الثقافي
لماذا تغيب مذكرات نساء ورجال المسرح الجزائري؟
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 31 ماي 2015
الذاكرة الثقافية ليست الماضي أبدا، الذاكرة الثقافية والفنية هي الحاضر، وهي الأرضية التي عليها يتأسس الحلم الثقافي، عليها يتأسس التحدي، عليها يبنى التجديد والمعاصرة، حين أتأمل رصيد المكتبات في الجزائر، أجد بها فراغا كبيرا يتمثل ذلك في غياب الكتابات التي تنتمي إلى الشهادات أو المذكرات أو السير الذاتية لنساء ورجال المسرح.
نحن لنا مسرح كبير، بتاريخ عريق لكنه يتقدم بدون ذاكرة، فباستثناء مذكرات محيي الدين بشطارزيوعلالو وفضلاء... لم يكتب الآخرون من الجيل الثاني عن حياتهم الغنية جدا على مستوى السلوك الثقافي والاجتماعي ما هو قادر على رفع المسرح الجديد في بلادنا.
لا يمكنني تصور ثقافة وطنية دون صوت المسرحي، ولا أتصور تاريخا للثقافة دون تاريخ للمسرح، وجزءً كبيرا من تاريخ المسرح مرتبط بحياة نساء ورجال المسرح، الحياة بمفهومها الفردي والجماعي، تلك الحياة التي دفعت بنساء ورجال المسرح إلى الخشبة.
رحلت الكثيرات من المسرحيات الكبيرات اللواتي عبرن حياتهن بالكامل على الخشبة، في ظروف معقدة، من الحرب التحريرية مرورا بمرحلة بناء الدولة ومعها وفيها مهمة بناء سيكولوجية الانسان الجزائري الحر والمتحرر، لأنّ تحرير البلاد يحتاج إلى عمل شاق آخر هو تدريب الإنسان على الحرية. إنّ صناعة الإنسان الحر في علاقته بالدولة الوطنية الجديدة، في علاقته بفلسفة العمل، في علاقته بفلسفة الوقت، أوراش هذه الصناعة يقودها الفنانون وعلى رأسهم المسرحيون.
رحلت الكثيرات من سيدات المسرح الجزائري، وكنّ نجمات وعلامات على الخشبة، كنّ الرمز والحلم، ولكننا لم نقرأ مذكرات لواحدة منهن، لم نقرأ شهادات لهن، لم نقرأ أسفارا لهن، وهو خلل كبير يعاني منه الحقل الثقافي في بلادنا، وأعتقد أنّ لو كتبت نساء المسرح مذكراتهن لاكتشفنا من خلالها كثيرا من تفاصيل تاريخ مقاومة المرأة في الثقافة، لاكتشفنا فصولا مهمة من ثقافة الشجاعة وشجاعة الثقافة، ليس سهلا أن تمارس امرأة فن المسرح، أن تمنح المسرح حياتها، أن تكون صوتا وجسدا على خشبة في مجتمع ظل يعتبرها (حشمة) و(عورة).
حين أقرأ مذكرات بعض المجاهدات، اللواتي مارسن النضال السياسي وحتى العسكري، أشعر بفخر المرأة الجزائرية، ولكني أشعر في الوقت نفسه، ومن موقعي ككاتب ومثقف، بأنّ هناك فصلا غائبا في هذا النضال، في هذه الملحمة، وهو جانب المرأة المثقفة وأخص بالذكر هنا سيدات المسرح.
لو أنّ السيدة كلثوم، لو أنّ السيدة فتيحة بربار... لو أنّ الأخريات أيضا كتبن مذكراتهن، سيرهن، شهاداتهن، لاكتشفنا بأنّ طريق المسرح والفن بشكل عام طريق تحيط به الأشواك لا الأضواء، وأنّ السيدة الممثلة التي تتوج لساعات أميرة أو ملكة على الخشبة فإنها بالمقابل تعيش المرارة فيما تبقى من يومها، من عمرها.
حين ينسحب الجمهور من القاعة، وتغرق القاعة في الظلام وتمشي الممثلة في الشارع أو في الحي أو في البلد... تمشي مكسورة لا يبرئ جرحها سوى تصفيقات الجمهور التي ترن في أذنها.... هذا ما نريد أن نعرفه من حياة سيدات المسرح.
وإذا كان غياب كتابة المذكرات وسير النساء من أميرات المسرح قد خلق اللاتوازن الثقافي فإن رجال المسرح هم الآخرون فوتوا الكثير على الأجيال التي جاءت من بعدهم وهذا لعدم كتابة مذكراتهم التي هي الدروس المثلى لتكوين المسرحي الجديد.
فقدنا الأستاذ امحمد بن قطاف وهو مدرسة في الحياة وفي المسرح، وفقدنا قبله عبد القادر علولة، وكاكي ومجوبي ومحمد بودية وآخرين ولكن لا أحد ترك لنا كتابا سيرويا يحكي عن علاقته بالحياة التي قادته إلى المسرح، وما هي الصعاب والشعاب التي قطعها كي يصبح مسرحيا.لكل ذلك أقول إننا نمشي بعمر قصير في الثقافة المسرحية، نتقدم بدون ذاكرة، وحالة مثل هذه الحال، يغيب فيها التراكم، تجعل الأجيال المسرحية المتلاحقة معرّضة أكثر فأكثر للقلق الثقافي والتكرار.
إنّ السير الذاتية والشهادات والمذكرات يكتبها رجال ونساء المسرح، حتى ولو ظهرت في صيغة ذاتية ونرجسية إلا أنها تعكس عمق تاريخ الثقافة، ودون هذه الكتابات يكون تاريخ المسرح مختلا ومهزوزا. إن حياة نساء ورجال المسرح هي حياة المسرح.
بقلم: الدكتور أمين الزاوي