الوطن

بوشوارب.. اللغز

من صداقات مربكة إلى ملفات السيارات والإسمنت



يستمر عبد السلام بوشوراب على رأس وزارة الصناعة والمناجم رغم كل ما حدث ويحدث في هذا القطاع، الذي يمكن أن يكون محور الانتقال الاقتصادي في البلاد، ومع أن الانتقادات تأتي من كل الأطراف بما فيها أعضاء الحكومة، وبالنظر إلى الأعباء التي يحملها إلى قطاع الصناعة الذي يشرف عليه أمام تواتر الشكاوى من متعاملين اقتصاديين يتهمون فيها الجزائر بتفضيل الشريك الفرنسي على حساب الآخرين، فقد أصبح لغز بوشوارب يحير الكثير من المراقبين، متسائلين عمن يقف وراء استمراره وبقائه في الحكومة؟
العارفون بالمسار السياسي للرجل يعودون به إلى فترة التسعينيات وعلاقاته غير المفسرة مع المستشار السياسي للسفارة الأمريكية روبت فورد الذي عاد بعدها ليتولى منصب السفير الأميركي في الجزائر من أوت 2006 وحتى جوان 2008 وقد نقلت بعدها ويكليكس "ثرثرات" بوشوارب وفي الفترة الأولى التي كان يشغل فيها منصب رئيس ديوان أحمد أويحيىن رد عنه هذا الأخير مساءلة نواب في البرلمان عن طبيعة علاقاته بالسفارة الأمريكية رغم أنه لم يشتغل مكلفا بالعلاقات الخارجية مع العلم أن روبرت فورد يعرف بأنه صاحب الأجندات العملية وصاحب الدور البارز في تدهور القضية السورية والمزيد من الانهيار السياسي بها بعد أن أتم مهمته في العراق ولازالت شبكة علاقاته في الجزائر مادة أساسية لإحداث أي تحول دراماتيكي بالبلد.
وفي الفترة الثانية حينما عين برنارد باجولي سفيرا لفرنسا بالجزائر من نوفمبر 2007 إلى أوت 2008 استطاع بوشوارب أن ينسج علاقات عميقة بينهما ليعود باجولي ليصبح منسقا للمخابرات في الإليزيه في حكم ساركوزي ويعين بعدها وإلى الآن كمدير عام للاستخبارات الخارجية.
هذه الصداقات لم تتمكن أي جهة من تفسيرها وليس معروف أنها تخدم فعليا المصالح العليا للبلاد، ولكن أهمية هذه العلاقات هي التي تفسر تمسك أحمد أويحيى ببوشوارب رغم الاحتجاجات المستمرة من مناضلي الأرندي حول هذا الأخير وعدم وجود أي دعم من المناضلين وهو ما ترجم في المؤتمر الأخير الذي أنقذه في آخر المطاف.
وفي الفترة الأخيرة جاء ملف السيارات ليزيد كثيرا من التساؤلات حول أدوار بوشوارب، وخاصة أن هذا الملف شكل كثيرا من الإزعاجات للحكومة وأغضب وزيرها الأول الذي لا يعرف من أين ولا كيف يتصرف وزير من حكومته دون علمه بدءا من فترة تحضير دفتر الشروط المتعلق بوكلاء السيارات والدور المحير الذي لعبه بوشوارب في إنجازه، والتي لم يراع فيها الصالح العام ولا سلامة وأمن المواطنين، خاصة أنه من المعلوم أن أهم الأهداف التي يمكن أن يحققها دفتر الشروط ترتكز على:
-حماية وتأمين ركاب السيارات من خلال تجهيزات الأمان والسلامة خاصة أمام الأرقام الخيالية التي تعرفها الحوادث في البلاد، إضافة إلى الفاتورة الكبيرة التي تدفعها الدولة نتيجة هذه الحوادث مما يفرض شروطا وقيودا أكثر لتأمين وسلامة المواطنين.
- ضبط السوق ومنع خروج العملة عبر شرط الوكيل المعتمد من خلال المصنع مباشرة أمام تقارير تفيد بالنزيف الحاصل في إخراج العملة من خلال استيراد السيارات.
إلا أن الملاحظ أن وزير الصناعة وضع مدة 18 شهرا كفترة انتقالية لحين تطبيق القانون ليتيح الفرصة إلى بعض المتعاملين دون سواهم، مخالفا بذلك روح الدفتر الموضوع في السوق مما دفع الوزير الأول ليتدخل فيما بعد ويخفض المدة إلى 12 شهرا.
ومباشرة بعد صدور دفتر الشروط قامت الشركات الفرعية الفرنسية باستيراد ما قيمته 700 مليون أورو مما جعل الكثيرين يشككون بأنهم كانوا على علم بالدفتر وشروطه، وتفيد بعض المصادر من أروقة الحكومة أن التحقيقات الأولية التي أجرتها مصالح الوزارة الأولى أثبتت بأن التسريبات كانت من وزارة الصناعة والمناجم، مما دفع بالوزير الأول ليتدخل لحماية وصيانة المصالح الوطنية وتدارك الوضع بإصدار تعليمة تعلق العمل بدفتر الشروط إلى حين استكمال التحقيق. وفي الوقت الذي قبل فيه أغلبية الوكلاء المعتمدون لمختلف السيارات والدول سواء كانت الكورية أو الألمانية أو الصينية أو الإيطالية وغيرها بقوا في حالة انتظار، إلا أنه بالمقابل أعلنت حالة الطوارئ عند الشركات الفرنسية لحل هذه القضية وتدخلت الدبلوماسية الفرنسية عبر زيارة فابيوس للجزائر في 12 ماي 2015 وبعدها رافارن، وكان واضحا أن هدف الزيارة هو تصدير السيارات وإلغاء تعليمة التعليق.
وكان لهذه الضغوطات أن تجاوبت الحكومة بإلغاء التعليمة واستغلت وزارة الصناعة الفرصة وقلصت من بعض الشروط التي تؤمن المواطنين من الحوادث وتقايض بذلك حياة الجزائريين بإرضاء المتعاملين الفرنسيين.
والأدهى والأمّر أنه بعد صدور التعديل ورفع التعليمة بدأ السماح لاستيراد السيارات الفرنسية، في حين بقي التجميد للسيارات الكورية والألمانية إلى أن تدخلت السلطات الألمانية وتم استدعاء السفير الجزائري ببرلين مرتين في شهر جوان وسبتمبر الماضيين، وبعد ضغوطات أيضا وحرج للدبلوماسية الجزائرية مرة أخرى سمح لهم بإدخال سياراتهم.
كما كان لتدخل الوزير بوشوارب في فرض اسم حداد ورفض ربراب وشريكه الآخر في مصنع قطع الغيار أثر سلبي على مسار الاستثمار في بلادنا والضغط عبر الإشهار لوسيلة إعلامية تابعت هذا الملف ومحاولة الضغط عليها والتي أصبحت جزءا من ممارسات الوزير دون أي رادع أو مساءلة.
كما أن ملف الإسمنت الذي ستكون له نتائج وخيمة إن لم يتسارع في تداركه قبل فوات الأوان، إذ يلاحظ تفضيل المتعامل الفرنسي على غيره ومحاولة اتهام المتعاملين الآخرين بتبديد الأموال واستعمال وسائل الإعلام العمومية في التشهير بها دون أي مساءلة برلمانية ولا حكومية كلها تجعل الجميع يتساءل عن لغز بوشوارب؟؟


سليمان شنين

من نفس القسم الوطن