اقتصاد
الذكاء الاصطناعي يغيّر خريطة الوظائف والمهارات المطلوبة في سوق العمل في الجزائر
وظائف تقليدية في طريقها للزوال مقابل صعود للمهن الرقمية ومهن المستقبل
- بقلم حياة س
- نشر في 14 أوت 2025

وظائف تقليدية في طريقها للزوال
أحدثت التكنولوجيا الحديثة والثورة الرقمية تحولات عميقة في سوق الشغل فالتخصصات والمهن التي كانت في السابق تمثل عصب الاقتصاد الاشتراكي وبعدها الرأسمالي بدأت اليوم تتراجع لصالح مهارات وتقنيات حديثة تمثل كلمة السر في الاقتصادات الرقمية والذكية وعالم المال والأعمال، هذه التحولات العالمية جاءت متماشية مع توجهات الدولة الجزائرية نحو رقمنة كل القطاعات الحيوية والخدماتية، بقيادة كفاءات وطنية أثبتت تحكمها في التقنيات الحديثة لا سيما في مجالات الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، كل هذه الديناميكية وضعت مؤسسات التعليم العالي ومراكز التكوين المهني باعتبارها محرك سوق الشغل في الجزائر أمام رهانات وتحديات حقيقية لسد الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق الحالية ودفعت الشباب للانخراط السريع في رسم خارطة مهنية جديدة، حيث باتت التخصصات الرقمية الأكثر طلبا وأصبح بناء مسار مهني بعيدا عن التخصصات التقليدية ومعتمدا أكثر على التقنية هو هدف الشباب الجزائري الذي يطمح لتحويل الجزائر لنموذج يُحتذى به في التحول الرقمي الناجح.
وقد بينت دراسة أعدها المنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل الوظائف 2025أثر هذه المتغيرات في سوق الشغل على أرض الواقع حيث توقعَ أن تتغير حوالي 22 بالمائة من الوظائف عالميا بحلول عام 2030، ويشمل هذا خلق 170 مليون وظيفة جديدة، مقابل إلغاء 92 مليون وظيفة نتيجة الأتمتة والتغيرات في احتياجات السوق.
· تحولات جذرية
في السياق المحلي فإن تسريع وتيرة رقمنة مختلف القطاعات الاقتصادية في بلادنا تجعلنا نسير بخطى ثابتة نحو تبني الذكاء في المنظومة الاقتصادية، في إطار رؤية وطنية تهدف إلى تعزيز الابتكار ورفع القدرة التنافسية، ولقد واكب هذا التوجه زيادة الحاجة إلى الكفاءات المؤهلة في المهن الرقمية ومجالات التكنولوجيا الحديثة فاعتماد المؤسسات على الأنظمة الرقمية في أعمالها جعل من الضروري عليها إعادة هيكلة المواد البشرية واستحداث مهن رقمية لم تكن موجودة سابقاً كخبراء الأمن السيبراني لحماية البيانات ومهندسي البرمجيات لبناء الأنظمة الذكية ومحللي البيانات لاستخراج الرؤى الاستراتيجية وغيرها من الوظائف، كما أسهمت جائحة "كورونا" قبل سنوات في تسريع وتيرة التحول الذي نشهده اليوم في سوق الشغل في الجزائر، وفرضت الحاجة إلى حلول رقمية في العمل عن بُعد والتعليم الإلكتروني والتجارة الرقمية كبداية لهذا التحول الذي نعيشه اليوم، وأضحت المؤسسات تتنافس على توظيف الكفاءات الرقمية التي تمكّنها من البقاء في السوق ويبرز جلياً هذا الأمر في القطاع المصرفي والقطاع الصحي والتعليمي وغيرها.
