دولي
رسائل أربع في مليونية الأرض والعودة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 05 أفريل 2019
يوما بعد يوم يشتد إيماننا بعدالة قضيتنا وقدرتنا على إنجاز أهدافنا وحقوقنا الوطنية.
بالأمس احتشد شعبنا بكافة شرائحه ومكوناته في تظاهرة مليونية كبرى على امتداد الحدود الفاصلة بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948 في ذكرى يوم الأرض الخالد، وبمناسبة مرور عام كامل على انطلاق مسيرات العودة وفك الحصار، وأبرق برسائل بالغة القوة إلى مختلف الأطراف ذات العلاقة بشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية.
الرسالة الأولى التي أرسلتها مليونية يوم الأرض والعودة هي رسالة سياسية وميدانية مزلزلة بلغت الاحتلال الصهيوني واقتحمت على قادة الاحتلال عقولهم وأفهامهم، إذ أشعلت الحشود الكبرى المنادية بحق العودة بشكل خاص وكافة الحقوق الوطنية بشكل عام الأضواء الحمراء والإنذارات الساخنة في عقول الصهاينة، في وقت كانوا يمنّون أنفسهم حتى وقت قريب جدا بنجاح مخطط الفوضى والفلتان الأمني داخل القطاع عبر غطاء الحراكات الشعبية التي تتلفّع بالمطالب الإنسانية.
ومن هنا فإن الحسابات الصهيونية، سياسيا وميدانيا، لن تبقى على حالها القديم، وستشكل مليونية الأرض والعودة نقطة فارقة وتحولا فاصلا في مسار التعاطي الصهيوني مع قطاع غزة ومقاومته الباسلة وأهله الصامدين لجهة إبداء مزيد من التراجع على طريق تفكيك وحل الأزمة وإزالة المعاناة.
أما الرسالة الثانية فكانت إلى المعسكر الداعم والمتحالف مع الكيان الصهيوني، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وكل الدول الداعمة للاحتلال، ومن خلاله أرادت مليونية الأرض والعودة إرسال رسالة تحدٍّ متعاظمة لترامب وقراراته الهوجاء ومخططاته العنصرية بحق حق العودة وقضية اللاجئين وقضية القدس وغيرها، ولكل من يصطف في خندقه المشؤوم، والتأكيد على أن صفقة القرن وسواها من الصفقات المشبوهة سوف تتحطم على صخرة الصمود والوعي الفلسطيني الكبير، وأن الغطاء السياسي والمدد العسكري والمادي الممنوح للاحتلال الذي يعتمد عليه في جرائم العدوان واستمرار الحصار لن يوهن عزائم الرجال الأفذاذ والمجاهدين الأطهار مهما كانت التضحيات.
فيما أطلقت مليونية الأرض والعودة رسالتها الثالثة لسلطة رام الله وحركة فتح الذين يفرضون عقوبات جماعية عنصرية على أهالي القطاع، ويعملون بأقصى جهد مستطاع كي يزعزعوا حالة الاستقرار الداخلي ويحملوا الناس على العصيان والثورة والانقلاب على المقاومة تحت حجج وذرائع مختلفة.
فأرادت المليونية أن تقول لحركة فتح والسلطة: كفى، فالمرحلة لا تحتمل اليوم مزيدا من العبث والتلاعب في الشأن الفلسطيني الداخلي، ولا تحتمل -أيضا- مزيدا من التلكؤ في العمل لبناء استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة أخطار وتحديات المرحلة في ظل تمدد الاستيطان وتعاظم التهويد، فلا سبيل للتصدي لهجمة الاستيطان والتهويد وإحباط المخططات الصهيونية المسعورة ضد أرضنا ومقدساتنا إلا بالوحدة والالتقاء على برنامج المقاومة والصبر والرباط والصمود.
أما التحريض الخطير على غزة وبذل الجهود السرية والعلنية لكسرها وقهرها فهو من ضروب الأوهام والخزعبلات التي أرادت الحشود الثائرة يوم الأرض تعريتها وإماطة اللثام عنها وفضح أهلها.
أما الرسالة الرابعة والأخيرة التي أبرقت بها مليونية الأرض والعودة فهي رسالة حب ووفاء وإخلاص لشعبنا الفلسطيني العظيم وتضحياته الرائعة على امتداد محطات الكفاح الفلسطيني الطويل.
