الثقافي

تسليط للضوء على واقع التراث المادي وغير المادي للثقافة الجزائرية

في كتاب" " الإمزاد" لفريدة سلال




أصدرت دار النشر القصبة مؤخرا كتاب الإمزاد، لفريدة سلال، و صنفته ضمن الكتب الجميلة، و هو حقا كتاب جميل. الجميع يعرف أن تلك الكتب الجميلة التي تباع غاليا، تأتي في طبعة أنيقة و جميلة. و ما يزيدها جمالا، الصور الفتوغرافية من الحجم الكبير التي تملؤ الكتاب.
كتاب الإمزاد، الذي يقع في 336 صفحة، ليس كتابا جميلا فحسب، و إنما هو في الواقع، تجسيدا ماديا لتراث غير مادي. ذلك التراث غير المادي، أي آلة الإمزاد، المعروفة لدى أهالي الهقار في صحرائنا الشاسعة، كاد أن يندثر للأبد، و ينسى من ذاكرة التاريخ، و يمحى من الحكايات و الأساطير، لولا تجند أناس وهبوا أنفسهم لحفظ تاريخنا و حماية تراثنا من النسيان.
لقد سجلت آلة الإمزاد في التراث الإنساني من قبل الأمم المتحدة، و كان ذلك عندما أدرجته اليونيسكو في سنة 2013 ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية. و هذا يعد خطوة عملاقة في حد ذاتها،  تحسب لأولئك الأشخاص الذين ذكرناهم للتو. ويتوجب العودة بضع سنوات للوراء لاستيعاب مدى أهمية العمل الجبار، المنجز من قبل الذين يسعون جاهدين للحفاظ على تراثنا. فقط منذ سنوات، و بالضبط في سنة 1986، لم يكن يحسب سوى أربع نساء في الهقار كاملا، يُجِّدْن بحق العزف على آلة الإمزاد. فقط أربع نساء... أي كاد أن يندثر للأبد لولا مجموعة من الباحثين و المهتمين، ومن بينهم فريد سلال، صاحبة الكتاب، موضوع مقالنا، الذين قاموا بحماية الإمزاد. فسارعوا إلى تأسيس مدرسة تعليم العزف على هذه الآلة الموسيقية و كيفية صنعها، و سارعوا أيضا إلى تسجيل الأشعار و الألحان في محاولة حفظ ما يمكن حفظه قبل أن يندثر هذا التراث، واليوم و خصوصا بعد تسجيله من قبل اليونيسكو،  تم وقف، أو الحد من طوفان النسيان الذي كان يهدد الإمزاد. و لكن لا يمكننا القول أنه محمي حقا، أو غير مهدد.
و في هذا السياق، الذي وضعناه منذ السطور الأولى لهذا المقال، يندرج كتاب الإمزاد لفريد سلال، و يأخذ كامل معناه كتجسيد مادي للغير المادي. فكتاب "الإمزاد" هذا، هو أيضا نوع من الحماية للتراث أمتنا و ثقافة بلادنا. و التجسيد هنا، يكون عبر النص وعبرالصورة، و لا يوجد أحسن من " الكتب الجميلة" للتعريف بالإمزاد.
تقول فريدة سلال إن الإمزاد ليست آلة موسيقية عادية، و إنما هو روح الثقافة الترقية حيث تلتقي قبائل التوارق، منذ آلاف السنين حول تلك الآلة. فقصة الإمزاد مرتبطة بقصص التوارق. و بالضبط بقصص صُنّاع تاريخهم و أمجادهم، لأنه لا يحق في مجتمعهم لأيٍّ كان، أن يعزف على هذه الآلة. وتكتب سلال " لا يعزف عليها( آلة الإمزاد) إلاّ النساء، و من بين النساء إلاّ الأميرات و السيدات".
و تختتم سلال كتابها بالقول إن الإمزاد كان حاضرا منذ مئات السنين في التاريخ الترقي، و لذلك يشكل الشعر المعزوف إرثا ثقافيا تاريخيا يمكن الاعتماد عليه كمرجع تاريخي بالرغم من هشاشة الثقافة الشفوية، و في الأخير تنوه بجهود أولئك الذين أنقذوا الإمزاد " اليوم و بكل افتخار و اعتزاز يوجد 125 شابة يجدن العزف على الإمزاد بعدما كان هددهن لا يتجاوز الخمس من قبل".
مريم. ع

من نفس القسم الثقافي