في مواجهة هذا التحول العميق في سوق المهن والوظائف الذي يقوده الذكاء الاصطناعي لم يعد الاعتماد على المهارات التقنية وحده كافياً لكون التحولات لا تعني فقط تغيّر نوع الوظائف، بل تغيّر المهارات المطلوبة لشغلها فالمهن المستقبلية وفق توقعات الخبراء والمهنيين ستكون أكثر اعتمادا على الإبداع وحلّ المشكلات والتحليل العميق وكذا التفاعل البشري المعزز بالتقنية لا على التكرار والتنفيذ التي ترسم ملامح سوق العمل والوظائف سابقا، ومن هذه المنطلقات يبدو أن هذه التحولات القائمة اليوم في سوق العمل تقدم فرصة تاريخية للجزائر لإعادة رسم ملامح اقتصادها بما يتناسب مع المتغيرات العالمية التي أفرزها الذكاء الاصطناعي فالتركيز على تطوير المهارات والاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز الشراكات كلها عوامل يمكن أن يحوّل هذه التحديات إلى فرص للنمو المستدام المنشود.
· من المحاسبة إلى الأمن السيبراني.. قصص شباب يعيدون تشكيل مساراتهم المهنية في العصر الرقمي
ويمكن القول أن هناك جاهزية اليوم في الجزائر لإعادة تأهيل القوى العاملة وتحديث نظم التعليم والتكوين وإعادة تعريف المسارات المهنية بما يتلاءم مع هذا الواقع الجديد من خلال ما طرحته الحكومة ضمن خارطة طريق عمل وزارتيّ التعليم العالي والتكوين المهني في المرحلة الراهنة، إذ تعمل هذه القطاعات الحكومية على إعداد برامج تعليمية تعمل على سدّ الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل الحديث عبر اختصاصات في المهارات الحديثة ومهن المستقبل، تقي الدين مناد وهو طالب متمكن في مجال الأمن السيبراني في معهد بواسماعيل التابع لوزارة التكوين المهني وبالتحديد مركز الامتياز للتقنيات الاعلام والاتصال ومهن الهواتف فهو يتطلع للتخرج برتبة تقني سامي في الأمن السيبراني بعد انقضاء فترة تخصصه التي تمتد لسنتين يؤكد أن اختياره لهذا المجال وهو في سن الثلاثين جاء بعد سنوات من تخرجه من الجامعة في تخصص المحاسبة ومع قلة فرص التوظيف في هذا التخصص فقد عقد العزم على تجربة مجال مهني ومعرفي آخر يضمن له شهادة معترف بها من قبل الدولة في إحدى تخصصات مهن المستقبل التي تفتح له المجال واسعا لاختيار وظيفة تساعده على تحقيق طموحاته المهنية التي يبحث عنها، وقال تقي الدين في دردشة جمعته بـ"الرائد": "بعد أن قضيت سنوات في البحث عن فرصة عمل بشهادتي الجامعية في المحاسبة، أدركت أن سوق العمل تغير بالكامل، لم تعد الشهادة الأكاديمية وحدها تضمن لي وظيفة، كنت أواجه رفضًا تلو الآخر، ليس لأن مؤهلاتي ضعيفة، بل لأن المهارات المطلوبة في الشركات اليوم لم تكن ضمن مناهج الجامعة" وأضاف يقول: " كان علي أن أقرر: إما أن أبقى حبيسًا للوضع الحالي، أو أتخذ خطوة جريئة وأعيد تأهيل نفسي. اخترت المسار الثاني، والتحقت ببرنامج تكوين مهني في مجال الأمن السيبراني. هذا الاختيار لم يكن سهلاً باعتبار أن مساري الدراسي كان في شعبة التسيير والاقتصاد في مرحلة الثانوية ثم اخترت تخصص المحاسبة في السنوات الثلاثة التي قضيتها في الجامعة، لكنني كنت مؤمنًا بأن هذا هو المستقبل. خلال فترة التعلم، لم أتعلم فقط المهارات التقنية، بل اكتسبت أيضًا مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي، وهي مهارات أساسية لم تكن لدي من قبل. هذا التكوين أعاد لي الأمل وأشعرني بأنني أسير في الطريق الصحيح نحو تحقيق طموحاتي المهنية. إنها فرصة حقيقية لإعادة بناء مساري المهني بعيداً عن التخصصات التقليدية.