إنها فصول جليلة تروي حكاية وتاريخ شعبنا الفلسطيني في دفاعه عن أرضه العزيزة التي تخضبت بدماء الشهداء، وملاحمه البطولية للذود عنها في وجه حملات المصادرة والاستيطان والاستباحة الصهيونية، وتحكي عن مقاومته الباسلة في طول وعرض الوطن وعن تصديه البطولي لكل المخططات والصفقات السوداء التي تستهدف تصفية قضيته الوطنية.
إننا في المجلس التشريعي الفلسطيني لا نملك في هذه الذكرى الخالدة، ذكرى يوم الأرض ومسيرات العودة، إلا أن نبرق بالتحية كل التحية إلى شعبنا الفلسطيني الصامد المتجذّر في أرضه، مستشعرين قيم ومعاني التضحية والفداء والانتماء التي تكرسها هذه الذكرى، لنؤكد أن شعبنا الفلسطيني لم تزده الأيام الحالكات إلا صبرا وصمودا، ولم تزده المعاناة والآلام إلا جلدا وقوة وثباتا، ولم تزده ألوان التآمر والالتفاف على حقوقه وثوابته المشروعة إلا تمسكا بها وإصرارا على بذل الروح والدم والمال في سبيلها.
وكلنا ثقة أن تجذّرنا في أرض الآباء والأجداد، واستعدادنا للتضحية من أجلها، واستمرارنا في مسيرات العودة، كفيل بتقصير أمد استعادتنا لحقوقنا السليبة، وفك الحصار وإزالة المعاناة وتقريبنا من يوم النصر الموعود.. وما ذلك على الله بعزيز.
البيئة والموانع التي اعتمدتها حركة حماس في عدم مفاوضة العدو الصهيوني ورفض الجلوس معه مباشرة ما زالت قائمة؛ بل بالعكس تعمقت وأصبحت أقوى، والرفض أجدى وأنفع للفلسطينيين.
وتجربة حركة فتح ماثلة أمامنا بكل ما تحمله من آثار، وعليه لا تغيير على موقف الحركة مطلقًا بهذا الخصوص، وكل ما يتم تداوله ونشره ما هو إلا إعلام مضاد ومعاد للحركة والفلسطينيين وقضيتهم بعيدًا عن الشرف والفروسية لا سيما أنه لا يقتصر على الجانب السياسي ليصل لعصب الشعب ورواد القضية الأسرى وترويج أخبار عنهم مفادها أنهم اتفقوا مع مديرية السجون تارة، وهو ما لم يحصل أبدًا، وتارة أخرى نشر أخبار كاذبة أن حركة حماس توقع على اتفاق تبادل مع الاحتلال يؤثر في أهالي الأسرى وعوائلهم وحجم التضامن معهم.
والمصدر واحد، والهدف واحد، والنتيجة واحدة للأسف.ولو افترضنا أن فتح أعلنت إعادة تفعيل الكفاح المسلح ضد الاحتلال لاعتبرنا ذلك معقولًا قراءةً للواقع وما يتم على الأرض.
في المقابل صعب للغاية نظرًا لطبيعة الحركة وتركيبتها في الوقت الحاضر، واستعداد قيادتها الأولى لتحمل تبعيات هذا القرار.
ولو افترضنا أن حماس فاوضت (إسرائيل) لاستغربنا ذلك سياسيًّا ومن خلال ما يجرى في الواقع، وحسب تركيبة الحركة في كل المستويات من الجندي حتى القائد.
فالمفاوضات ثبت أنها أقرت بحيفا وغيرها من المدن لـ(إسرائيل) مقابل نابلس وغزة وباقي المدن التي لم تعُد للفلسطينيين، فخسرنا كل شيء، و(إسرائيل) ربحت كل شيء، فكيف لنا كفلسطينيين إذا أخطأ منا فصيل وتبين ذلك بشكل واضح لا لَبْس فيه يسقط كل الفلسطينيين في ذات الفخ ويدفعون نفس الثمن دون أن يعيدوا حقًّا واحدًا من الوطن، فالمنطق عمل مشترك وإدارة الصراع تحت سقف المقاومة بين كل الفصائل من أجل حماية الوطن في هذه المرحلة الخطيرة.
أحمد بحر