الثقافي

كريمة عيطوش تفسر الحياة في "الوجه الثالث للموناليزا"

المجموعة تضم 8 قصص

تقدم الكاتبة كريمة عيطوش مجموعتها القصصية الأولى "الوجه الثالث للموناليزا" محملة بالحب, الحياة, الموت والخيانة عبر 176 صفحة من القطع المتوسط، وكأنها تريد أن تلخص موقفها من الحياة كلها, أو تشرحها تتبع عيطوش خطى شخوص قصصها, والصوت الغالب للاناث إما محكيات أو حاكيات ما جعلها مجموعة أنثوية بامتياز، "الدقيقة الأولى بعد الموت"  هو عنوان القصة المفتتح, وهو يحيل على معنى معاكس, هذه القصة تثمن الحياة عبر بطلتها نورة التي تقبع بمستشفى منتظرة المرور إلى مصيرها وفي سرها تريد الحياة. 

"الوجهُ الثالث للموناليزا" هو عنوان باكورة الكاتبة الجزائرية كريمة عيطوش  التي صدرت، مؤخّراً، عن "دار ميم" في الجزائر، متضمّنةً ثماني قصص؛ هي: "الدقيقة الأولى بعد الموت"، و"الوجه الثالث للموناليزا"، و"صوت الصمت"، "وخدعة الأزهار"، و"الكفن الأزرق"، و"صانع الفراغ"، و"رسالة على شاهد"، و"رحل ولم يقل شيئاً". 

تتطرّق المجموعة القصصية إلى قضايا إنسانية واجتماعية عديدة، على رأسها وضع المرأة في مجتمع ذكوري، غير أن المختلف، ربما، هو انطلاق الكاتبة من الإمساك بتيار الوعي في شخصياتها النسوية، والتوغّل في النفس البشرية؛ حيث تسقط، فجأةً، الحواجز بين الواقع والخيال، وتقترب بعض المشاهد إلى الفنتازيا. 

في إحدى قصص المجموعة، تثير الكاتبة قضية الشباب المغامر في أهوال البحر بحثاً عن الجنة الأوروبية الموعودة. بكثير من الحس التراجيدي، تصوّر حكاية شاب قرّر، فجأةً، أن يركب البحر في جنح الليل، تاركاً وراءه كل شيء، إلا حلم الوصول إلى الضفة الأخرى. وفي قصة أخرى، تنقل القاصّة، بجرعة مكثّفة من التخييل، تلك اللحظات القاسية قبل عملية جراحية دقيقة في القلب، لتضع القارئ أمام جدلية الحياة والموت.

في الوقت الذي أخذ الجميع يهاجر صوب الرواية، اختارت عيطوش أن تبدأ عبر القصّة التي كتبتها بكثير من الاشتغال على اللغة. عن هذا الخيار، تقول، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنها تجد القصّة "أقدر تعبيراً على إيصال ما أريد قوله للقارئ"، معترفةً في الوقت نفسه بتراجع القصّة مقارنة بالرواية التي "غدت نوعاً من الموضة الفنية التي تستقطب الكثير من الكتّاب بحكم ما يُخصَّص لها من جوائز واهتمام إعلامي". 

بالنسبة إليها، فإن اللغة تمثّل الهاجس الأكبر في كتابة القصة القصيرة: "كنتُ أتساءل كيف يمكن الكتابة في موضوعات إنسانية كبيرة باقتصاد لغوي، من دون إهمال الجوانب الفنية". أمّا الهاجس الآخر، فهو "البحث عن رؤية جديدة". بدءاً من عنوان المجموعة، مروراً بعنوانين قصصها، ووصولاً إلى موضوعاتها وشخصياتها، يُلقي الجانب النسوي بثقله في العمل. لكن القاصّة تؤكّد أنها لم تكتب انطلاقاً من هذا الأساس: "صحيح أن المرأة تحضر بشكل بارز، لكن ذلك أتى صدفةً على الأغلب؛ فالكاتب في النهاية يستمد موضوعاته وقصصه من بيئته الاجتماعية ومجريات الحياة من حوله".

 وتبدو لغة قصة "الوجه الثالث للموناليزا" -القصة العنوان للمجموعة- أعلى من لغة بعض القصص, والسبب يبدو معقولا إذا عرفنا أن الكاتبة قد إشتغلت على المجموعة في أوقات متقطعة فبعضها يعود إلى سنوات سابقة كما أشير في ختامها، وتضع كريمة عيطوش القارئ بين عالمين إحداهما صامت والآخر قلق في قصة "صوت الصمت" التي تتحدث فيها حمامة وتتداخل فيها العوالم في داخل البطلة الراوية التي تحمل عالمها داخلها. 

وفي قصة "خدعة الأزهار" تتبع الكاتبة مسار الحب, حيث تبدأ الحكاية في مكتبة وتعود إليها بعد رحلة معرفية بين العاشقين اللذين يتكتما عن حبهما بينما يدركه القارئ بسهولة، أما في نص "الكفن الأزرق" وهو الأطول نسبيا فقد شرحت الكاتبة مأساة الشباب الذين هاجروا (حرقة) وقضوا في البحر, ورغم أن منسوب المأساة كان عاليا إلا أن رصد التفاصيل قلص من وقعها، وتبلغ القسوة ذروتها في قصة "صانع الفراغ" أين يصبح الانتقام الذي يلي الخضوع شيطانيا, فالزوجة الخاضعة تهدي زوجها عذابات مجتمعة في جرعة واحدة, لتصبح صانعة خراب إلى جانبه. 

وفي قصتي "رسالة على شاهد" و"رحل ولم يقل شيئا" تقترب القاصة أكثر من أجواء الراحلين فتقدم صورة الفقيد الحبيب والأم, وترسم تفاصيل ما بعد الرحيل لدى المحبين مراهنة عليها دون الحزن. 

 أغلب القصص تصدرت بعتبات لكتاب وشعراء كبار  ما يبدو بمثابة دعم لرؤاها أو استئناس برؤى هؤلاء الكتاب, وهو ما يسمح للقارئ أن يتلمس نوع القراءات المختلفة للكاتبة، وتشترك بعض قصص المجموعة الصادرة مؤخرا عن منشورات ميم في الإحتمالات التي تصدم أفق المتلقي في كل مرة, وقد تقصدت الكاتبة أن تضع مسارات القصص في وجهات مختلفة لتوقع القارئ، وفي كل قصة من قصص المجموعة الثماني هناك مساحة كبيرة للوصف الذي يكاد يقترب من الروبرتاج الصحفي أحيانا, إذ ترصد القاصة زوايا وحركات الشوارع والمقاهي والسكان وتصفها باسهاب. 

حاولت القاصة أن تكون محتلفة في باكورتها القصصية, لكن النفس السردي كان كثيفا فجاءت نصوصها كبيرة مقارنة بالقصة العربية المعتادة, وهو ما يدلل على أفق سردي قادم للكاتبة، وتعتبر كريمة عيطوش قاصة تعمل أستاذة للغة العربية لم يسبق لها النشر رغم انها 

تكتب منذ سنوات القصة القصيرة.

مريم. ع

من نفس القسم الثقافي