الثقافي

رواية "الحركي" لمحمد بن جبار تاريخ الجزائر منذ الثورة حتى سنوات الإرهاب

أرخ فيها الكاتب لخونة الثورة الجزائرية

 

  

ترصد روايـة "الحركي" للروائي محمد بن جبار الصادرة عن دار القرن الواحد والعشرين والمتوفرة في الصالون الدولي للكتاب٬ قصـة بن شارف ْ الحركي الذي تعاون مع الاستعمار الفرنسي بدون قصد كانتقــام من عمـه الذي صادر قطعتهم الأرضيـة٬ وانضم إلى ثكنـة عسكرية فرنسية هربا من القصاص٬ وجد نفسـه عميلا وخائنا لوطنه بعد سنوات الخدمة مع جيش الاحتلال٬ خلال هذه الفترة يؤرخ لتفاصيل دقيقـة ْ للحركى والمتعاونين٬  كما  تسرد  الروايـة  أيضا  تفاصيل  التحول  النفسي  للبطل  بن  شارف  بعد  مقتل  أحد"المخازنيـة" واستفاقـة الضمير ووعيـه باقتراف جريمة ضد وطنه.

في صراعه ضد مرض الزهايمر٬ وهو على مشارف الشيخوخـة وتحت إشراف المساعدة الاجتماعية "فاني بوركي"٬ يكتب مذكراته لعلّه يؤخر من أعراض المرض وقبل أن يستعصي أكثر فأكثر٬ فهو من جهـة يصارع الذاكرة٬ ومن جهـة أخرى يبحث عن طريقـة للتكفير  عن  أخطائـه  عن  طريق  البوح٬  فالروايــة  يحتدم  فيها  الصراع  بين  الشرف  والخيانة  خلال  سنتين  التي  عملها مع  القبطان مونتروي٬ فيؤرخ التفاصيل الدقيقـة للثورة الجزائريـة داخل الثكنـة وخارجهـا٬ خاصـة قريـة عين الحلوف ويلل والقلعـة.

تتخذ الروايـة من ثكنة قرية "عين الحلوف" مسرحا لها٬ تبرز شخصيـة النقيب مون ْ تروي قائد الثكنـة المحوريـة والرئيسيـة في التشكيل الروائي فهـو الرجل الذي يتعلـم منـه بن شارف وأكثر قربا منـه٬ باعتباره سائقـه الشخصي٬ فمن خلال 17 شهرا يرصد بن شارف العالـم القريب من الثورة  والعقليـة الفرنسيـة مرورا بالتعرف على عقليـة الحركى  وتطورها الزمنـي  والنفسي  والإشكالات اليوميـة المطروحـة٬ كبروز  القوى  المعارضـة  لسياسـة  الحكومـة  الفرنسيـة داخل  وخارج  الثكنـة٬  وبروز  التطرف  لدى  بعض المستخدمين وخصوصا أحد متعاوني النقيب ْ مونتروي المتمثل في الملازم الأول بيير أليغري الذي يدفـع بثكنـة "لاصاص" نحو التطرف تجاه قرى المنطقـة.

وبين دفتي الروايـة إشارات واضحـة لبعض المتعاونين خارج الثكنـة وخاصـة أولئـك الذين يرتبطون مع إدارة "لاصاص" بمصالح معلـومـة تلقي الضوء على نقاط مبهمـة في تاريخ الثورة الجزائريـة٬  مرورا برصد زمنـي وتاريخي لكل تطورات الثورة التحريريـة والنظرة الكولونياليـة للواقـع الجديد التي تبلورت مع انتصارات جيش التحرير ميدانيا٬ بن شارف ومونتروي وغيره من مستخدمي الجيش الفرنسي في كل مرحلــة من مرحلـة التطور يثيرون أسئلـة حول المصير٬ الجميع متخوف من مستقبل مجهـول٬ وفي نفس الوقت تثار إشكاليـة الشرف والخيانـة كخلفيـة فلسفيـة لمتن الروايــة٬ كل الشخصيـات دون استثناء تتحدث من زاويـة الشرف والخيانـة٬ هذه الثنــائيـة هـي جسد الروايـة وروحهــا.

يتمكـن الزهايمر من "بن شارف" ويدخلـه في عالـم الظلمــات ويكون قد أنجز مذكراته لأسباب علاجيـة٬ ولكـن استطاع أن يقول ما لم يتمكن منه أقرانـه.

وتعتبر رواية "الحركي" العمل الثاني في الرواية للكاتب محمد بن جبار بعد روايته الأولى "أربعمائة متر فوق مستوى الوعي" التي صدرت السنة الماضية٬ والتي تتناول حياة الإنسان بنوع العبث٬ وتتحدث عن مواضيع عديدة كالجنس والحب والتاريخ وغيرها.ذ

تتلخص الرواية في قصة عواد ذلك الكهل الذي قضى أكثر من أربع وعشرين سنة يعمل كموظف إداري في مصلحة تابعة للقطاع الفلاحي بولاية غيليزان٬ وتنطلق الحكاية من مدينة المطمر التي يعمل بها البطل كتقني زراعي٬ وهو الموظف الذي تعب جسده ذهابا وإيابا في مسافة أربعمائة متر بين أقرب نقطة لمحطة الحافلات ومقر عمله بالمطمر٬ يحكي الراوي على لسان البطل٬ عن يومياته التي قضاها منذ تعيينه في المنصب حتى بلوغه الخمسين من العمر.

يستعمل بن جبار في روايته شخصيات حدد لها وجهتها في النص بعناية وقصد شديدين٬ أول هذه الشخصيات وردية٬ ومعها تعلم فنون الحب والجنس٬ والتي تضطر لطرده من شقتها في إحدى الليالي لما اعترف لها بحبه لزوجته، ويحكي بن جبار فصول روايته٬ يحكي بلسان عواد وبقية الشخوص٬ عن قضايا كانت في طي الكتمان وأخرى من الطابوهات٬ كما أن عواد في روايته يدخل القارئ معه في حياته البسيطة٬ ليركبها شيئا فشيئا٬ فيحكي عن الثورة وما بعد الثورة٬ عن الحركى وأبناء الحركى.

فريدة. س

 

 

من نفس القسم الثقافي