الثقافي

واقع العبودية في اليمن، العمل الصحفي في النزاعات وحياة وطار يتنافسون على جوائز مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي

تتنافس في فئة الأفلام الوثائقية

 

 

عرضت ثلاثة أعمال سينمائية سهرة أمس أول الجمعةبقاعة متحف السينما (الونشريس) لوهران في افتتاح المنافسةلفئة الأفلام الوثائقية في إطار الطبعة الثامنة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، واستهلت هذه المنافسةبفيلم "عبودية في اليمن" لمخرجه الفلسطيني أشرف مشهراوي الذي ينقل في قرابة الساعة واقع العبودية في اليمن من خلال سرد مراحل التحرير العبد "نسيم" في منطقة الحجة شمالي غرب العاصمة صنعاء.

 

عبيد اليمن ورحلة الانعتاق في فيلم أشرف مشهراوي

 

وبرؤيةسينمائيةيوثق هذا الشريطحقيقة وجود العبيد والجواري ومدى انتشار تجارة الرقفي هذه المنطقة ويصور أيضا المخرج استمرار معاناة العبيد الذين يتزوجون الجواري بدون عقد رسمي وكذا مسألة توريث العبوديةبين الآباء والأبناء،كما بحثالمخرج المشهراويالذي غابعن حضورمهرجان وهران الدوليللفيلم العربي للأسباب "أمنية" -كما قال المنظمون - عنأسباب السكوت اجتماعيا والنفي الرسمي إزاء هذه الظاهرة ، وبعد أن وقف المخرجمطولا عند التفاصيل المتعلقة بحياةالعبدنسيم "بعد تحريره رصدمحاولات ناشطين حقوقيين لتحرير أشقاءه من الرق وما يواجهونه من صعوبات في سبيل القضاء على هذه الظاهرة المنتشرة التي لاتزال منتشرة في القرن الحاديوالعشرين. 

كما تأثر عشاق الأفلام الوثائقية بمشاهد الفيلم " الحي يروح " لمخرجه التونسي محمد أمين بوخريص " التي نقلت صعوبة العمل الصحفيفي تغطية بعض الأحداثالساخنة من أجل نشر الحقائق بكل صدق، وتدور قصة هذا العمل السينمائيحول مغامرات ثلة من المراسلين من بلدان عربية وأجنبيةقاموا بتغطية أحداث جرت فيتونس ومصر وليبياوسوريا وفلسطين مع التركيز على الأخطار الكبيرة التي تعرضوا لها أثناء تأدية عملهم الصحفي، واستطاعالجمهور أن يكتشف الروح الإنسانية العاليةلدى هؤلاء المراسلين التي كانت تعكسهاصورهم وشهاداتهم وتصريحاتهم والأسباب التي تدفعهم إلى تغطيةالنزعات والثورات بدون خوف.

ومن جهته وثق الفيلم " آخر الكلام... " للمخرج الجزائري محمد الزاويللأيقونةالأدبالجزائريالكاتب الراحل الطاهر وطار ( 1936 -2010 )صاحب عدة روايات منها " اللاز" و" الزلزال " و"عرس بعل"فضلا عن عدة مسرحيات أبرزها " الشهداء يعودون هذا الأسبوع "، وقد جعلالمخرج الكاتب الطاهر وطار في شريطه الوثائقي كسارد للذكريات مما ترك المشاهد يكتشف وطار الشيخيستذكر تاريخ حياتهوهو يرددبين فينة وأخرى الأغاني الشعبية لمغنيين من منطقة شرق البلاد على غرار بقار حادة وعيسى الجرموني "مما يدل علىمدىتشبهبهويتهوتراثه"يقول المخرجخلال مناقشة فيلمه.

