دولي

ضمّ الضفة تبديد لأوهام السلطة!

القلم الفلسطيني

في سبتمبر من العام 2012، حصلت فلسطين على مركز دولة غير عضو بصفة مراقب في الأمم المتحدة، حينها احتفلت «السلطة الفلسطينية» بما عدته إنجازاً تاريخياً للشعب الفلسطيني، من شأنه أن يكون الحلقة الأولى لاستعادة كامل الحق الفلسطيني.

أنصار محمود عباس وفريقه عدوا الأمر تتويجاً لخطهم السياسي، ودليلاً على نجاعته وأهميته، كرنفالية طويلة احتفى بها كثير من الفلسطينيين الذين يتعطشون لكل ما من شأنه أن يعيد لهم شيئاً من حقوقهم المسلوبة، وإن كانت معنوية.

بعدها غيّرت السلطة ترويسة أوراقها الرسمية، لتحمل اسم دولة فلسطين عوضاً عن «السلطة الوطنية الفلسطينية»، ربما كان هذا هو التطور أو التغيير الأبرز الذي طرأ على المعادلة السياسية منذ ذلك القرار، كما أن السيادة كانت أيضاً على الورق، فمستوطن إسرائيلي واحد بإمكانه أن يغلق شارعاً بأكمله، ويوقف دورية لأمن السلطة، ويحتجزها دون أن يحرك ساكناً، كما أن رئيس وزراء تلك السلطة ذاته يخضع لتلك الظروف والاعتبارات الميدانية.

ازدادت وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية منطقة نفوذ السلطة الفلسطينية أو ما أصبح اسمها على الورق «دولة فلسطين» على نحو غير مسبوق، وابتلع الاحتلال مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين وشق الشوارع الاستيطانية، كما أعلن ترمب عن ضم القدس لما يسمى «إسرائيل» بشرقها وغربها، وأخيراً بات نتنياهو وأقطاب كيان الاحتلال يهددون بضم الضفة أو غالبيتها لما يسمى «إسرائيل».

من الواضح أن السلطة الفلسطينية ومشروعها السياسي تحتضر، فإن كانت غزة وفصائلها تتعرض لأزمات مرحلية خطيرة للغاية، فإن السلطة تتعرض لتهديد وجودي، وقد كتبت أكثر من مقال في هذا الاتجاه خلال السنوات الأخيرة منها: «الضفة في مواجهة يهودا والسامرة» و«تجريد الفلسطينيين من السلطات». يتجه الاحتلال لإلغاء الصفة السياسية عن الكيانات الفلسطينية، يساعده في ذلك إلى حد كبير الواقع المتشكل في الضفة الغربية بفعل «التنسيق الأمني»، فهو لا يريد أكثر من أجهزة أمنية تضمن له أمنه وتمدده بشكل آمن.

لا تغيب هذه المعطيات حتى عن متزعمي السلطة الفلسطينية في رام الله، كما أن كثيراً من التقارير الإسرائيلية تحدثت عن ذلك، وبعضها ربط الأمر بموت محمود عباس، ذلك أنه لا توجد تهيئة ولا توافق على بديل محتمل له، كما أن فرص إجراء انتخابات تبدو شبه معدومة في ظل وجود الانقسام الفلسطيني.

في انهيار السلطة مخاطر على الاحتلال المتخوف من الفوضى وانفلات الأمور وتفجر الأوضاع، وأيضاً على الفلسطينيين، خصوصاً الذين يتلقون الخدمات والمرتبات من مؤسساتها المختلفة، ومع تفاقم الأوضاع وتراجع أشكال الدعم للقضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني، بما في ذلك تقليص خدمات الـ «أونروا» والتهديد بوقفها، تتعاظم المخاطر.

