الوطن

مكتب بشار يُدشِن حقبة العصيان والتمرُد

حمس تدخل مرحلة التململ القاعدي

 

تنبئ الاستقالة الجماعية لأعضاء مكتب بشار الولائي بأزمة تنظيمية جديدة لا سبيل لاحتوائها في غياب القيادة التي تعتبر نفسها غير معنية بنزاع محلي تأجل تحكيمه عدة مرات. ولا يخلو اختلاف الإخوة المختلفين من تداعيات على التنظيم الإسلامي الذي خرج على التو من المسلسل الانتخابي التشريعي. وأوعز المستقيلون من مكتب الحركة لأكبر ولاية جغرافيا، الذين قدموا للعاصمة دون أن يجدوا من يستقبلهم في المقر الوطني والاستماع لشكواهم، أوعزوا سبب خطوتهم، الأولى من نوعها في حياة الحركة ولائيا، إلى لامبالاة أعضاء المكتب الوطني تجاه تظلماتهم التي تلقوا بشأنها وعودا لحلها.

هذا الالتزام جاء، حسب البشاريين، على لسان رئيس الحركة نفسه، لكن التزامات أبو جرة سلطاني السياسية وتعدد المسؤوليات والطموح في تحالف الجزائر الخضراء دفعا به، على ما يبدو، لتأجيل الفصل في أزمة مكتب ولاية بشار المتنازع فيه أعضاؤه حول تركيبة اختلاف من يقوده. 

أبو جرة ومعه أعضاء مكتبه كل في حدود صلاحياته نسوا أو تناسوا أزمة المغلوبين على أمرهم في أقصى الجنوب الذين نفد صبرهم وتحملوا مشقة السفر ومعاناة التهميش وجاءوا للعاصمة بحثا عن عاصم لمشكلتهم بعد ما لقوه من "احتقار" عبر الهواتف التي ترن على فراغ دون رد، فالكل مشغول هاتفه دون انقطاع أو خارج مجال التغطية. ولا رئيس الحركة ولا نوابه وبدرجة أقل أمناء التنظيم والمنتخبين الوطنيَينِ كانوا في استقبالهم والتخفيف من سجالٍ أعياهم وأعيى شكواهم وصبرهم. 

ولم يفهم "البشاريون" أنهم أساءوا توقيت إثارة إشكالهم التنظيمي وتوقيت التنقل لأجل حله على اعتبار أن القيادة متفرغة لفرز تراكمات ما بعد الانتخابات التشريعية الماضية. ولم يعلم "الحمسيون" أن زملاء أعلى الهرم في حمس تنقلوا بدورهم إلى القاهرة لتقديم التهاني والتبريكات بمناسبة فوز المرشح الإخواني، محمد مرسي، بكرسي الرئاسة، ثم الدخول في عطلة لاقتطاع نصيب من الراحة قبل دخول اجتماعي ساخن. 

لكن المناضلون الذين يصنعون في صمت مجد حزبهم لا يهمهم سيرورة البروتوكولات وأن لا مجال لتأجيل أو تعطيل حياة الحزب، بحجم حمس، بسبب حضور مراسيم تنصيب أو تلبية دعوة رسمية هنا وهناك. تسيير حركة سياسية لا يخضع لتقلبات الأمزجة والعطل والأعياد، كما يتمناه مناضلو القاعدة، مَثل ذلك مِثل المؤسسات الرسمية التي تخضع لنظام المناوبة الذي يضمن مواصلة الخدمة. 

والمفروض كما يفرضه المنطق، أن يخضع الجميع لجدول أجندة عمل.

وليس مناضلو بشار فحسب هم ضحية "التسيب" العام الذي تعرفه الحركة إذ تعرف عدة مكاتب ولائية أجواء مشحونة، على اختلاف حدتها، وتشهد الاحتقان الذي يسبق الانفجار على غرار بومرداس، البليدة، المدية، الأغواط، قسنطينة، تبسة، عنابة ووهران على سبيل الذكر. وترك انشقاق جماعة "التغيير" الانطباع أن لا جدوى من الجري وراء سراب القياديين و"الوعود الوهمية" التي أضحت أدنى من المشاكل المتراكمة. وأدركوا أن ضالتهم "قد ضاعت" حيث لا رجعة وأن محاولاتهم باتت يائسة، وذلك ما دفعهم لـ"التطليق" وإعلان الاستقالة الجماعية من صفوف الحركة. وتُذكِر هذه الخطوة بأجواء التحضير للمؤتمر الرابع للحركة – سنة 2009ـ- الذي انفرط خلاله عِقد الجماعة إلى فريقين، فريق مع الاستمرارية، أي مع عهدة ثانية لقائد الحركة، وفريق أراد التغيير في ظل جدال وصف بـ"الـبيزنطي". وخرج مؤتمر الحركة بحزبين كلٌ يدَعي الأحقية في إرث شرعية المرحوم الشيخ نحناح المتنافس عليها بين أبناء الحركة الأم. 

حراك البشاريين، غير المنعزل، يمهد لمستقبل غامض للحركة مع تزايد حالات التذمر والاحتجاج وازدياد رقعتها والتي ولدتها التجاوزات في إعداد القوائم الانتخابية وغلق منافذ الطعن على مستوى المقر المركزي أين تبقى طعون المناضلين في القاعدة دون ردود. 

وفي خضم الصراعات الخفية والمعلنة ينتظر أن تمر الحركة بصيف عصيب تغشاه ضبابية وسط ديناميكية جديدة خلفتها مكاسب الانتخابات والمصاعب التي رافقتها ولاتزال تؤرق أقوى حزب إسلامي على الساحة السياسية التي غفل أصحاب القرار فيه أن المؤسسات ليست وحدها من يصنع القرارات والاستقرار بأوامر فوقية غيبت تحتها المشورة والتنسيق بين مختلف الهياكل. هياكل أصاب المشرفين عليها الرتابة والعياء وعمت حولها اللامسؤولية.

 طارق مروان

من نفس القسم الوطن