الثقافي

ربيعة جلطي تحلل: "فوبيا الخوف من الآخر"

قالت بأنه تولد مع انحسار الفكر الاستعماري المباشر الكلاسيكي

رأت الكاتبة والروائية ربيعة جلطي أن الثقافة الغربية أنتجت في أوج حالة توسعها الاستعماري في إفريقيا ثقافة احتقار ذوي البشرة السوداء الذين ظلوا إلى زمن قريب بمنزلة سلعة تباع وتشترى لخدمة السيد الأبيض التي بقيت رغم الاستقلالات الوطنية لعدة دول إفريقية،.. ومع انتشار ثقافة حقوق الإنسان في العالم، وتوسع خبرات المعرفة والعلوم، ظل بعض الأوروبيين على نوستالجيا (الأسود السلعة) وتولدت لديهم بوادر مرض "الزنجفوبيا".

وأضافت ربيعة جلطي في مقال تحليلي لها لظاهرة" فوبيا الخوف من الآخر" نشرته مجلة "الفيصل " العربية الشهيرة مؤخرا أن "مع انحسار الفكر الاستعماري المباشر الكلاسيكي، انتشر مرض "فوبيا الآخر" التي عكست حالة من الارتباك والتأزم السياسي والثقافي والاقتصادي الذي دخلته أوربا قبل توحيدها، وقد عبر عنه من خلال كثير من الممارسات التي تجلت في الحياة الإجتماعية اليومية وأفرزت جراء ذلك سلسلة من المفاهيم المعرفية والإصطلاحية".

وذكرت ربيعة أن من بين هذه المصطلحات، مصطلح "العربوفوبيا" Arabophobie، التي "هي علة سياسية ثقافية لغوية محورها الخوف من الإنسان "العربي"، مع وصفه بالعنصرية التي تلحق بالعربي الخائن، الوسخ، غير الوفي، الخداع، العنصري، المهووس بالجنس، غير الحضاري، المنتقم… ثقافة في مرجعيتها كثير من مخلفات النظام الاقتصادي الكولونيالي والعنصرية التي تأسس عليها منذ بداية القرن التاسع عشر"، مردفة أن هذه الأوصاف الملحقة بالعربي لا تستثني الأمازيغي..".

كما تحدثت جلطي كذلك عن مصطلح "المغاربوفوبيا Maghrébophobie، وهي "الفوبيا التي ينتجها الوجود المغاربي في الحيز الأوروبي بشكل عام، وفي بلجيكا وهولندا، وفي فرنسا على وجه الخصوص، ونظرا لعدد المقيمين المغاربيين الذين يبلغون نحو خمسة ملايين نسمة، فإن الوجود الاجتماعي الواضح والمكثف، يوجد ردة فعل ثقافية سياسية رافضة وخائفة، تتأكد يوميا في ثقافة أحزاب اليمين المتطرف".

وعن "الإسلاموفوبيا" قالت الأديبة إنها "قد تأتي من بقايا ذاكرة الحروب الصليبية، لكنها تتجدد سياسيا، وبشكل واضح في العشريتين الأخيرتين، وقد تقننت سياسيا وإعلاميا وعسكريا بعد هجوم 11 سبتمبر ضد المجمع التجاري الأمريكي ويجب التنبيه إلى أن كثيرا من المصابين بعلّة الإسلاموفوبيا لا يفرقون بين "العربي" و"الإسلامي"، فهم لا يتصورون أن هناك عربيا مسيحيا، أو عربيا يهوديا، فكل عربي في مخيال الإسلاموفوبي الأمريكي أو الأوروبي، هو مسلم بالضرورة".

وأردفت ربيعة أن "العمليات الإرهابية قد زادت في أوربا، وفي فرنسا خاصة - منذ أحداث مجلة شارلي إيبدو واعتداءات 13 نوفمبر 2016م، وأخيرا العملية الإرهابية التي عاشتها مدينة نيس في 14 جويلية 2016- من حدة هذا الوضع، وتوسيع ثقافة الإسلاموفوبيا بشكل واضح، وتجاوزت رقعة الخطاب السياسي لليمين المتطرف فأضحت مادة في الثقافة والفن والمسرح والإعلام".

من جهة أخرى، تطرقت الكاتبة لخوف الجنوبي من الآخر، أي : "الخوف من الآخر الغربي، وهو شعور ورثه الفرد في بلدان الجنوب من أيام الاستعمار، وتميزه عدة خصوصيات بعضها يجد منبته في المجال السياسي، وبعضها في الديني، والآخر في اللغوي- الثقافي، وبعضها في اضطراب الهوية".

وأشارت الشاعرة إلى أن "البعض من أصحاب الدعوة إلى فوبيا الآخر، يحاولون أن ينقلوا الماضي إلى الحاضر، وذلك باستعادة الذاكرة الاستعمارية، لا لنقدها وإدانتها ـ وهذا واجب الذاكرة ـ والذهاب في البحث عن علاقة جديدة مع هذا الآخر، مؤسسة على الاحترام المتبادل والإستقلال والشراكة، بل تستدعى لتغليب ثقافة التوجس والحذر من هذا الآخر عدو الماضي، والنظر إليه على أنه عدو الأبد، الأمر الذي أحدث ردة فعل لدى المستعمَر "سابقًا" من أن يقف موقف الريبة من الغرب، ويعده غربا واحدا متجانسا لا يزال يتربص به لاحتلاله من جديد".

وواصلت ربيعة جلطي قائلة: "ويركز حاملو فيروس فوبيا الآخر على مقولات إيديولوجية جاهزة، وهي أن الغرب عامة و"بالجمع" يقف ضد العروبة، وأنه لا يبحث سوى عن التخلص منها ويعمل على القضاء عليها"، مضيفة "لعل من أهداف هذا كله قطع أوصال الحوار بين المثقفين الجزائريين على أساس اللغة، وبتر كل ما يمكن أن يجمع الضفة الجنوبية بالشمالية، من خلال الثقافة واللغة المشتركة التي يمكنها أن تتحول إلى عامل لتطوير علاقة شراكة لبناء مستقبل مؤسس على ما هو إيجابي، من دون نسيان ما هو سلبي، ويبدو أن الروائي الجزائري كاتب ياسين قد تفطن مبكرا إلى هذه العلاقة المرتبكة حين قال عن اللغة الفرنسية بأنها "غنيمة حرب".

 مريم. ع

من نفس القسم الثقافي