في حين يؤكد م. خالد وهو شاب عشريني وطالب في السنة الثانية بالمدرسة العليا للذكاء الاصطناعي بسيدي عبد الله في حديث له مع "الرائد" على أن كونه طالبًا في المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، فهو أمر يشعره بأنه "جزء من ثورة حقيقية في الجزائر" وأشار بقوله: "عندما اخترت هذا التخصص، لم يكن مجرد خيار أكاديمي، بل كان إيمانًا بأن الذكاء الاصطناعي هو محرك المستقبل. اليوم، أرى أننا لا نتعلم مجرد لغة برمجة أو خوارزميات، بل نتدرب على التفكير النقدي وحل المشكلات المعقدة، وهي المهارات التي ستجعلنا قادرين على مواكبة التغيرات السريعة"، وأكد: "طموحاتي لا تقتصر على الحصول على وظيفة بعد التخرج، بل أطمح أن أساهم في بناء منظومة جزائرية للذكاء الاصطناعي. أرى فرصًا هائلة في تطبيق هذه التكنولوجيا في قطاعات حيوية مثل الصحة والزراعة والصناعة. كما أحلم بتطوير حلول جزائرية لمشاكل محلية، كأن نستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاج الزراعي أو لتشخيص الأمراض بشكل أدق. وأشار يقول أيضا: "الواقع الذي نراه اليوم في سوق العمل مع التركيز على المهارات الجديدة، يؤكد لي أنني في المسار الصحيح. لقد تجاوزنا مرحلة الاعتماد على الشهادات التقليدية. المستقبل يتطلب مهنيين مبدعين قادرين على الدمج بين المعرفة الأكاديمية والمهارات العملية. بعد التخرج، لن أبحث عن وظيفة بل سأبحث عن فرصة لإحداث تأثير سواءً كان ذلك بالعمل في شركة ناشئة أو تأسيس مشروعي الخاص. أنا متفائل جدًا بمستقبل بلدي في هذا المجال".
· مراكز التكوين الخاصة تنخرط في مسعى بناء جيل من المهنين الرقميين
مراكز التكوين الخاصة هي الأخرى انخرطت في مسار بناء جيل من المهنيين الرقميين خاصة مع تراجع الطلب على التخصصات التقليدية في مجالات الإدارة والتسيير وحتى المالية، فمركز "آفاق للتدريب المهني" وهو مؤسسة تكوين خاصة مقرها في الجزائر العاصمة كواحدة من هذه المؤسسات واجه سنة 2022 تحدياً كبيراً كاد أن يدفعه إلى إغلاق أبوابه، متأثرا بتداعيات جائحة "كورونا" التي أفرزت تراجع في الإقبال على التكوينات التقليدية التي كان يقدمها كمجال الموارد البشرية التي أصبحت اليوم المجال الأقل طلباً في سوق العمل ما دفع إدارة المركز للتكيف مع متطلبات الوضع الراهن إذ أعادت تكييف برامج التكوين التي تقدمها ما أعاد إحياء نشاط هذا المركز اليوم حيث يقدم تكوينات في تخصصات هي الأكثر طلبا لدى جيل الشباب الحالي من ضمنها تخصصات في التسويق الرقمي، البرمجة، تطوير مواقع الويب، التجارة الإلكترونية، وتصميم المواقع وغيرها.