لا تغيب هذه المعطيات عن قادة السلطة، إلا أنهم بدلاً من مواجهة المخاطر بتكاتف وطني وإعادة تقييم خطهم السياسي، يذهبون إلى تحميل غزة المسؤولية عن ذلك، واتهامها بمحاولة إقامة دولة بعيداً عن الضفة، غير أن الواقع يقول إن الاحتلال يسحب الضفة من تحت أرجل السلطة، وإن استمر في ذلك فلن يبقى سوى غزة، فكأنهم يُسلمون بما هو آتٍ مع اجتزاء الحقيقة، أو هي محاولة استباقية لنفي تهمة التفريط باتهام الآخرين!

هل تشهد فترة حكم نتنياهو الحالية ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى (إسرائيل)، على غرار ضم القدس والجولان؟! إجابة السؤال جاءت في الحملة الانتخابية لنتنياهو والليكود حيث وعد الناخبين اليهود بضم مستوطنات الضفة الغربية. نجح نتنياهو بأصوات اليمين والمستوطنين، لذا توقعاتي أنه لن يخلف وعده الانتخابي، وسيقوم بالضم رغم أنف السلطة والمجتمع الدولي. ويبدو أنه قد تفاهم في هذا الأمر مع ترامب، الذي وعده بالاعتراف بالضم.

بينما يعمل نتنياهو على ضم كتل اليمين المختلفة إلى حكومته، ودعم إجراءاته بشأن الضفة والجولان والقدس، نشهد في رام الله تشكيل حكومة فلسطينية جديدة فتحاوية الرئاسة والوزراء، الأمر الذي انتقدته الفصائل، وقالت فيه إنه يعزز الانقسام والفصل بين غزة والضفة.

وبينما تتوحد دولة العدو مع الشعب في حماية مصالح المستوطنين، نجد الدولة في البلاد العربية في خصومة شريرة مع الشعب. في السودان الشعب يحاصر القصر، والجيش. وفي الجزائر الشعب ينجح في تنحية عبد العزير بوتفليقة. وفي الخليج حرب في اليمن. وفي سوريا والعراق نزاعات طائفية وحزبية، وتدخلات أميركية وروسية.في ظل هذه الحالة الرديئة ما الذي يمنع نتنياهو من ضم أجزاء من الدولة، وهو الرجل صاحب استراتيجية القفز عن أوسلو، ورفض حل الدولتين، وتعزيز الانقسام بين غزة والضفة، وإجبار الفلسطينيين على الاستسلام، والبلاد العربية على التطبيع.

الطريق لمواجهة نتنياهو وخطواته المستقبلية ليس بانتظار غانتس كما فعلت السلطة في رام الله، بل في توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهة الأخطار القادمة، وربما في إطلاق يد المقاومة في الضفة الغربية، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي وعلى رأسها وقف التنسيق الأمني. إن ضم نتنياهو للقدس، والجولان والضفة لا سمح الله لا يعني أن الفلسطينيين لا يملكون ردا على جرائم نتنياهو، بل العكس.

إن لدى الفلسطينيين ردودًا مختلفة، وقدرات على إرهاق (إسرائيل) وإفشال خططها، وإجبارها على الانسحاب، ولكن هذا يحتاج إلى قيادة وطنية جديدة قادرة على قيادة الشعب، ومواجهة الأخطار. القيادة الحالية فقدت القدرة على المعالجة، والقدرة على الإبداع، والقدرة على توحيد غزة والضفة، والقدرة على مواجهة الأخطار القديمة والجديدة؟! وباتت تعيش في أزقة الماضي، وعتمة الأحقاد، وكراهية الآخرين؟! 

ماذا ستفعل حكومة اشتية الفتحاوية إذا ما ضم نتنياهو أجزاء من الضفة؟! هل ستبلع لسانها كما بلعته حكومة الحمد الله حين اعترف ترامب بضم القدس؟! هل ستأتي بجديد وطني، أم ستبقى عاجزة عجز من أغراه كرسي الحكم بالصمت؟! الضفة في خطر، والقادة يتفرجون؟!

رضوان الأخرس

 

من نفس القسم دولي