاع وجبات الطعام والامتناع عن الخروج إلى ساحة الفورة " الفسحة"، ومن أهم هذه الخطوات هي الإضراب المفتوح عن الطعام.

وجرت العادة عند استعداد الأسرى لخوض الإضراب عن الطعام، تشن مصلحة السجون الإسرائيلية حملة ضد الأسرى تتمثل في اقتحام السجون وسحب أجهزة التلفاز والراديو، لمنع وصول أخبار الفعاليات الشعبية التضامنية مع الأسرى في إضرابهم، التي تساهم فعليا في رفع معنويات الأسرى.

كما تعمل على عزل قيادة الحركة الأسيرة وإجراء تنقلات بين السجون بهدف منع التواصل بين قيادة الإضراب والأسرى.

كذلك تسحب مصلحة السجون مادة الملح التي يستخدمها الأسرى خلال فترة الإضراب عن الطعام، حيث تساهم مادة الملح في الحفاظ على أمعاء الأسير من التعفن، وفي بعض الحالات يصل الإضراب إلى الماء أيضا.

كما تعمل مصلحة السجون الإسرائيلية على بث الشائعات حول إضراب الأسرى بين السجون، بهدف ضرب معنويات الأسرى وإفشال الإضراب.

وذلك من خلال نشر أخبار كاذبة عن توقف بعض الأسرى عن الإضراب، أو نشر صور مفبركة لأسرى مضربين وهم يتناولون الطعام، بهدف التأثير معنويا على بقية الأسرى في الإضراب.

وتستخدم مصلحة السجون الإسرائيلية القوة والعنف ضد الأسرى المضربين، من خلال التفتيش اليومي لغرف السجون والاعتداء على الأسرى، وشواء اللحم تحت نوافذ السجن، بالإضافة إلى استخدام أسلوب التغذية القسرية للأسير بإدخال أنبوب إلى معدته والذي يشكل خطرا على حياته.

تتشكل لجنة عليا من مختلف التنظيمات الفلسطينية المشاركة في الإضراب لإدارة الإضراب والتفاوض مع مصلحة السجون الإسرائيلية حول مطالب الأسرى، وهي المخولة بالحديث باسم الأسرى وإصدار القرارات ببدء الإضراب أو إنهائه.

كذلك يمكن لقيادة الأسرى لأحد الفصائل الفلسطينية إعلان الإضراب عن الطعام لأسرى التنظيم بشكل منفرد، حيث تقابل هذه الخطوة بتضامن من بقية التنظيمات داخل السجون.

بعد الأسبوع الأول من الإضراب المفتوح عن الطعام تبدأ أعراض الإرهاق على الأسرى المضربين، والشعور بالألم واختلال التوزان وفقدان الوزن، حيث يمتنع الأسرى المضربون عن الحركة للحفاظ على طاقتهم، في حين تعمل مصلحة السجون الإسرائيلية على اقتحام غرف الأسرى والاعتداء عليهم.

خلال فترة الإضراب يتناول الأسرى كميات من الملح للحفاظ على أمعائهم من التعفن، حيث يلعق الأسير الملح ومن ثم يشرب الماء، بعكس ما يتم تداوله من مقاطع فيديو حول شرب الماء والملح معا.

وخاضت الحركة الأسيرة الفلسطينية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، عدة إضرابات عن الطعام في سبيل تحسين ظروفها الإعتقالية السيئة، والإضراب إما يكون جماعيا أو فرديا يخوضه أسير واحد للمطالبة مثلا بإنهاء اعتقاله الإداري.

في نيسان/ إبريل 2019 أعلن الأسرى في سجون الاحتلال البدء بإضراب مفتوح عن الطعام وتركزت مطالب الأسرى بإعادة زيارات الأهالي لأسرى قطاع غزة، ورفع الإجراءات العقابية التي فرضتها مصلحة السجون الإسرائيلية وتقديم العلاج للأسرى المصابين جراء الاعتداءات الإسرائيلية عليهم في سجن النقب وريمون.

كما طالب الأسرى بإعادة بث المحطات الفضائية إلى الأقسام، ورفع مبلغ الأسرى فيما يتعلق بالكانتينا، وإزالة أجهزة التشويش الإسرائيلية، وتحسين ظروف إحتجاز الأسيرات الفلسطينيات.

ومن المهم جدًّا تعاطي وسائل الإعلام المختلفة مع إضراب الأسرى بشكل دقيق، وعدم التساوق مع الرواية الإسرائيلية، وبث الفعاليات التضامنية مع الأسرى بهدف دعم صمود الأسرى في إضرابهم.

كذلك تخصيص مساحات مهمة في الأخبار والبرامج لمختلف وسائل الإعلام لتناول مستجدات إضراب الأسرى، واستضافة المختصين بقضايا الأسرى للحديث في الملف.

أيضا التفاعل الشعبي مع إضراب الأسرى له تبعات مهمة في دعم صمود الأسرى والاستمرار في الإضراب المشروع، لذلك نجد أن مصلحة السجون الإسرائيلية تعمل على مصادرة وسائل الإعلام من السجون مع بداية الإضراب لعزل الأسير عن الخارج.

ومع ذلك كل شيء يهون بالنسبة للأسير إذا رأى ثمرات تضحيته على الأرض أو على الأقل إذا تأكد من الاستمرارية في المسار الذي تبناه، لكن قمة الخيبة والتي تفاقم من معاناته هي أن يجد من ناضل لأجلهم قد غيروا وبدلوا بل ونسوه تماما. لذلك فالتحدي الأساسي للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية هو إعطاء قضية الأسرى المكانة التي تستحقها لا من أجل رفع المظلومية عنهم فحسب أو على الأقل التخفيف منها؛ وإنما أيضا كمقياس لمدى حيويتنا، فكما هو معروف بأن الأمم الحية لا تفرط في أسراها، وكلنا يستحضر ما قام به الكيان الصهيوني في موضوع جلعاد شاليط حتى حول قضيته إلى قضية عالمية، فيما الآلاف من خيرة مناضلينا يقبعون في سجونه، ومع ذلك نلحظ فتورا واضحا في الدفاع عنهم، وهذا ما يعطي للعدو تفوقا ظاهرا علينا في هذا الملف. 

إن ما ينبغي وعيه جيدا أن للأسرى دينًا على شعبهم وأمتهم والذي يجب تسديده على كافة الأصعدة بداية من ذكرهم وذكر بطولاتهم واستحضار عذاباتهم وآلامهم، وذلك في إطار رد الاعتبار لقضيتهم المنسية المستحضرة في المناسبات فقط، وانتهاء بالعمل الجاد على تحريرهم، بهذا فقط نكون قد رددنا لهم شيئا من الجميل علينا ونثبت بأننا أهل لبطولاتهم وتضحياتهم.

ماهر حجازي

 

من نفس القسم دولي