وتقول نصيرة شافعة مديرة المركز في حديث جمعها مع "الرائد" عن هذه التجربة: "كانت سنة 2022 الأصعب في مسارنا، فالإقبال على التكوينات التقليدية مثل المحاسبة وإدارة الموارد البشرية تراجع بشكل كبير، وكنا فعلياً على بعد خطوة من إغلاق الأبواب لكن سريعا ما أدركنا أن سوق العمل تغيّر وأن مستقبل التشغيل في الجزائر أصبح مرتبطاً بالمهن الرقمية، فقررنا الاستثمار في تخصصات حديثة مثل البرمجة، تطوير مواقع الويب، والتجارة الإلكترونية. وبعد أقل من عام من إطلاق هذه التكوينات الجديدة ارتفع عدد المتدربين بنسبة ملحوظة وبدأنا نستقطب حتى طلبة من ولايات خارج العاصمة".
وأكدت المتحدثة بقولها: "هدفنا اليوم هو أن يكون مركز آفاق منصة تساهم في صقل مهارات الشباب وتأهيلهم لاقتصاد المستقبل".
· المؤسسات الناشئة... قاطرة لتأهيل الكفاءات الرقمية
كذلك تتقدم المؤسسات الناشئة في الجزائر إلى الواجهة كمحرك رئيسي لخلق الوظائف الرقمية، فهذه المؤسسات المدعومة بالمبادرات التي أطلقتها الحكومة ضمن برنامج "ألجيريا ستارت-أب تشالنج" وغيرها تقدم بدورها اليوم تدريبات ومؤتمرات نوعية تُمكّن الشباب من تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة لمؤسساتهم أو الراغبين في تأسيس مشاريعهم ضمن السياقات التي تركز على الوظائف التي جاء بها الذكاء الاصطناعي وهو ما سلط عليه محمد شرفاوي وهو طالب جامعي على أبواب التخرج هذه السنة وكان قد استفاد من تكوين خصصته مجموعة "فادركو" لرواد الأعمال الشباب مكنته هذه التجربة من الاطلاع أكثر على المهارات المطلوبة اليوم في سوق العمل خاصة وأنه يطمح لتأسيس مشروعه الخاص بعد افتكاكه لـ"لا بل مشروع مبتكر" ويحاول البحث عن فريق عمل يتوافقون مع الرهانات والتحديات القائمة اليوم في سوق المهن الرقمية مؤكدا أن المستقبل اليوم لصالح المؤسسات الناشئة التي أخذت على عاتقها مسألة تعزيز الوظائف الرقمية في السوق الجزائرية مما يتيح للخريجين من معاهد التكوين المهني والجامعات على حد سواء فرصة افتكاك وظيفة تتناسب ومؤهلاته وتفهم خصوصية البيئة المحلية في مجال تطبيق الذكاء الاصطناعي والمهن التي جاءت معه.
· الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي في خدمة الاقتصاد الذكي
و يتلاءم هذا الطرح مع ما تقدمه تجربة "سمارت مريغل"، وهي مؤسسة ناشئة مختصة في البيئة وتعتبر من النماذج الريادية في مجال الرقمنة بالجزائر حيث عملت منذ انطلاقتها على تطوير برامج وتطبيقات ذكية تهدف إلى تحسين إدارة النفايات وإعادة تدويرها بطرق ذكية ومبتكرة ويؤكد ع. محمد أحد مؤسسي الشركة أن الرقمنة شكّلت حجر الأساس في تطوير فكرة المشروع، إذ استعانت الشركة بفريق من مطوري البرمجيات والمختصين لتصميم تطبيقات ذكية تواكب احتياجات السوق المحلية وأضاف يقول في تصريح لـ"الرائد": "منذ انطلاقتنا، حرصنا على توظيف التقنيات الرقمية في خدمة البيئة فابتكرنا حلولاً عملية مثل التطبيق المخصص لموسم عيد الأضحى الذي يتيح للمستخدمين تحديد نقاط جمع جلود الأضاحي"، ويشير المتحدث إلى أن الشركة تسعى من خلال عملها إلى ترسيخ مفهوم "الاقتصاد