 

"الحيّ يروح"... في فيلم أمين بوخريص

 

ما هو دور مراسل ومصوّر أجهزة الإعلام المرئية اليوم؟ ما هي مهنة الصحفي؟هل أنّ الارتماء في أحضان الحرب هو هواية قصد نقل المعلومة للمشاهد أم هو حتمية الخبز المرّ؟ ما هي حدود الخطر؟ 

هي أسئلة من كمّ تُطرح أو تُثار في ذهن من يشاهد الفيلم الوثائقي "الحيّ يروح" للمخرج التونسي الشاب محمد أمين بوخريص الذي تمّ عرض الفيلم لأول مرّة في مهرجان دبي السينمائي. عندما تشاهد ذلك الفيلم تنتابك قشعريرة خاصة ليس لهول المشاهد فحسب بل أيضا نظرا لكون السؤال البديهي الذي يُثار: كيف عاد هؤلاء المصوّرين (بما فيهم المخرج) أحياء يرزقون؟

الفيلم الوثائقي "الحيّ يروّح" هو من إخراج الشاب محمد أمين بوخريص من مواليد 1986 حيث درس السينما في معهد خاص وعمل إثرها مراسلا لمجموعة من وكالات الأنباء، ويدوم الشريط 74 دقيقة وهو من إنتاج 2013، من طرف المنتج التونسي نجيب عياد الذي آمن بموهبة هذا الشاب لا سيما وأنّه عُرف بمساندته للجيل الجديد من السينمائيين. هذا الشريط الوثائقي هو غوص في قلب الخطر حيث يلخص الفيلم مجموعة من الثورات العربية من خلال متابعة لمصورين صحفيين مهنتهم تفرض عليهم أن تكون حياتهم معرّضة للخطر. ومن خلال استجواب مجموعة من المراسلين الحربيين من مختلف الجنسيات تقودنا الكاميرا إلى ثورة 14 يناير بتونس والثورة الليبية وميدان التحرير وصولا إلى سوريا.

يرصد المخرج شهادات لمصورين مثل نسيم وإياد وأحمد حيث يروون دقائق من الموت الذي يتربص بهم كل لحظة أثناء عملهم وتحديهم للموت من أجل قوتهم اليومي من ناحية ومن أجل نقل المعلومة إلى المشاهد. تنقلنا الكاميرا إلى شارع الحبيب بورقيبة بتونس وتنقل لنا مباشرة إصابة المصور الفرنسي "لوكاس مبروك" في رأسه بقنبلة مسيلة للدموع وتتابعه إلى حين نقله للمستشفى ليكون أول مراسل صحفي يموت في ثورة تونس... لحظات من البكاء والتأثر من طرف من استجوبوا لوفاة زميلهم الذي يتمثل ذنبه في كونه كان ينقل الأحداث. أما في ليبيا فإنّ الرصاص يلعلع بين الميليشيات، هناك يحمل المصوّر المراسل الكاميرا بيد من أجل اقتناص الصورة/ الحقيقة، في يده الأخرى بندقية من أجل أن يحاول أن يضمن عدم اقتناصه. تنتقل الكاميرا إلى ميدان التحرير لتروي من خلال المراسل المستجوب آهات، حزنا، أسفا، وأملا... في عينيه تبرز مساوئ مهنة الصحافة الخطرة لكنه يعتبرها واجبا مقدّسا من أجل نقل المعلومة وكشف الحقيقة في عالم الصراع حيث تغيب الإنسانية في الكثير من الأحيان.

 

"آخر الكلام".. ما قاله الطاهر وطار في فيلم لمحمد زاوي

 

"آخر الكلام" هو الفيلم الجديد للمخرج الجزائري محمد زاوي، حكاية الفيلم تدور حول الأيقونة الثقافية الجزائرية الكبيرة “الطاهر وطار” صاحب روايات “عرس بغل، واللاز، والعشق والموت، والزلزال وغيرها "، إضافة إلى عديد المسرحيات التي ألفها وكذلك قصص " الطعنات، ودخان من قلبي، والشهداء يعودون، والمناضل الذي ظل محافظاً على مبادئه حتى آخر حياته.

