الوطن

القوى الاشتراكية بين الحضور السياسي و المسار التاريخي

الأفافاس من المعارضة إلى الانخراط في المشاركة السياسية

 

تعرف القوى الاشتراكية تذبذبا على جبهة التحول بين المشاركة والمقاطعةتتجسد في حالة الغليان، التي تسري على مستوى القيادة. ولم يعرف أعتد حزب في المعارضة مثل درجة هذا الغليان، الذي هو ليس وليد هذا الموسم الانتخابي. بل هو تقليد دأبت عليه تشكيلة الدا الحسين الذي مازال في منفاه الاختياري، وحولت جبهته لحلبة صراعات تغذي واجهة الحدث الوطني على شتى الأصعدة. 

طارق.مروان

ويأتي في مقدمة المعارك صراع الأجيال كما هو حال غريمها حزب جبهة التحرير يليها صراع الأجنحة بين من هو مع المشاركة ومن مع مواصلة سياسة الكرسي الشاغر. وبين صراع الديكة في الداخل وخارج الجبهة، يقف زعيم الحزب على نفس المسافة من جميع الفرقاء الذين يتوقون الوصول إليه لمن استطاع. يكاد ظله يغطي الأصوات التي تحررها الأطماع والتطاحن على إدارة الجبهة في غياب الزعيم الذي يمارس التصويب بتوجيهات عن طريق الفاكس من سويسرا محذرا من التفكك والاندثار أو الذوبان في مهاترات مجانية. 

غضب الصيف يعكر صفو الجبهة

وتخترق الجبهة عند كل استحقاق صراعات، على وقع غضب كوادرها من طريقة تحديد توجه الجبهة من كل المواعيد وتقييد مواقفها وموقعها من إعراب السلطة التي استطاعت تكبيل قواها وتقزيم ثقلها من خلال وضع غريم عنيد ومنافس شرس يتمثل في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لكبح قدراتها على اكتساح الساحة السياسية، واحتكار المعارضة بمفهومها الكلاسيكي ومعناها السياسي. هيمنة وإن لم يفلح الأرسيدي في ترجيح كفته إلا أنه استطاع أن يفسد أفراح وانجازات القوى الاشتراكية، بزعامة التاريخي حسين آيت أحمد. 

لكن المكبح الحقيقي والأكثر إيلاما يكمن في تصدع الجدار الداخلي في ظل تناطح الفرقاء داخل الجبهة نفسها. تهلهل ضيّع على قوى إطارات وكوادر الجبهة عديد الفرص والمواعيد التاريخية لفرض نفسها كقوة اقتراح معارضة وبناءة قادرة على إقصاء منافسين تاريخيين. وعاش جبهويو القوى الاشتراكية سناريوهات مماثلة لما يحدث في صفوف أحزاب أخرى على غرار تقويمية جاب الله وتواتي أو تصحيحية جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي الوطنيين. 

وكانت جبهة القوى الاشتراكية تتسم بوصف أكبر الأحزاب استقرارا وتماسكا، إلا أن واقع الحال يظهر بأنها تشهد كباقي الأحزاب تململا، ولكن داخل الهياكل أو خوفا من الزعيم الذي يتمتع بكارزمية الزعيم، الذي يلم بكل صغيرة وكبيرة. وتحولت طريقة تسيير الجبهة إلى مشجب تعلق عليه كل الاختلافات وذاع سر الترددات الزلزالية داخل الصفوف من خلال تعدد أسماء متبوئي منصب السكرتير الأول للجبهة في ظروف وجيزة. تغييرات فجائية رغم محاولة تسويقها بمثابة التداول الديمقراطي على كرسي الريادة. إلا أنه ومع ظهور أولى الانشقاقات وسط التسعينيات حتى انكشف للرأي العام أن قوافل الأمناء الأولين هي عبارة عن تراكمات تصفية حسابات تاريخية بين أجنحة داخل الجبهة تتنازع على تقديم المشعل أو تنم عن صراع حول مطامع ومنافع ضيقة يغذيها انتفاع الأرسيدي الذي اخترق حلبة الكبار على حداثة عهده بالساحة السياسة.

وانقد الزعيم الذي يتابع بمرارة وملل الحالة المرضية لجبهته من التآكل داخليا وارتطامها بخيبات الحصاد الضئيل في عمر مشاركة جبهة حسين آيت أحمد في مختلف الاستحقاقات التي عرفتها الأجندة السياسية الجزائرية. كما عرف بشدة الانتقاد لسوء أداء حزبه وانحراف قيادته عن التوجيهات والمواقف التي يسطرها ويمليها. ومنه لا تسامح مع الزلات وشق عصا الطاعة ولو في إطار ديمقراطية الرأي الآخر. وهذا لا يعني أنه منزه عن الخطأ أو في منأى عن التغليط في ظل تقارير مغلوطة أو مغرضة.

وتأتي قرارات الزعيم بناءا على إشارات من العاصمة ورسائل أجنحة مشفرة تقدم الجبهة خطوة نحو الأمام وترجعها خطوات للوراء احيانا. حتى أصبحت التشكيلة كتلة من المشاكل لا يأتي منها سوى الدوران في نفس المكان على نفس المسافة من الانتظار المجاني. ولا يخلو يوم لا تسمع فيه بصراع الديكة. صراع كرّسه قدماء الجبهة الذين أحسوا بالتهميش ويستنجدون بالزعيم من أجل تلبية مطالبهم حتى لو كانت على حساب مستقبل حزب المعارضة العتيد ومواقفه المبدئية

من نفس القسم الوطن