الرقمي" واستغلال الإمكانات التي توفرها الابتكارات التكنولوجية لفتح أفاق استثمار جديدة، ويرى أن التحكم في التقنيات الحديثة اليوم هو كلمة السر في بناء الاقتصادات الذكية، مضيفا أن توجه الشباب نحو بناء مهارات رقمية سيكون له أثر على المنظومة المؤسساتية لبلادنا في غضون سنوات قليلة حيث سنشهد بحسبه ثورة مؤسساتية رقمية خاصة مع ما تقدمه الدولة من تسهيلات وامتيازات لهذه المؤسسات وبحسب ذات المتحدث فإن المؤسسات التي لم تكيف نفسها حسب الواقع الجديد فإن مصيرها الزوال لا محالة لأن النجاعة الاقتصادية اليوم باتت مرهونة بالأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
· مهنيون: وعي متزايد بالخدمات الرقمية في السوق المحلي
في حين يؤكد مسير مؤسسة "دي. زاد هوست" عبد الحكيم شوار وهي شركة تنشط في مجال الخدمات الرقمية في الجزائر وتقدم حلولا تقنية تخص تطوير المواقع الإلكترونية وإدارة المحتوى والتسويق الرقمي مقرها ولاية باتنة أن المستقبل للوظائف والمهن التي تعتمد على الشباب المؤهل رقميا واستعرض تجربة مؤسسته التي تنشط منذ سنة 2021 حين كانت هذه الوظائف بعيدة عن متناول الكثير من خريجي الجامعات وأيضا لا تلقى طلبات كبيرة من قبل الزبائن إذ أشار إلى أن نشاط الشركة كان في البدايات يعتمد على العملاء من الأسواق الأجنبية خاصة في منطقة الخليج والشرق الأوسط حيث تعتبر هذه الخدمات التي يقدمها رائدة هناك ولكن اليوم بعد قرابة 4 سنوات من الوجود بدأت تجد لنفسها موطئ قدم في السوق الجزائرية خاصة لدى الناشطين في مجال السوشيال ميديا الراغبين في إدارة محتواهم والتسويق له وأكد شوار بقوله في تصريح لـ"الرائد": "أرى أن المستقبل للوظائف التي تعتمد على المهارات الرقمية حتى بالنسبة للسوق الجزائرية فعندما أسست شركتي في 2021، كانت فكرة تقديم حلول تقنية مثل تطوير المواقع والتسويق الرقمي جديدة نسبيا في السوق الجزائري في البداية، كان معظم عملائنا من الخارج، خاصة من منطقة الخليج والشرق الأوسط، حيث كانت هذه الخدمات مطلوبة بشدة وكان البحث عن الخريجين المؤهلين في هذه المجالات قليلا لهذا كانت تضيع منا الكثير من فرص العمل لكن خلال السنتين الأخيرتين شهدنا تحولاً ملحوظًا. زاد الوعي بأهمية التحول الرقمي بين الشركات الجزائرية وارتفع الطلب بشكل كبير على خدماتنا. اليوم، أصبحت أغلب تعاملاتنا مع عملاء محليين، خصوصًا من الناشطين في مجال السوشيال ميديا الذين يدركون أهمية إدارة المحتوى والتسويق الرقمي بفعالية".
ويؤكد المتحدث على أن هذا التحول لم يكن ليحدث لولا وجود جيل جديد من الشباب الجزائري الذي يدرك أهمية التكوين المهني والتعلم المستمر وقال في هذا الصدد: "لم نعد نبحث فقط عن خريجي الجامعات، بل عن أشخاص يمتلكون المهارات العملية والقدرة على مواكبة التطورات السريعة في عالم التكنولوجيا. ما تسلطون عليه الضوء في هذا الموضوع عن أهمية التكيف مع التغيرات في سوق العمل هو بالضبط ما نعيشه اليوم في الواقع. إنه دليل على أن الاستثمار في رأس المال البشري الملم بمهارات العصر الرقمي هو مفتاح النمو الاقتصادي في الجزائر".
