الثقافي

بيتر فريز يكتب عن سيناريوهات للمستقبل بعد الرأسمالية

على الرفّ

 

 

يسري اعتقاد خاطئ أن ماركس كتب عن تصوّره لليوتوبيا الشيوعية وكيف ستكون حالها في المستقبل بعد انهيار الرأسمالية. في الواقع، سخر ماركس من محاولات تصوّر المستقبل الشيوعي، وكان عمله الضخم "رأس المال" (1867) تحليلاً اقتصادياً وسياسياً لنظام الإنتاج الرأسمالي وكيف وصل الحال إلى ما كان عليه في القرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية والتغييرات التي طرأت على نمط الإنتاج وأثره على الطبقة العاملة. استنتج ماركس أن العمل المأجور هو وحدة التجارة الأساسية في النظام الرأسمالي، وأن فائض قيمة عمل العامل التي لا تدفع له ويكتسبها صاحب العمل هو اضطهاد للعمال يخلق التمايز الهائل في الثروات.

ينطلق بيتر فريز في كتابه "أربعة احتمالات مستقبلية: الحياة بعد الرأسمالية (دار فيرسو، 2016) من هذين الواقعين القائمين حالياً (الأتمتة والتغير المناخي) وما سينتج عنهما في المستقبل ليحاول استشراف أربعة سيناريوهات مستقبلية، أو كما يكتب في مقدمة الكتاب: "التفاعل بين هذين الاحتمالين يجعل من لحظتنا التاريخية غامضة وغير مؤكدة ومتقلبة، مليئة بالأخطار والوعود على حد سواء". يعكس هذان الإحتمالان خوفاً إنسانياً راهناً بحسب تعبير فرايز: التغير المناخي (أي الخوف من امتلاك القليل جداً) والأتمتة (الخوف من امتلاك الكثير جداً). 

ينطلق فرايز في تحليله من أن الرأسمالية ستنتهي، ويستدعي مقولة روزا لوكسيمبورغ الشهيرة أن المجتمع البرجوازي يقف أمام خيارين، إما الإشتراكية أو الهمجيّة. المستقبل غير مؤكد ولا يرغب في إعطاء تأكيد لأي من سيناريوهاته التي يصفها "بالخيال العلمي الإجتماعي"، بل الهدف هو فهم الحاضر لمحاولة استشراف السيناريوهات المستقبلية المحتملة التي قد نصل إليها، أو بمعنى آخر كما يكتب:" قراءة الآثار السياسية لعدة عوالم متخيلة". يأتي التطور في الأتمتة ليضع احتمالية تخفيض الحاجة للعمل الإنساني بشكل كبير. حدث هذا بالفعل ولا زال يحدث منذ الثورة الصناعية وحتى الوقت الحالي، حيث تم الاستغناء عن الكثير من الوظائف التي كان يؤديها العامل الإنساني لصالح آلات ميكانيكية ضخمة أو روبوتات صغيرة الحجم، والأمثلة كثيرة: هناك الآن روبوتات صغيرة تقوم بكنس المنزل، وهناك روبوتات على هيئة بشرية تستقبلك في المستشفيات في اليابان وكوريا، وسيارات تقود نفسها. 

يبني فريز سيناريوهاته المستقبلية ببراعة مستحضراً الكثير من الأحداث التاريخية، وعلى أمثلة عديدة من أدب الخيال العلمي والسينما في تصوره للمستقبل. يقول فريز أنه وضع هذه السيناريوهات الأربع لأن لا شئ يحدث بصورة أوتوماتيكة، والعاتق يقع علينا لكي نحدد الطريق إلى المستقبل المرجو. المفقود من الجدال الحالي حول حاضر الأتمتة والتغير المناخي بحسب فرايز هو السياسة، وبالدرجة الأولى الصراع الطبقي. السياسة هي الطريق، والطريق صعب ولن يخلو من عوائق، فليس من مصلحة النخبة التنازل عن مصالحها على طبق من ذهب. علينا إيجاد الحلول. تتجاهل الرؤى الإقتصادية الرسمية المطروحة حول الأتمتة والتغير المناخي واقع المجتمع العالمي الذي نعيش فيه حالياً: الرأسمالية وطبقتها وعلاقات الملكية. لا يمكن فهم هذه المسائل بحسب فرايز دون محاولة فهم أزمة الإقتصاد الرأسمالي. عندما نضع هذا في صلب السياق، يمكننا فهم أن الحل سياسي بالدرجة الأولى، لتجنب مستقبل كابوسي بالفعل.

ق. ث

 

من نفس القسم الثقافي