الثقافي
كسر الطابوهات والمسكوت عنه في المجتمعات العربية أهم ما رصدته كاميرا السينمائيين الشباب
فيما انحصرت المنافسة على جوائز الأفلام القصيرةعلى 14 عملاسينمائيا
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 07 جوان 2015
تعكس الأعمال المعروضة بقاعة متحف السينما الونشريس لوهران في منافسة الأفلام القصيرة للطبعة الثامنة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي الذي تستمر فعالياته حتى الـ 12 جوان الجاري جرأة السينمائيين الشباب في كسر "الطابوهات " والظواهر "المسكوت عنها" في المجتمعات العربية، من خلال جملة من الأفلام التي تنافست على جوائز الطبعة في هذه الفئة، ويتضمن برنامج المنافسة للأفلام القصيرة في إطار مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي 14 عملا من 11 بلدا، ويشرف على تقييم الأفلام لجنة تحكيم يترأسها المخرج التلفزيوني الجزائري محمد حازورلي.
"المتطرف".. فيلم يرصد بؤر التشدد في موريتانيا
يروي فيلم "المتطرف" لمخرجه الموريتاني سيدي محمد شقير قصة المراهق سليمان الذي يبعده والده عن المدينة ويرسله إلى المدرسة الدينية التقليدية أو "المحظرة" فيتعرض للاغتصاب مما يجعله ينضم تحت تأثير الصدمة النفسية إلى جماعة إرهابية، ويعالج المخرج في هذا العمل السينمائي ظاهرة التطرف الديني في المجتمع الموريتانيوفق المخرج الذي أبرز في النقاش أن "المحاظر" في موريتانيا "حادت عن دورها الأساسي المتمثل في تدريس تعاليم الدين الإسلامي السمحة وتحولت إلى منابع للتطرف الذي هو دخيل عن الإسلام".
ففي غرفة مظلمة وعلى كرسي واحد يجلس موقوف يتعرض للاستنطاق من طرف عنصر أمن، وفي سيارة "آخر موديل " يمضي مراهقون في طريقهم لإيصال رفيقهم، الذي يعيش حياته مثلما يشاء، وفي البيت المترف، تتجلى البيئة الموريتانية، نعم، نحن في نواكشوط، يسئم والدا المراهق من تصرفاته وعيشه حياة لا تناسب سمعة أهله، فيقررا أن يرسلاه إلى "محضرة" وهي مدرسة دينية بعيدة يتعلم فيها، عله يسمح لنفسه بأن يزن حياته من جديد، بميزان الاستقامة.
سليمان، يودع أهله ويشق طريقه نحو الصحراء مثلما خيروه له، الزهد والتقوى، التواضع والبساطة، ظاهر المدرسة التي تحفظ القرآن للفتيان، فجأة تتوقف المشاهد هنا، نحن في المدينة، المارة كثر، أحدهم يسلم آخر حقيبة يد، في خفية، أصوات التفجيرات تنبعث من نشرات أخبار التلفزيون في بيت أهل سليمان، وتؤرق البلدة، موريتانيا.
وصرح سيدي محمد شقير: "أحاول من خلال هذا العمل الفني الذي عرض لأول مرة في مهرجان وهران للفيلم العربي إيصال رسالة واحدة وهي إعادة النظر في هذه المدارس الدينية التي احتلتها الجماعات المتطرفة وغيرت الفكر الصوفي الشائع والمعتدل المعروف في موريتانيا".
ويعتزم ذات المخرج إنتاج فيلم مشترك موريتاني-جزائري يتناول العبودية في موريتانيا.أما المخرجة اللبنانية رشا التقي فدخلت ميدان منافسة الأفلام القصيرة بعمل "رشي المي فراق" المستوحى من قصة حقيقية لسمر وهي أم صماء تصاب بمأساة كبيرة عندما يتعرض ابنها إلى الاغتصاب ثم القتل بعد اختطافه من قبل كهل، وأكدت المخرجة رشا التقي التي قامت بتأليف السيناريو خلال مناقشة الفيلم أنه "يتعين على السينمائي الحديث عن القضايا الاجتماعية الحساسة على غرار اختطاف واغتصاب الأطفال الذي لا يزال طابوها عند كثير من الأسر التي تخفي وجعها وألمها وبشاعة هذه الظاهرة".