· خبراء: الاستثمار في رأس المال البشري يفتح أفاقا جديدة
وفي الموضوع يقول الخبير الاقتصادي والأستاذ المحاضر في جامعة مستغانم بوشيخي بوحوص أن التحولات التي يعرفها سوق العمل في بلادنا جاءت كنتيجة للحركية والديناميكية التي يشهدها الاقتصاد الوطني حيث تتجه بلادنا بخطى ثابتة نحو الاقتصاد الرقمي والذكي.
وأكد بوحوص في تصريح لـ "الرائد" أن تعزيز الاقتصاد الرقمي هو الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة وتنافسية و"لذلك تعمل الحكومة على دمج التكنولوجيا الحديثة في استراتيجيات التنمية الاقتصادية"، مثمناً الجهود المبذولة في هذا السياق منها "تشجيع الاستثمارات في الابتكار والتكنولوجيا الرقمية وإنشاء حاضنات أعمال لدعم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي حيث توفر هذه الحاضنات بيئات متكاملة تجمع بين التدريب والتمويل والإرشاد ما يساعد الشركات الناشئة في تحويل أفكارها الابتكارية إلى مشاريع ناجحة".
واعتبر بوحوص أن التخصصات الرقمية تشكل اليوم رافعة استراتيجية لإعادة هيكلة سوق العمل وتعزيز النمو الاقتصادي، مشيرا أن الأرقام والاحصائيات تؤكد أن الاقتصادات التي استثمرت مبكراً في المهن الرقمية شهدت نمواً في ناتجها المحلي السنوي بنسبة تتراوح بين 1.5 إلى 2.5 بالمائة.
وأكد ذات المختص أن التوجه نحو شغل وظائف رقمية في الجزائر من شأنه أن يساهم في فتح آفاق جديدة غير مرتبطة بالنفط، كما تُمكن المهن الرقمية خاصة المرتبطة بالبرمجيات والذكاء الاصطناعي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على زيادة كفاءتها وتسويق منتجاتها محليًا ودوليًا مضيفا بالقول إن خلق بيئة رقمية متطورة تشجع الشركات العالمية على الاستثمار في الجزائر.
ودعا في السياق ذاته لضرورة الاستفادة القصوى من هذه التحولات من خلال تضافر جهود جميع الأطراف والتركيز على التكوين المهني الرقمي من جهة ومن جهة أخرى تشجيع المؤسسات على تبني التقنيات الحديثة وبناء بنية تحتية رقمية متطورة وتعزيز الشراكة بين الجامعات وقطاع الأعمال لكون هذه العوامل مجتمعة ستضع الجزائر على طريق التحول إلى قطب رقمي إقليمي يحقق التنمية الاقتصادية ويوفر فرص العمل النوعية للشباب.
أما الخبير في الاقتصاد الدكتور محمد عجيلة وهو أستاذ بجامعة غرداية فأشار إلى أن "التحولات التي يشهدها سوق العمل اليوم، والتي يقودها الذكاء الاصطناعي ليست مجرد تحدٍ بل هي فرصة اقتصادية تاريخية للجزائر"، وأكد في تصريح صحفي لـ "الرائد" حول الموضوع إلى أن "الحكومة والشباب يدركون اليوم أهمية هذه اللحظة. عندما نرى طالبًا يقرر مثلاً إعادة تأهيل نفسه في مجال الأمن السيبراني وطالبًا آخر يطمح لبناء منظومة وطنية للذكاء الاصطناعي فهذا يعكس وعيًا عميقًا بأن المستقبل لا يعتمد على الشهادات التقليدية"، قبل أن يضيف: "التركيز على تطوير المهارات البشرية الفريدة مثل الإبداع وحل المشكلات بالإضافة إلى المهارات التقنية، هو ما سيجعل الاقتصاد الجزائري أكثر مرونة وقدرة على المنافسة عالميًا كذلك الاستثمار في رأس المال البشري هو الاستثمار الأكثر ربحية على المدى الطويل"