الوطن
رئيس الجمهورية يضع قطاع النقل على طريق الإصلاح الجذري
مقاربة عملية واستعجالية لحماية أرواح الجزائريين عبر الطرقات
- بقلم ايمان سايح
- نشر في 28 أوت 2025

أعاد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، فتح ملف قطاع النقل البري للمسافرين من زاوية لم يُتطرق لها بهذا العمق من قبل، فالقرارات الرئاسية التي أعقبت اجتماعه الطارئ بأعضاء الحكومة، لم تكتف بالإسعاف الفوري لحظيرة الحافلات المهترئة، بل شكّلت قراءة حازمة لواقع القطاع، ومقاربة إصلاحية متكاملة تمسّ وسائط النقل، والبنية التحتية، والإطار القانوني، وصولًا إلى الفاعلين المباشرين من سائقين، مدارس تعليم، ومراكز مراقبة.
بقدر ما كانت فاجعة حادث الحافلة بوادي الحراش موجعة، بما خلّفته من ضحايا وصدمة وطنية، بقدر ما شكّلت منعرجًا حاسمًا في تعاطي الدولة مع واحد من أكثر القطاعات حساسية في حياة المواطن اليومية، ألا وهو قطاع النقل البري للمسافرين، فقد كشف الحادث المأساوي، بمرارة، حجم التراكمات والاختلالات التي ظلت تنخر هذا القطاع لعقود، ما دفع برئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى اتخاذ حزمة من القرارات الجذرية والاستثنائية، تعكس إدراكًا رسميًا لعمق الأزمة، وإرادة سياسية لوضع حد نهائي لثقافة الإهمال واللامبالاة التي كثيرًا ما كلّفت الأرواح والممتلكات.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها بهذا المستوى من الشمولية والصرامة، أمر رئيس الجمهورية بالاستيراد الفوري لـ10 آلاف حافلة جديدة لتعويض الأسطول المتهالك، تحت إشراف وزارة الصناعة، إلى جانب استيراد مكثف لعجلات المركبات، في خطوة تؤكد اعتماد مقاربة عملية وسريعة لتأمين شروط النقل الآمن واللائق، القرار لا يستهدف فقط الناقلين، بل يوجّه رسالة واضحة بأن الحفاظ على الأرواح يتطلب أدوات حديثة، ووسائل نقل تستوفي الحد الأدنى من المعايير التقنية والميكانيكية.
الأهم من ذلك، أن معالجة الأزمة لم تقتصر على الجانب العتادي، بل طالت الإطار التنظيمي بأكمله، حين أقر رئيس الجمهورية سن تشريعات جديدة لتنظيم حركة المرور، مراجعة شروط الحصول على رخص السياقة، تشديد المراقبة على السائقين، بما في ذلك إحالتهم إلى فحوصات دورية واختبارات الكشف عن تعاطي المؤثرات العقلية والمخدرات.
ولأن الحوادث لا تُختزل في السائق فحسب، فقد تقرر، لأول مرة، توسيع دائرة المسؤولية لتشمل الأطراف المكلفة بصيانة الطرقات، ومدارس تعليم السياقة، ومؤسسات المراقبة التقنية، وهي خطوة قد تُحدث قطيعة مع منطق الإفلات من المحاسبة، وتعيد ترتيب المسؤوليات وفق رؤية شاملة لسلامة الطرقات.
وفي قراءة للقرارات الرئاسية نجد أنها حملت في طيّاتها تحوّلًا نوعيًا في فلسفة التعاطي مع أزمات النقل، من المعالجة الآنية للحوادث إلى استباقها بمنظومة ردعية، تربوية، وتشريعية متكاملة، وهو ما يتجلى في تكليف مصالح الأمن والدرك بتشديد الرقابة في الميدان وفرض الصرامة في تطبيق قانون المرور، بما ينهي منطق "الطريق غابة" الذي تفشّى لعقود، فبدت الرسالة واضحة " لن يُترك أي طرف خارج دائرة المحاسبة، ولن يكون هناك أي تهاون بعد اليوم مع من يستهتر بحياة الجزائريين عبر الطرقات".
وقد لقيت هذه القرارات ترحيبًا واسعًا من الفاعلين في القطاع، من جمعيات مهنية وأكاديميات مختصة واتحادات ناقلين، معتبرين إياها «قرارات تاريخية» طال انتظارها، تضع النقل البري على سكة الإصلاح الحقيقي، كما عبّر العديد منهم عن استعدادهم التام لمرافقة هذا المسار بالتكوين، والالتزام، والمساهمة في محاربة الممارسات العشوائية.
وعلى الرغم من أن فاجعة وادي الحراش كانت قاسية في تفاصيلها ومروعة في نتائجها، لكنها فتحت الباب لإعادة النظر في قطاع ظلّ حبيس الفوضى والارتجال لعقود، ويبقى المطلوب الآن هو الإصرار على التنفيذ، وتفادي الحلول الترقيعية، حتى لا تتحول مآسينا إلى مجرد أرقام.