الثقافي

يوسف بعلوج يفتك الجائزة الأولى في الطبعة الثامنة من " الفيليف "

عن نصه الموسوم بـ" الوعدة "

 

نجح الكاتب يوسف بعلوج في افتكاك المرتبة الأولى في مسابقة القصة القصيرة للدورة الثامنة للمهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب، والتي اختير لها موضوع "العودة".

تتويج بعلوج كان عن نص "الوعدة"، الذي تفوق حسب رئيس لجنة التحكيم الكاتب والأكاديمي محمد ساري على مجموعة كبيرة من النصوص، والتي قال عنها لدى قراءته لمقرر اللجنة "إنها قصة جميلة جدا، تتحدث عن العودة بطريقة مغايرة عن غالبية النصوص التي تناولت موضوع العودة الجسدية إلى الوطن، حيث اختار الكاتب العودة فيها إلى موضوع التراث اللامادي". وهي التيمة التي قال عنها الكاتب بعلوج: "موضوع التراث المادي واللامادي يشغلني كثيرا، أنا مهجوس بضياع جزء مني مع رحيل جدي. بالنسبة لي تشكل وعيي على صورة جدي بشاشه ولباسه التقليدي وحكمة كلامه، وبوفاته ضاع هذا الشكل المجزأر من يومياتي. مازلت أحاول أن أعالج الفراغ الذي تركه رحيله، بالنسبة لي هو شخصية استثنائية برحيلها ورحيل مجايليها نفقد تباعا جزءا من هويتنا. التدوين هو عدو النسيان، والأدب سلاح الذاكرة الأول".

وعن النص الفائز، يقول الكاتب: "هو ورشة روائية مفتوحة، سبق وأن شاركت بجزء منها في مسابقة فنون وثقافة للقصة وفزت عنه بالمرتبة الأولى، وقتها قال لي د.حميد بوحبيب أن ما كتبته يتسع لفضاء أرحب، وفعلا أكدت له أن النص هو مشروع روائي. وحينما اطلعت على موضوع مسابقة المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب، اخترت جزءا آخر من هذا المشروع للمشاركة به، حينما توج بالمرتبة الأولى أيضا تأكدت أن هذا المشروع له آفاق رحبة، وهو ما أكده لي رئيس لجنة التحكيم محمد ساري. القصة تتناول موضوع التراث اللامادي وضرورة تدوينه وحمايته من الإندثار. عن طريق عودة باحث شاب يتردد إلى منطقته الأم بحثا عن تدوين تراثها المادي والشفهي".

يجدر بالذكر أن يوسف بعلوج سبق وتحصل خلال عام 2015 على تقدير في جائزة العودة لقصص الأطفال المنظمة في فلسطين، وسيصدر له قريبا نص مسرحي تحت عنوان "سأطير يوما ما" المتوج بجائزة رئيس الجمهورية عام 2014.

فقرة من النص المتوج:

يتلاشى الدوار تدريجيا كلما طوت سيارة التاكسي الطريق مقتربة من القرية. الدوار سُنة طريق أفعواني يشطر جبلا إلى نصفين، بعضه تكسوه خضرة والبعض أجرد تماما. يتحول الشعور بتعب السفر إلى نشوة تتصاعد تدريجيا، وتجعل الحواس تتوقد وتعلن استنفارها التام لالتقاط كل ما يصلها من تفاصيل المكان، صور وأصوات وروائح تتخلل مسام الجلد وتتكثف عند عند ناصية الرأس مدغدغة خلايا الذاكرة.

-هناك، عند موقف شجرة الزيتون.

أشير إلى السائق ليتوقف أمام ذكرى شجرة زيتون، اجتثت من مكانها منذ سنوات، وبقي الناس أوفياء لذكرى اجتماعهم حولها، فحافظوا على تسمية مكانها باسم موقف شجرة الزيتون. أترجل وأحمل متاعي الخفيف متوجها نحو بيت العائلة، ميراث العهد الاشتراكي الذي منح المجاهدين أولوية الحصول على أقفاص سميت حينها عبثا سكنات، واعتبرت وقتها حلما شعبيا باذخ النزق. في الحقيقة لم يتحصل جدي على قفصه بسهولة. حين أعلنت قائمة المستفيدين من السكن في سبعينات القرن الماضي، استشاط غضبا وهو الذي لا يغضب إلا فيما ندر، عاد إلى كوخه وحمل بارودته وتوجه إلى الحي الجديد المتوشح صورة عظيمة للرئيس، والمدونة على جدرانه شعارات اشتراكية عن العدل الاجتماعي. اقتحم إحدى العمارات المنجزة حديثا وكسر باب أول بيت قابله، وجلس أمامه مصوبا سلاحه رافضا الخروج من "حقه" كما وصفه حينها، فما كان من السلطات إلا أن منحته سكنا في العمارة المقابلة كتسوية، حتى لا يقال إنه فرض منطقه بالقوة، فتبدو كأنها انهزمت أمام مجاهد يؤمن بعدالة "الجبهة" حد الموت، فيفتح عليها باب اقتحامات أخرى تكون بداية فوضى تخرج عن نطاق السيطرة.

من نكت إيمان جدي المرضي بقداسة الجبهة أنه كان يجمع جدتي وأخوالي وخالاتي وأزواجهن أمامه ليلة الانتخاب، ويهدد جدتي بالطلاق أمامهم جميعهم إن تجرأت على التصويت بـ "لا"، وفي هذا تهديد مبطن بالوبال للجميع، ووصل به الأمر أن يقف أمام باب مركز التصويت اليتيم في القرية، لينتظر خروجهم كلهم يحملون ورقة "اللا" كدليل على تصويتهم بـ"نعم. وفي هذا لم يكن ليراعي حتى أمية جدتي لو أخطأت في الورقة، فكانت تبيت المسكينة تتدرب على حفظ شكل كلمة نعم، ومع تقدم السن وضعف البصر أصبحت تستعين بخالتي التي تعلمت وأصبحت مدرسة لتساعدها على وضع الورقة الصحيحة وتوفير أعباء ليلة مرعبة.

القسم الثقافي


من نفس القسم الثقافي