الوطن

أزمة مالي لغم جديد في ساحة العلاقات الجزائرية-الفرنسية

ظاهرها أمني وباطنها سياسي-اقتصادي-دبلوماسي

 

هل تحولت أزمة مالي إلى حلبة معركة بين الدبلوماسية الجزائرية والفرنسية؟ وهل ستصبح بؤرة توتر توظفها فرنسا ورقة ضغط في منطقة الساحل في ظل تحول الميدان إلى منطقة عبور للسلاح والإجرام العابر للدول؟ وفي كلتا الحالتين فإن هذا التحول غير المفاجئ للمنطقة يدخل في إطار "صوملة" الساحل للتحكم في كل تحركاته. أزمة تضمر عهدا جديدا للعلاقات الجزائرية الفرنسية والتي باتت تلوح بأسرارها. 

بدأت المنطقة تتأجج بداية مع نهاية القرن العشرين واحتوائها من خلال جمع الفرقاء حول طاولة حوار وطني تكلل عام 1992 بإعلان الجزائر الذي ضمن التوافق لعشرية كاملة لم تكن مريحة على مدى عشرة سنين إلى أن انفجر الوضع مجددا ونسفت القوى العاملة في الخفاء بنود اتفاق الجزائر عام 2003 عشية قرار قمة الوحدة الإفريقية بالجزائر في نفس السنة يقضي بـ"رفض كل انتقال للسلطة عن طريق القوة والانقلابات العسكرية". 

وهو قرار وإن رحبت به الأمم المتحدة والمجموعة الدولية فلم تهضمه فرنسا ولم تستسغه وقرأت فيه محاكمة تاريخية ضد سياستها في القارة السمراء على مدى عقود. فجل الدول فوق الخط الاستوائي للقارة كانت خارطة نفوذ للقوة الاستعمارية الفرنسية التي تتحكم في حبل السلطة بهذه الدول من خلال تنظيم انقلابات على الوضع القائم لإعادة إدارة بوصلة المصالح الظرفية على وقع عقارب التاريخ الاستعماري الذي يعيد نفسه بتوجيه من باريس. وكلما حاولت طبقة سياسة الانعتاق والتفكير في الابتعاد عن مركز القرار بباريس إلا وأبعدت بالقوة على وقع الدبابات.

وأخذت المنطقة منحى الانحدار نحو التصعيد عندما طالبت الجزائر من على منبر الأمم المتحدة على تجريم تقديم الفدية للإرهابيين حتى بسطت الجماعات المسلحة سلطتها على منطقة الساحل وبدأت أولى عمليات الاختطاف عام 2008 في النيجر. وراحت فرنسا تكسر الإجماع الدولي حول عدم دفع فدية واختارت التفاوض مع مختطفي رجل المخابرات المختطف جوليبارت ويتم تحريره مقابل مبالغ مالية. وتعرض النيجر الذي رفض مفاوضة الإرهابيين إلى انقلاب مازالت آثاره قائمة إلى اليوم. 

وانتقلت العدوى للجارة مالي التي تعرض فيها المسار الديمقراطي للنسف بعد الانقلاب الذي تعرض له الرئيس المالي توري توماني للنفي في جانفي 2012. واتخذ ساركوزي الفوضى العارمة التي عرفتها ليبيا كغطاء لإدارة أكبر عملية تهريب الأسلحة إلى مالي، اسلحة تم بها تسليح تنظيمات خرجت من العدم. وقد اتهمت دوائر أوروبية تحت تسريبات فرنسية الجزائر في التورط في عملية تهريب ممنهجة للأسلحة الثقيلة من ليبيا إلى شمال مالي الذي ظهرت به عدة تنظيمات إرهابية. وكان أول رد فعل على هذه الاتهامات اختطاف القنصل الجزائري في غاوو وستة من معاونيه في عهد الرئيس ساركوزي الذي قاد ثورة ضد القذافي تحت غطاء قوات حلف الأطلسي وذريعة دعم ثورات الربيع العربي.

ودخلت مالي حقبة الفوضى وسط تحرك دبلوماسي حثيث لاحتواء الوضع الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفجار. ولازال الجدل سيد الموقف رغم عودة الشرعية الدستورية قائما حول احتمال الأسوأ. وانقسم الأفارقة فريقين، فغرب القارة)مجموعة السيدياوو- 15 دولة( راح يدفع، بإيعاز فرنسي، بالوضع إلى استعمال القوة بتنظيم إنزال عسكري في مالي للقضاء على فلول الإرهاب الدخيل على الميدان، فيما راحت الجزائر ودول ما تحت الاستوائي إلى حل سياسي تفاوضي بين مختلف الفصائل من أجل تطبيع الحياة سياسيا واقتصاديا والحفاظ على الوحدة الترابية لدولة مالي، لكن الدفع إلى تقسيم البلاد، بانتهاج نفس الخطة لتقسيم السودان يلقى دعما فرنسيا الذي يسوق مبرر عزل الارهاب في الشمال مقابل تشكيل حكومة وحدة وطنية الغرض منها تمرير قرارات التقسيم. 

وباتت الجزائر بمواقفها المبدئية في عدم التدخل في الشؤون الداخلية وتشجيع الحل السياسي وعدم المساس بسيادة ووحدة مالي تواجه ضغوطات هائلة لثنيها عن هذه المواقف من أجل حل سلمي- تفاوضي تتقاسم السلطات الجديدة في باماكو نفس وجهات النظر. ورفضت الجزائر دعوات التدخل العسكري لحسم الوضع متمسكة برأي أنها لا تملك وسائل حل أزمة داخلية يعرف الماليون تعقيداتها وخيوط الحل.

ومن غريب الصدف أن تعرف قضية الدبلوماسيين الجزائريين الانفراج أياما قلائل فقط قبل زيارة وزير الدبلوماسية الفرنسي للجزائر. وبدأت الوضعية في الانفراج مع إطلاق سراح دفعة أولى من الدبلوماسيين وتداول أخبار متفائلة عن حالة بقية الرهائن وعلى رأسهم القنصل العام المختطف بداية أفريل.

وتحولت الأزمة في عهد الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إلى وسيلة لتسميم العلاقات الثنائية وتلغيمها كان الغرض من ذلك ابتزاز الجزائر حول مسائل لم تحظ بدعم الجزائر كالثورة على القذافي والأزمة السورية إلى غيرها من الموضوعات الجيو-استراتيجية التي تهدف من خلال مناورات عسكرية-استخباراتية لكسر شوكة الجزائر وعودتها للمحافل الدولية ولعب الأدوار المنوطة بها قاريا وإقليميا وجهويا وجرها لمواطن ملغمة لإضعافها وإضعاف صوتها لدى المجموعة الدولية والأخذ بآرائها. وذهب ساركوزي يبذل قصارى جهده لتعفين الوضع غير مبال بعواقب ذلك على منطقة يئن سكانها تحت وطأة الجفاف والمجاعة يوجد الآلاف منهم لاجئين على الحدود الجزائرية بعد ظاهرة النزوح الجماعي للأهالي هروبا من الموت المبرمج وفق أجندة معدة سلفا على مشارف الحدود الآمنة بين البلدين باعتراف الماليين أنفسهم.

طارق مروان

 

من نفس القسم الوطن