الوطن

التهور عسكريا في مالي"خيار مر".. وعلينا الاحتياط

الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية بن جانة بن عومر في حوار لـ"الرائد"

 

 

خرجة دروكدال ما هي إلا عمل استعراضي 

قاعدة "المغرب الإسلامي" قدمت 200 ألف دولار لجماعة بوكو حرام

 

يرى الخبير العسكري المتقاعد في الشؤون الأمنية والاستراتيجية بن عومر بن جانة في حوار مع "الرائد" أن تأثر الجزائر بما يحدث في الساحل "أمر مفروغ" منه داعيا السلطات المعنية إلى المرافعة لصالح خيار الحل الدبلوماسي والسياسي في مالي لان أي "تهور" عسكري سيدخل المنطقة برمتها في متاهات من "الفوضى الأمنية".

 

 

الرائد: كيف تفسر رفض مجلس الأمن تقديم تفويض دولي للتدخل العسكري في مالي عكس ما حدث في الجارة ليبيا؟

بن جانة: كما يبدو هناك مفارقة بين الحالتين حيث قاد مجلس الأمن حملة لدعوة المجتمع الدولي للتدخل عسكريا في ليبيا التي كان يحكمها العقيد المقتول معمر القذافي من اجل حماية المدنيين من القتل العشوائي لكن الوضع يختلف في شمال مالي إذ نلاحظ حاليا الشمال مقسوما إلى جهتين وهناك ثلاث محافظات إدارية هي غاو، تمبكتو وكيدال التي تسيطر عليها حركة الازواد بعد الانقلاب على الرئيس المالي، واغتنمت هذه الحركة "الانفصالية" الوضع واستطاعت أن تحكم السيطرة على شمال البلاد الذي تتجاوز رقعته الجغرافية أكثر 800 ألف كلم مربع وهي مساحة شاسعة ذات طابع صحراوي ويعني أن التدخل العسكري يحتاج إلى قوة عسكرية كبرى وسينتهي إلى "التهور" ومن ثمة إشاعة الفوضى.

كما يجب على الجزائر في ظل هذه المستجدات اتخاذ كافة الاحتياطات الأمنية لمراقبة حدودها بالإضافة إلى ضرورة متابعة الوضع بصفة دقيقة مباشرة وآنية في نفس الوقت، وفي الواقع الحل العسكري سيزيد من تأزم الوضع، ولهذا يبقى الحل السياسي والدبلوماسي أهم وأنجع.

 

س: يعني هناك التفاف دولي على مبدأ الجزائر الداعي إلى إيجاد حل سلمي؟

 ج: يمكن القول بوجود نوع من الالتفاف وليس التوافق على مطلب الجزائر بعدم التدخل عسكريا في شمال مالي وقبلها في ليبيا وحتى سوريا، لذلك كانت من أول الداعمين لهذا القرار، فقد وضعت في الحسبان نوعية العدو وهي المجموعات الإرهابية باستثناء حركة الازواد إذ يتطلب التدخل وسائل مادية وعسكرية كبيرة، كما يحيلنا التساؤل عن المهام الموكلة إلى القوات العسكرية لتحرير كبرى هذه المدن وإخراج هذه المجموعات المسلحة، وبهذا المنظور فإن الحل السلمي هو الحل.

 

لكن فرنسا تشجع "سريا" دعوة دول غرب إفريقيا إلى إرسال ترسانة عسكرية إلى شمال مالي؟

 ج: طبعا فرنسا لها مصالح إستراتيجية في النيجر ومالي وكانت وراء انتشار الأسلحة في عموم المنطقة بعد دعم المتمردين في ليبيا على نظام القذافي، وفي تلك الأثناء الجزائر كانت أول من تفطن إلى ما يمكن أن ينتج عن تحويل المنطقة إلى "خزان بارود" جراء الانتشار المكثف لأنواع الأسلحة إلى جانب تخوفها من عودة المقاتلين بعد انتهاء الحرب في ليبيا إلى بلدانهم، لكن مثلما هو ملاحظ فإن فرنسا لا يهمها امن المنطقة بقدر ما يهمها تحقيق مصالحها الإستراتيجية التي لا تخفى على احد.

 

ماذا يقصد رؤساء أركان دول الميدان الأربعة الذين اجتمعوا في نواكشوط الأربعاء الماضي بالمساعدات التي اتفقوا على تقديمها إلى مالي؟

ج: الاجتماع الذي حضره الفريق قايد صالح ضمن رؤساء أركان دول موريتانيا، النيجر ومالي يأتي لتفعيل وإعطاء دفع للمفاهيم التي حددت سابقا في مبادرة أركان الميدان التي تأسست قبل سنوات، إذ يعد اجتماعا عاديا في سياق التحولات التي يشهدها الساحل، كما لم تغفل ما يحدث في الجارة مالي من تدهور امني، خصوصا وانه على الماليين أن يتخذوا قرارا توافقيا حتى ولو كان بطريقة انتقالية لإنهاء الأزمة، ولا أرى أي حل سوى العودة إلى الشرعية والاتفاق على حل سلمي، وهو ما تحاول الدول سالفة الذكر تجسيده ميدانيا.

 وتدرك هذه الدول بما فيها الجزائر أن تبني خيار التدخل العسكري سيدفع بالتنظيمات المسلحة إلى شن عمليات هجومية متفرقة تلحق الضرر بالقوات الأممية، ومن شأن هذا الخيار توحيد عمل المنظمات الإرهابية في المنطقة، سواء كانت حركة الجهاد والتوحيد أو حركة تحرير الأزواد، إلى جانب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحتى كسب تعاطف السكان المحليين معها من أجل هدف واحد تروج له هذه التنظيمات هو الجهاد في سبيل الله، وهو ما سيسمح لها بتوسيع مجال نفوذها والامتداد إلى مناطق الشمال.

 

كيف ترى الخرجة "اليائسة" لأمير ما يعرف بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال أواخر الأسبوع؟

ج: خروج المدعو دروكدال إلى العلن ما هو إلا عمل استعراضي لا غير في ظل اندثار المجموعات الإرهابية في شمال الجزائر بعدما أصبحت متناثرة ولا يلقى خطابها الدموي صدى شعبيا لوقوفها وراء عمليات إجرامية، فهو يحاول "يائسا" في هذه الظروف قبيل قدوم شهر رمضان وعطلة الصيف خلق نوعا من اللااستقرار أو محاولة إيجاد عمليات يائسة في الشمال بعد العزلة التي لحقها تنظيمه جنوبا وفي منطقة القبائل.

 

قبل نحو شهرين قدم تقرير أمني رسمي لرئيس وزراء نيجيريا يكشف عن تقديم القاعدة في الساحل 200 ألف دولار لجماعة بوكو حرام جاء في إطار التحالف بين التنظيمين الإرهابيين وإغراق المنطقة في حالة من اللاأمن، إذن كيف تقرؤون مثل هذا التقارب "أمنيا" ؟

ج: في اعتقادي فإن هذه النقطة مهمة حاليا، فالمجموعات الإرهابية أصبحت اليوم لها ميزة نتيجة التآزر والتضامن فيما بينها إذ مفهومها لـ"الجهاد" أصبح يعني أنها تساعد وتساند الجماعات الأخرى ماديا وفكريا ومعنويا عن طريق تنقل الأفراد بمحاولة إرسال عناصر تابعة لها مثلا من أفغانستان وباكستان إلى منطقة المغرب العربي والعكس ما يحدث.

حاوره: أميني محمد

 

من نفس القسم الوطن