الوطن

تباين فتاوى العلماء يرفع من نسبة المشاهدة

أزمة بين الإبداع والتحريم

أعتقد أن الجميع سمع عن مسلسل الفاروق الذي سيعرض في رمضان، حيث تجسد فيه شخصية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصحابة آخرين. منتجو المسلسل في التلفزيون القطري وتلفزيون أم بي سي قالوا إنهم حصلوا على فتاوى شرعية من علماء الأمة تبيح إنتاج المسلسل وتجسيد شخصيات الصحابة. هؤلاء العلماء على رأسهم الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور سلمان العودة، بينما عارضه علماء آخرون على رأسهم مفتي السعودية آل الشيخ، في حين انقسم الأزهر الشريف وعلماؤه بين مؤيد ومعارض.

جمهور يترقب الفتوى

فما إن ظهر برومو مسلسل "عمر بن الخطاب" على قناة أم بي سي التى تنتجه بالتعاون مع تليفزيون قطر تمهيدا لعرضه في الشهر الفضيل حتى بدأت الفتاوى تنهال والنقاشات تتزايد حول تجسيد الصحابة عبر أعمال فنية، وأنشئت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بعضها يدعو لمقاطعة المسلسل وأخرى لا تمانع من عرضه، أما فتوى الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية فهي تحريم تجسيد الأنبياء والرسل والصحابة وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والعشرة المبشرين بالجنة، وتعود المشكلة التى تثور كلما ظهر مسلسل ديني ثم تخمد مرة أخرى لتثور هذه الأيام مع مسلسل "عمر بن الخطاب" والذى سبقه مسلسل "الحسن والحسين" ومن قبلهما المسلسل الإيراني "يوسف الصديق". 

وأصابت حالة ترقب شديدة الجمهور الذي انتظر الإفراج عن المسلسل، خصوصا بعد الجدل الدائر بين العلماء حول فتوى مشاهدة أو مقاطعة المسلسل الذي يثير حالة كبيرة من اللغط بسبب تحريم تجسيد دور الصحابة في أعمال فنية. وعن هذا الموضوع، اختلف علماء الدين، فهناك من ذهب إلى أن تجسيد الصحابة محرم بفتوى صريحة، والمشكلة فى مسلسل عمر بن الخطاب هي أن الصحابي الجليل كانت كل تعاملاته مع الصحابة العشرة المبشرين بالجنة، وبذلك سيرتكب المسلسل العديد من المخالفات الدينية، وعن أسباب فتوى تحريم تجسيد الصحابة، يقول العلماء إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا من الأشخاص الذين حملوا الرسالة على أكتافهم وتجسيدهم من خلال ممثل سبق وأن قام بأدوار أخرى أو حتى من قبل شخص عادي، يعطي انطباعا للمشاهد بأن الشخص القائم على تجسيد الصحابي مثله تماماً. وعن رأي البعض الذى يقول إن الصحابة بشر ويجوز سرد سيرتهم الذاتية، يقول بعض العلماء إنهم بشر ولكن فى نفس الوقت هم رموز للإسلام لهم مكانتهم التي يجب ألا نحتقرها عبر مسلسل يقوم به أشخاص عاديون ومنهم مخطئون. وعن حكم مشاهدة المسلسل، فيتابع العلماء قولهم: "كل من علم أن تجسيد الصحابة محرم وصمم على مشاهدة مسلسلات تجسدهم، فهو آثم، أما لو كان لا يعلم وشاهدها بفطرته على أنها شيء مباح، فهو غير آثم. وخرجت بعض الفتاوى، ودعا فيها عدد من العلماء إلى عدم مشاهدة المسلسل لأنه يتعارض مع قيم الإسلام من ناحية تجسيد للصحابة من قبل أشخاص، مؤكدين على أنه في حال الرغبة بالحديث عنهم، يكون ذلك دون عرض صور. وكان مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ قد انتقد عرض المسلسل واعتبره تجريحا لصحابة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى النقيض، يقول الدكتور سلمان العودة مساعد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأحد أعضاء لجنة الإشراف على نص المسلسل والذي أكدت أم بي سي أنه وافق على تجسيد الصحابة في المسلسل، رفض بدوره التعليق على الجدل المثار حول العمل وقال: "ليس لدي ما أقوله"، وكان الدكتور أحمد الحداد كبير مفتي مدير إدارة الإفتاء بدبي أصدر فتوى تحرم المسلسل وطالب فيها بعدم جواز مشاهدته لأن به تجسيداً للصحابة يعد استفزازا لمشاعر المسلمين. وقال الدكتور الحداد: "أرفض تماماً عرض العمل لأنه محرم شرعاً ولا يتوافق مع قيم الإسلام، وبالتالي لا يجوز عرضه وعلينا العمل على وقفه بكل السبل".

