الثقافي

الموسيقى الأندلسية أصلها يهودي... مجرد نكتة لا أكثر

الباحث الجزائري فوزي سعد الله يصرح:

 

 

أكد الباحث الجزائري فوزي سعد الله، ان القول بان فن الموسيقى الاندلسية "يهودي" مجرد نكتة لا أكثر، لأن تاريخ الغناء العربي الأندلسي معروف ولا يتسع للمزايدات والدعايات غير البريئة سياسيا أحيانا، لا سيما منذ نحو عقدين أو ثلاثة من الزمن.

وأضاف سعد الله في حوار خص به موقع "الجزيرة نت"، حول موضوع "الموريسكيين ودور اليهود في بروز وانتشار الموسيقى الأندلسية في البلد وفي شمال أفريقيا عموما، وعلاقة الاهتمام بالثقافة الأندلسية مع مشروع "الاتحاد المتوسطي" الذي يشمل إسرائيل"، بان اليهود أحبوا الموسيقى العربية الأندلسية ومارسوها وأبدع بعضهم فيها لسبب بسيط وهو كونهم أندلسيين لا أكثر ولا أقل. وعندما شاع هذا الأسلوب الغنائي لدى سكان المغرب الإسلامي انتشر أيضا في أوساط اليهود، لأنهم لم يكونوا دولة داخل دولة بل كانوا مواطنين كغيرهم من المسلمين والنصارى، مشيرا في السياق نفسه، إلى انه لا يمكن انكار فضل اليهودي إيدمون ناثان يافيل الكبيرعلى الموسيقى العربية الأندلسية في القرن العشرين، الذي يقال انه لولاه لاختفى هذا النوع الموسيقي باعتباره من دون النوتة الاندلسية، غير أن ناثان يافيل ما كان ليجمع الأشعار ويدونها لو لم يكن تلميذ شيخه المسلم محمد بن علي سفنجة والذي تتلمذ بدوره على العملاق الشيخ المنمش نجم النصف الثاني من القرن 19 في مجاله، والذي ورث بدوره فنه عن كبار هذا الفن الأندلسي المسلمين في العهد العثماني، مضيفا بان يافيل عندما كان ينجز عمله ويتعاون مع الفرنسي جول روانيه كان يهتدي بخبرة شيخه سفنجة قبل كل شيء وشيوخ مسلمين آخرين، وهذا لا ينقص من قيمة دوره في شيء. لكن لا يحق أن يصور على أنه لولاه لضاع التراث الموسيقي الأندلسي، لأن هذا التراث صمد طيلة قرون قبل وجود المعلم يافيل ابن الشباب المولود عام 1874 في مدينة الجزائر العتيقة، رغم ما واجهه من تحديات وتهديدات خلال فوضى سقوط الأندلس واضطرابات بسط النفوذ العثماني في الجزائر، أما بالنسبة للتدوين الموسيقي، فقد كان لبعض الفنانين نظامهم الأبجدي التقليدي الخاص لكتابة الموسيقى، والذي كان يضيع تدريجيا حتى انقرض اليوم، وقال فوزي سعد الله في جوابه عن سؤال "ما حقيقة الموريسكيين خارج حواضرهم المعروفة وماذا اضافوا للثقافة الجزائرية؟"، بان الأندلسيون والموريسكيون جزء مهم من المجتمع الجزائري، وقد جلبوا له قبل قرون ثقافة وعادات وتقاليد شملت فنون الطبخ والأزياء والتجميل والزينة والموسيقى والغناء والفرح والقرح، وامتد تأثيرهم إلى لسان المنطقة الذي انتقلت إليه اللهجات الأندلسية، فضلا عن الإسهام الكبير بل الحاسم في الازدهار الاقتصادي والعسكري للجزائر منذ مجيئهم الجماهيري إلى البلاد في بداية الحقبة العثمانية من تاريخ البلاد في مطلع القرن السادس عشر، معقبا بان السبيل لمعرفتهم يكمن في القابهم العائلية التي لم يتغير الكثير منها، وهي اليوم مثلما كانت عليه في غرناطة أو بلنسية أو إشبيلية أو مالقة وغيرها، رغم بعض التحوير عند تكييف الألقاب الإسبانية منها مع اللسان العربي، بالاضافة إلى وجود العديد من المؤشرات من بينها الطقوس الاجتماعية والتواريخ العائلية والحرف، والألقاب التي نذكر منها: بلانكو (Blanco)، بوناطيرو (Bona Terro)، ورويس الذي أصله (Ruiz) وهي عائلات موريسكية، والعنجروني المنحدرة من مدينة عنجرونة الإسبانية (Lanjaron)، والعرجوني نسبة إلى إقليم أراغونة (Aragon)، ومنتوري نسبة إلى بلدة منتورة، ومالكي نسبة إلى مالقة، والزهار والأندلسي والقرطبي والشبلي نسبة إلى إشبيلية، وبن النيقرو وبن الحفاف وابن الأمين وابن السمان... إلخ، كما توجد وثائق تاريخية رغم قلتها تتوفر على كمٍّ هائل وقيم من المعلومات، لا سيما في مركز الأرشيف الوطني في مدينة الجزائر، وأيضا في إسطنبول وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وحتى في مصر وبلاد الشام. يجب فقط التشمير على السواعد والعمل، واضاف فوزي حول ماذا قدم اليهود الاندلسيين الذين نزحوا إلى الجزائر وشمال افريقيا للجزائر وماذا قدمت بدورها لهم، بان اليهود كانوا جزءا من اللاجئين والمهاجرين الأندلسيين، لكنهم كانوا أقلية صغيرة وليست بكل الأهمية المزعومة في الأعوام الأخيرة، ولم يتجاوز عددهم بضع عشرات الآلاف في أقصى تقدير، وما جلبوه لم يختلف عما جلبه غيرهم من الأندلسيين المسلمين الذين كانوا بطبيعة الحال أكثر بكثير عددا، وبالتالي أكثر تأثيرا في البلد المضيف. ما جلبوه هو الحرف والصنائع والفنون والثقافة والعادات الأندلسية المتميزة برقيّها وتطورها، وما يقال أكثر من هذا فهو مجرد مزايدات ومبالغات مرتبطة بالصراع القائم على أرض فلسطين منذ عقود، أما الجزائر فقد وفرت لليهود في ظل الانتماء الإستراتيجي للنظام العثماني، الأمن والطمأنينة والاستقرار والتسامح وفرص النجاح كغيرهم من المواطنين بمختلف أعراقهم وأديانهم، ويذكر ان فوزي سعد الله من أبرز الباحثين الذين تناولوا تاريخ اليهود في الجزائر وعلاقتهم بالموسيقى الأندلسية، وأصدر سلسلة من الكتب في هذا الشأن منها "يهود الجزائر.. هؤلاء المجهولون"، و"يهود الجزائر.. مجالس الغناء والطرب"، ويستعد لإطلاق إصدار جديد بعنوان "الشتات الأندلسي في الجزائر والمنطقة العربية والمتوسطية".

ليلى.ع

من نفس القسم الثقافي