نقرأ في بداية الفيلم " قبل رحيله بشهرين أقام الراحل الطاهر وطار في بيتي في الضاحية الباريسية، وحينما بدأ يغني حملت كاميرتي وبدأت أصور "، إذن الزاوي يشتغل بمشروعاته السينمائية منذ وقت مبكر، خصوصاً في هذا الفيلم، الفكرة إذن توثيق مسيرة الطاهر، وجود البطل في الفيلم كسارد لذكريات، يعطيه مصداقية كبيرة، ويتركنا نتأمل ونقارن بين شيخ كبير يتوكأ على عصاه، مستذكراً تاريخ حياته، وبين شاب أمازيغي، من قرية نائية، نجح في أن يكون اسماً بارزاً في عالم الثقافة العربية، بدليل نتاجه الغزير الذي لقي إقبالاً عربياً وعالمياً.

ليبدأ الزاوي سرده البصري مؤرخاً لمسيرة رجل عاش حياة ملؤها النضال والمغامرة، تجد الطاهر يردد أغنية شعبية قديمة، دلالة على الالتصاق بالأرض والتراث، وابنة الزاوي، وضعها أبوها كمعادل بين الولادة والأمل وبين الرحيل المتوقع، تراقب تحركات عمها الطاهر، تحاكي عصاه التي خلفها ويطلق عليها “أوباما”.

لم يتبع المخرج التسلسل الزمني لحكاية الطاهر وطار، بل تركه يتحدث من دون أن يتعبه، مستعيناً بآراء الكثير ممن عايشوا الرجل، من أصدقائه، ومسؤولين سابقين، ومثقفين، وعائلته.

نجح الزاوي في توظيف مونتاج متوازٍ بين السرد الحكائي والسرد الصوري، متنقلاً بين ضواحي ومدن الجزائر، خصوصاً البيت الكبير الذي شهد ولادة الطاهر وطار.

بين الدراسة الدينية الأولى والمصادفة في أن تقع بيده ورقة كتب عليها “صادني ما صاده، صادني مرض الهوى” ليبدأ الطاهر وطار بقراءة كل ما تيسر له من كتب وفي شتى المجالات، وليجمع بين ثقافات عدة ليكون في النهاية شخصاً “عربي الحضارة، أمازيغي الهوية، سليل الكاهنة التي أحرقت البلاد وسليل طارق ابن زياد الذي أحرق سفنه حتى لا يتراجع كما يقول هو”.

يتعرف على الفكر الماركسي ويعتنقه مخفياً ذلك عن رفاقه في جبهة التحرير الوطني، “الماركسية حلم، وحلم عيسى، وحلم محمد، وحلم أبي ذر الغفاري، وحلم القرامطة، وحلم الزنج”، هكذا يرى الطاهر الفكر الماركسي، حلماً أرضياً لم يتحقق، لكنه يبقى حلم الكثيرين.

الشهادات العديدة التي قيلت عن الطاهر وطار، اتفقت جميعها، على علو شأن الرجل، والإنسان، والمثقف، والمناضل.مغادرة الطاهر وطار منزل الزاوي، هي بداية الرحيل النهائي، الانتظار في المطار، دلالة على إن الحياة ليست سوى رحلة سفر، لابد أن تنتهي يوماً ما، مهما كانت أهمية المسافر، نبياً، ملكاً، عبداً، أياً كان.قبيل مغادرته يطلب الوطار غصناً من نبتة من حديقة منزل الزاوي، يضعها الأخير له في حقيبته، ما هي دلالة ذلك بالنسبة للطاهر وللزاوي وللمشاهد، الشجرة الخضراء في حقيبة.. شجرة حياة حافلة آيلة للنهاية…

ثمة فتاة ترسم وجه الوطار، الفتاة الصغيرة ترسم قلباً وتعتقد إن عمها الطاهر يسكن في إحدى النجوم، نعم يغادرون وتبقى الصور، لكن الزاوي وضع للطاهر فيلماً يستحق المشاهدة ولمسة وفاء يمكن للكثيرين الرجوع إليه ليتعرف على حياة الرجل.

ويتضمن برنامج منافسة فئةالأفلام الوثائقية في إطار مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي 12 عملا من 6 بلدان عربية منها 3 أشرطة جزائرية ويشرف على تقيمها جميعا لجنة تحكيم يترأسها المخرج الوثائقي الجزائري نور الدين عدناني. 

 

إكرام. س

من نفس القسم الثقافي