"مصور حر"..فيلم يرصد قضايا الصحفيين الفلسطينيين
يرصدفيلم"مصور حر" لمخرجه محمد حمدان المشهواري من فلسطين فيطرح قضايا الصحفيين الفلسطينيين الذين يعملون بشكل حر دون ارتباط بمؤسسة إعلامية محددة وما يتعرضون إليه من مخاطر مختلفة عند تأدية عملهم دون حماية جسدية أو قانونية، ويتخذ الفيلم من قصة المصور الصحفي أشرف أبو عمرة نموذجا لهذا الصنف من الصحفيين حيث ينقل لنا يومه المهني الصعب والمليء بالمخاطر.
"الممر ".. يرصد واقع الحياة
يروي العمل السينمائي "الممر" للجزائري أنيس جعاد حكاية شيخ أرمل يعمل في حراسة السيارات من خطر ممر السكة الحديدية منذ أزيد من ثلاثين سنة إلى أن يتحصل على رسالة تسريحه من العمل، حيث يتناول الفيلم في 25 دقيقة، قصة حارس مسن رسمت التجاعيد خرائطها على سمات وجهه يعمل في مقصورة لسكة القطار، رجل أمضى ثلاثة عقود من عمره يسهر على أمن مفترق السكك الحديدية، يعيش يوميات روتينية تزيد من غرقة في الكآبة، ينحصر بين الجدران الأربعة لغرفة قديمة تكاد تكون خاوية إلا من سرير وطاولة، الهاتف القديم المعلق على الحائط يرن من لحظة لأخرى لينبه العامل لوجوب قيامه والإشراف على سلامة الطريق للقطار القادم. يقتل الفراغ بالسجائر المشتعلة، وبألحان موسيقى الشعبي –نوع موسيقي جزائري يعتمد على القصائد -المنبعثة من جهاز الراديو الذي يؤانس وحشته.
يتلقى العامل المسن رسالة تقلب حياته رأسا على عقب، حين يكتشف قرار تسريحه من عمله، المحنة التي يمر بها تقربه من متشرد جعل من محطة القطار مقرا له، يتقاسمان السجائر والخمر ويمضيان وقتهما في صمت رهيب يقطعه بين الحين والآخر السؤال نفسه «كاش ما بانلك؟» بمعنى (هل من جديد) ليجيب الآخر «واش حبيت يبان؟ الظلمة»(لا جديد فقط الظلام الحالك).
وقد تألقا الممثلينرشيد بن علال وسمير الحكيم، في إقناع المشاهد بحجم المعاناة دون كلام كثير، إذ أجاد المخرجفي اختزال الكلام واختار الصمت ليكون أبلغ لغة لإيصال الرسالة المطلوبة للمشاهد، تاركا له حرية تركيب السيناريو في مخيلته، حيث ركز على تقنيات الصورة وجودة المشاهد التي عمل عليها مدير التصويرفريدريك ديريان، ليلعب على المشاهد التعبيرية، وتقاسيم الوجه، وتجاعيده، ولعل أفضل اللوحات المقدمة وأكثرها وضوحا كان المشهد الأخير الذي صور الشيخ والشاب جالسان على حافتي السكة الحديدية متقابلين، شاهدان على جيلين يعيشان الفراغ الدائم، ينتظران مستقبلا مجهولا خاصة أن طريق القطار امتد على الشاشة إلى النهاية، بدون اكتراث يدخنان سيجارتين ليعيد أحدهما للمرة الأخيرة طرح السؤال نفسهكاش ما بانلك؟ (هل من جديد) ويجيب الآخر بنفس الخيبة والمللواش حبيت يبان؟ الظلمة(لا جديد فقط الظلام الحالك).
إكرام. س