الثقافي

جبران خليل جبران المؤلفات العربية الكاملة

على الرفّ

 

تحمل صفة مهجريّ إذ تطلق على جبران كأحد أدباء المدرسة المهجرية التي نشأت في أميركا الشمالية خلال الأول من القرن العشرين، أكثر بكثير من معناها الجغرافي؛ أي الإبتعاد عن الوطن الأصليّ والإلتحاق بوطن بديل.

أن يكون إنسان ما مهاجراً بالمعنى الجغرافي يعني أنه أيضاً غريب، أما إذا كان الغريب هذا شاعراً رائياً وذا نزعة، ومنطقية كما كان جبران، فذاك يعني أن غربته مثلته، فهو إضافة إلى غربته الجغرافية، غريب كشاعر راءٍ عن عالم الناس وأعراف الناس، وغريب ثالثاً كراءٍ، عن كل ما يشدّه إلى العالم الواقعي الحسّي؛ أي عالم الزمان والمكان.من هنا، كان لا بدّ لغربة مثلته كهذه في نفس شاعر كجبران، أن تلهب فيه حنيناً مثلث الوجوه: إنه حنين إلى الوطن، وحنين إلى مجتمع إنساني مثاليّ يلجأ إليه الشاعر ولو بالخيال، وهو من جهة ثالثة حنين إلى عالم مفارق خلف الزمان والمكان؛ عالم الحقيقة العلوية المطلقة.

هذا الحنين المثلث هو الذي تكونت منه تلك القيثارة ذات الأوتار الثلاثة التي عزف عليها جبران ألحان حياته جميعاً، أما بداية هذه المسيرة، فكتيّب بثلاث عشرة صفحة، افتتح به جبران حياته الأدبية كلها، وأصدره بعد إحدى عشرة سنة من هجرته الأولى إلى بوسطن سنة 1894 وهو يومها في الحادية عشرة من عمره؛ واسم ذلك الكتاب "الموسيقى".

أما أهمية الكتاب كتوطئة للفكر الجبراني ففيه ما يكشفه في نفس صاحبه من معالم تلك الغربة الميتافيزيقية وهي بعد في خطوطها الأولى، ومما تولد عنها عند الفتى من حنين ضبابي مبهم كئيب.من هنا، كان لجبران اليافع أن يرى في الموسيقى الأثيرية الكئيبة المهوّمة توأماً لروحه وأن يخاطبها: "يا ابنة النفس والمحبّة.يا إناء مرارة الغرام وحلاوته، يا خيالات القلب البشري وزهرة الفرح... يا أيتها التموجات الأثيرية الحاملة أشباح النفس ويا بحر الرقة والعطف، إلى أمواجك نسلم أنفسنا وفي أعماقك نستودع قلوبنا فاحمليها إلى ما وراء المادة وأرينا ما تكنه عوالم الغيب".

ومن موسيقى سنة 1905 وحتى بداية عهد "النبي" سنة 1923 الذي بدأ فيه حنين جبران الطويل وكأنه قد حمل صاحبه "إلى ما وراء المادة" وأطلعه على الكثير "مما تمكنّه عوالم الغيب"، مرّت مؤلفات جبران كما مرّ فكر بمرحلتين اثنتين: الأولى مرحلة "عرائس المروج" و"الأرواح المتمردة" و"الأجنحة المتكسرة" و"دمعة وإبتسامة" وهي جميعاً مؤلفات شبابه التي ظهرت ما بين سنة 1907 وسنة 1914.أما الثانية، وهي الأنضج نسبياً، فمرحلة "المواكب" سنة 1919 و"العواصف" سنة 1920 بالعربية، ثم "المجنون" أول مؤلفاته الإنكليزية و"السابق" ثانيها الذي كان بمثابة التمهيد لظهور "النبي".وبالعودة إلى مؤلفاته العربية والتي جاءت في هذا المجلد صدورها على التوالي، فقد ضمت "عرائس المروج" مجموعة من ثلاث قصص قصيرة، بينما اشتملت "الأرواح المتمردة" على أربع أخرى.

الوكالات


من نفس القسم الثقافي