محلي

مقاهي العاصمة فضاءات اجتماعية مفتوحة لقضاء أمسيات منعشة في فصل الصيف

تزينها "الشيشة" المشرقية ونكهات البن التركي

يجد الجزائريون في السنوات الأخيرة متنفسا جديدا لقضاء أمسياتهم الصيفية في قلب العاصمة، وذلك بالجلوس على طاولات مقاهي انفتحت على الشوارع الكبرى، فباتت فضاءات تنتعش مساءا بإقبال ملفت لزبائن غيروا من المفهوم القديم لمقهى المدينة.

قد يكلف الظفر بطاولة بإحدى المقاهي المتوفرة بقلب العاصمة، نصف ساعة أو أكثر من الانتظار، حسبما لوحظ في مقهى "ميلك بار" التاريخي، وهو حال العديد من  الأماكن الأخرى المشابهة التي أصبحت في السنوات الأخيرة مقصد الرجال و النساء  معا.

و يعد أل"ميلك بار" ببلدية الجزائر الوسطى, واحدا من المقاهي الشهيرة التي  يقصدها الزوار المحليون و الأجانب على مدار السنة و بشكل أكبر في أمسيات  الصيف, لما يوفره من جلسة مفتوحة على شارع العربي بن مهيدي المحفوف بالأشجار و  المطل على تمثال الأمير عبد القادر.

و غالبا ما اقترن ارتشاف كوب شاي أو فنجان قهوة عند السيدة فتيحة, ناشطة  جمعوية, بالتقاط صورة تذكارية رفقة ضيوفها من الولايات الأخرى أو الأجانب  الذين "يصرون على زيارة هذا المقهى التاريخي".

و يعترف النادل لـ /واج بـ "صعوبة إرضاء" الزبائن الذين يفضلون الطاولات  الخارجية, رغم أن المحل استفاد منذ سنوات قليلة من إعادة تهيئة و تعويض  الجدران بواجهات زجاجية تسمح بالاتصال بالخارج, إلا أن الجلوس على الشرفة "لا  يضاهيه" مكان في الداخل, على حد قوله.

وبالقرب من البريد المركزي, تختلط خطوات المارة بالجالسين على طاولات مكتظة  أصبحت نقطة التقاء العديد من الموظفين و الاعلاميين و المثقفين, كما هو حال  محمود و سفيان المشتغلان في مجال الاتصال يؤكدان أن هذا المكان يسمح لهما بـ  "لقاء أكثر من شخص في ظرف زمني قصير", ناهيك عن "الجو العام المتوفر".

أما زميلتهما سارة.ع فتقول أن الجلوس خارجا شكل لديها "حرجا" في البداية, إلا  أن إقبال الناس باختلاف مشاربهم و أعمارهم و "تغير السلوكات إلى الأفضل" شجعها  على تقاسم هذا  الفضاء مع الغير.

و ترى سميرة. إ, من جهتها, أن مقاهي اليوم هي "فضاءات جميلة ومؤثثة أيضا  للوجه العام للمدينة", بينما تشير زهية. م أن هذه الأخيرة توفر "نوع من  الراحة" للنساء و الرجال معا, إلا أن "عددها قليل جدا" بالنظر إلى طموح  العاصمة في التحول إلى واجهة متوسطية رائجة.

و في جولة عبر شارع العربي بن مهيدي و ديدوش مراد وصولا إلى نهاية شارع علي  منجلي, تم تسجيل عدد من المقاهي و قاعات الشاي المفتوحة على الشارع, فكانت في  حدود العشرة محلات تحولت إلى نقاط تجمع يتقاطع فيها الشباب و الكهول و النساء,  في جلسات بدت مريحة للعيان.

و التقت (واج) بالفنان سيد علي بن سالم, الذي أكد أن انتشار المقاهي عبر  شوارع العاصمة "يعد ترفا لصالح المواطنين و الزوار", لكن يجب في نظره, أن ترفق  بـ "تسيير عقلاني يحتكم إلى المنطق السياحي" و يأخذ بعين الاعتبار "حق" الزبون  في لائحة اختيار واسعة عكس ما هو مطبق اليوم.

و باتجاه ساحة بور سعيد, و عند مقهى "طونطوفيل" المحاذي للمسرح الوطني  الجزائري محي الدين بشطارزي, اعتبر الممثل المسرحي بلة بومدين من ولاية تندوف  أن المرور على طونطوفيل هو "شبه واجب", فهنا "يستحيل" --حسبه-- أن لا تلتقي  بأحد الأصدقاء و رفقاء المهنة.

و أخذت مقاهي اليوم شكلا معاصرا بدخولها لشبكات التواصل الاجتماعي و أصبح  الترويج لها عبر مواقع إلكترونية تفرد صورا و فيديوهات إشهارية لمحلات بمميزات  عصرية تقع في نواحي أحياء جديدة مثل حيدرة و الدرارية و العاشور و دالي  ابراهيم, و في المقابل أوصدت أبواب المقهى الرمز "مالاكوف" و نزح بعض رواده  إلى مقهى "تلمساني" بجانب الجامع الكبير.

و أوضح الباحث في التراث العاصمي مهدي براشد أن علاقة الجزائري بالمقهى "تمتد  إلى عصور قديمة", و أن القصبة كانت "مدينة حية تتنفس من خلال فضاءات ذات بعد  اجتماعي وخصوصا عبر مؤسستين أساسيتين هما المسجد و المقهى", معتبرا أن مفهوم  المقهى "تغير" مع الوقت خاصة في السبعينات "حينما أخذ معنى آخر بظهور قاعات  الشاي بكل حمولتها القيمية و الاجتماعية".

كما أشار إلى أن المقاهي سالفا, وعلاوة عن كونها مكان للمواعيد و الانتظار,  كانت "تحتضن الأعراس و جلسات الفرح", في إشارة منه إلى مقاهي "بوشعشوعة" و  "الجواجلة" و  "مقهى الرياضي"  و "مالاكوف" الذي أحيا فيه الحاج الناظور مع  الحاج محمد العنقى جلسة غنائية في 1923, حسب المتحدث.

و يصف المهتم بالتاريخ الفني للعاصمة فيصل شريف, تلك المقاهي بـ "المساحات  الاجتماعية للتلاقي و التبادل" التي كرست انطباعا بأنها "عوالم ذكورية  بامتياز" كما اقترنت بشخصية فريدة من نوعها أو بعائلة أو قصة تاريخية.

ويتأسف من جهة أخرى للتغيرات الطارئة على المقهى التي كانت في السابق تساهم  في الحياة الفنية و الثقافية و الاجتماعية للجزائريين, وقال أن المتوفر اليوم  في الساحة مجرد "ظلال" يلجئ إليها الناس لاحتساء فناجين قهوة على عجل.

محمد الأمين. ب

 

من نفس القسم محلي