الثقافي

قراءة في ديوان فيزياء لعبد القادر رابحي

عمود




يعد العنوان المعنى الخفي والمجمل لمضمون الكتاب، فهو المفتاح الأساسي الذي بواسطته نستطيع الدخول إلى أعماق الشاعر للتعرف على آرائه، وتصدير القصيدة بعنوان فيزياء تربك المتلقي وتجعله يتساءل عن سبب إدخال الشاعر هذه الكلمة في المجال الأدبي.
إن كلمة فيزياء تحيل على معنى النواة أو لب الموضوع، ولأن العنوان في الغلاف أحاطت به مجموعة من الأشكال الهندسية والأرقام والحروف... فقد يدل ذلك على أن الشاعر كثير الغموض ونصه مكثف ويحتمل دلالات رمزية مختلفة، مثل المهندس الذي يستعمل الأشكال ببراعة من أجل التخطيط للبناء وهو وحده من يمتلك المعرفة الحقيقية بجزئياتها وتفاصيلها. إذن عبد القادر رابحي يمتلك وحده سر النص، فقصائده تتشكل من ذبذبات وعناصر مشتتة غامضة تحفز القارئ وتستثيره من أجل التنقيب والبحث عن معناها الحقيقي لكنها في النهاية لا تقدم له حقيقتها وإنما معنى المعنى.
نجد تنسيقا بين الغلاف الأمامي والغلاف الخلفي للكتاب، إذ أننا نجد تطابقا بين الجزء العلوي للغلاف الأمامي والجزء السفلي للجهة الخلفية والعكس صحيح، وهذا التطابق يحدثه الترابط الواقع على مستوى الشكل واللون والحجم... ولربما هذا دليل على التشتت والانفلات والتيه والتبعثر على مستوى الفكر والذي يريد أن ينقله على مستوى النص ومن ثمة على مستوى وعي القارئ.
مزج اللون البني مع الرمادي في حدود الغلاف السفلية والعلوية، ولأن الأول يدل على الشخصيات الحازمة والقوية والصبورة، كما يدل على الضجر وعدم الانسجام، بينما الثاني يدل على التحفظ الشديد والحذر والنقد اللاذع والحياد..، فإن ذلك يعكس توترا على مستوى النص، هذا ونجد خطين دائريين متقاطعين وسط اللونين، مع بعض نقاط صغيرة مضيئة وكأنها تدل على المعاني الأصيلة لذلك تحفز القارئ وتفتح مجال التأويلات المتعددة. إنها مثل السراب في الصحراء حيث كلما حاول القارئ الوصول إلى المعنى الأصلي إلا أنه يفاجأ بسرابيته وبعده.
يوجد على غلاف الكتاب لوحة تشكيلية تكمل العنوان، تتنوع فيها الخطوط والأشكال فمنها المنحنية والمقوسة والمستقيمة والدائرية، لكن غالبيتها خطوط متقطعة وهذا تعبير عن التقطع الفكري لدى الشاعر الذي يفترض بالقارئ أن يكمله، وقد استعملت الألوان الداكنة التي تساعد على البروز والظهور والإبانة، مع وضع بعض الحروف المتداخلة مع الخطوط والأشكال بشكل متقطع، حيث اختار من كل عنوان من عناوين قصائد الديوان حرفا أو حرفين، لجعل الناظر في حالة بحث عن باقي الحروف من أجل تنسيقها وربطها ببعضها البعض، مثل كلمة فيزياء نجد منها حرفي الفاء والياء، وكلمة شعر التي تحد اللوحة من الأسفل نجد منها الشين والعين.... إذن الحروف المتناثرة وضعت بهدف خلخلة القارئ وجعله في حالة إعمال للعقل من أجل تركيب الحروف. هذا ووردت الخلفية بيضاء من أجل حصر رؤية المتلقي أو من أجل إتاحة الفرصة له لإعمار نقاط السكون والصمت.
نفاجأ حال التطرق لمضمون الكتاب بعناوين قصائد أغلبها مشتقة من مادة الفيزياء، مثل: نواة، كتلة، توتر، ذوبان، وصل، تمدد، غليان، مادة، جاذبية، تدفق، قوة، موجة، استقامة، تجاذب، شدة، صدى، ضغط، تبخر....، وكأن الإبداع عبارة عن عملية فيزيائية خاضعة لتغيرات سياقية وأخرى ذاتية، لذلك فهي في حالة حركة دائمة تقاوم السكون وتدعو القارئ ليقدم قراءات متعددة.
ختم الشاعر كتابه بقصيدة بلا عنوان وردت في الواجهة الخلفية للكتاب، إلا أنه وضع اسمه أعلى هذه القصيدة وكأنه يهديها إلى نفسه أو يضعها في مركزية دائمة، وربما دل ذلك على أن المعنى الحقيقي لا يتبدى إلا في ذات الشاعر أو في ذات النص بما هو موجود منفصل متحقق بذاته ومنغلق على حقيقته مهما قدمت فيه قراءات عديدة

بقلم: زغداني حيزية.

من نفس القسم الثقافي