 

مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ يهاجم مسلسل عمر بن الخطاب

قال المفتي العام بالمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، في خطبة الجمعة بالجامع الكبير في الرياض، إن أصحاب فكرة مسلسل الفاروق عمر ومَن شاركوا فيها ومَن تبنوها مخطئون، مضيفاً أن تحويل سيرة الخلفاء والصحابة إلى عمل سينمائي يعرّضها للحديث من كل ساقطٍ وساقطةٍ، والتجريح والنقد. وحذّر أصحاب الفضائيات من إنفاق أموالهم في الباطل، وطالبهم بتقوى الله، وقال: "إن ما يقومون به من أعمال محرّمة خطأ وجريمة". وأضاف سماحته أن صحابة رسول الله من المهاجرين والأنصار والسابقين الأولين هم خير الناس بعد الأنبياء والرسل، وأثنى الله عليهم واستغفر لهم وذكر فضائلهم وجهادهم، ولن يكون مثلهم من الناس بعد، وأضاف أن المجوس خصّصوا قنواتهم ومواقعهم ووسائل إعلامهم وكتبهم وأخذوا على عواتقهم التجريح والسب والتطاول على صحابة رسول الله ونقدهم بالأساليب السيئة، وهناك طائفة أخرى من بعض المسلمين أرادوا أن يأخذوا سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بالتحليل ويضعونها موضع النقد لهذه الشخصية الفذة ووضعها بأسلوب سينمائي يتحدث عنه كل ساقط وساقطة بالنقد والتجريح وبأسلوب سيء مبتذل، وهذا لا يجوز لأن صحابة رسول الله هم من خيار الخلق بعد الأنبياء، فلابد من الترفع عن هذه الأساليب، ومَن يريد التعريف بسيرة الفاروق عليه أن يؤلف في سيرته وخصاله ودوره وجهاده ويترجم هذه المؤلفات إلى اللغات العالمية. ومن جانبه، أبدى الشيخ الدكتور عبد الرحمان السديس إمام وخطيب المسجد الحرام رفضه، مطالبا القائمين على الوسائل الإعلامية والقنوات الفضائية أن يراعوا حرمة هذا الشهر الفضيل، وقال في إحدى خطب الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام "لا تخدشوا روحانيات الشهر بما لا يليق من البرامج والمشاهد والأفلام ولا سيما ما يمس سيد الأنام وآله وصحابته الكرام". 

 

فتاوى مكتوبة والقرضاوي يناقض نفسه

وأصدر بعض الفقهاء والمراجع الدينية فتاوى مكتوبة للإجابة عن أسئلة اتخذها بعضهم كوثائق يستند عليها، للفتوى في بعض الأمور التي تشغل بال الأمة الإسلامية، ومنها فتوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور يوسف القرضاوي، التي نصت "لا أرى مانعاً من ظهور الصحابة المسؤول عنهم جميعاً، ماعدا ثلاثة منهم، هم العشرة المبشرون بالجنة، وهم أبو عبيدة بن الجراح، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، لما لهم من منزلة خاصة بين الصحابة وعند المسلمين، ولا أرى حرجاً في ظهور أصوات الخلفاء الراشدين من خلف ظهورهم، بحيث لا تعرف وجوهم"، في حين جاءت فتوى القرضاوي في مسلسل الفاروق عمر – رضي الله عنه – مخالفة لرأيه السابق في مسلسل الحسن والحسين، عندما أجاز ظهور الخلفاء الراشدين ضمن ضوابط. وتضمنت بعض كبار المراجع الشيعية إجابتها في فتاوى مكتوبة، كالمرجع السيستاني، الذي يجيز تمثيل شخصيات الصحابة، بمن فيهم الخلفاء والأئمة المعصومون، لكن بشرط ألا يسيء ذلك لهم"، محدداً شروطاً للممثل الذي سيجسد الشخصية بقوله: "ولعل لصفات الممثل الذي يؤدي دورهم وخصوصياته بعض الدخل في ذلك".

التلفزيون الجزائري يعلن حصوله على إجازة شرعية تسمح له بعرض المسلسل

 

وجاء التلفزيون الجزائري ليشتري حقوق بث المسلسل، حيث وأثناء استعراض الشبكة البرامجية لشهر رمضان في ندوة صحفية نشطها مدير التلفزيون الجزائري توفيق خلادي، قال هذا الأخير بأنه يراهن على مسلسل عمر بن الخطاب من أجل جلب أكبر عدد من المشاهدين، وفي سؤال حول الشرعية الدينية لبث المسلسل، أوضح خلادي بأن وزارة الشؤون الدينية لا تعارض عرض المسلسل لأنه سبق وأن جسدت شخصية مؤذن الرسول الكريم في فيلم "الرسالة بلال بن رباح"، طالما أن العمل سيعرض من أجل الصالح العام. لنتساءل عن سر هذه الفتوى مقارنة بفتوى علماء السعودية. 

إعداد فيصل شيباني

من نفس القسم الوطن