دولي

"جيشوري" ينفث سموم الموت في طولكرم

مصانع صهيونية لصناعة الكيماويات

 

  • السلطة تتفرج دون أن تحرك ساكنا


ليست أصوات المصانع الكيماوية الصهيونية "جيشوري" وحدها ما يُؤرّق طالبات مدرسة فاطمة الزهراء وأهالي مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، إذ إن الرائحة الكريهة والأدخنة السامة المنبعثة من فوهات المصانع أشد وأخطر الخطر القادم من تلك المصانع لا يهدد فقط أطفال المدرسة وحدهم، فآلاف الفلسطينيين القاطنين بمحاذاتها يدفعون ضريبة الصناعة الصهيونية، حيث تنتشر بينهم أمراض ترتبط بالجهاز التنفسي وأخرى من بينها السرطان ويعود أصل الحكاية إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حيث نقلت سلطات الاحتلال مصنع "جيشوري" من الداخل المحتل عام 48، إلى الخط الغربي لمدينة طولكرم و"جيشوري" هو اسم صاحب تلك المصانع، الذي كان يعمل وقت إنشاء أول مصنع له في هذه المنطقة ضابطا كبيرا في جيش الاحتلال، واستطاع من خلال موقعه مصادرة هذه الأراضي من المواطنين، وإقامة هذه المنطقة الصناعية على أراضٍ محتلة عام 1967، تبلغ مساحتها قرابة مئة دونم من الأرض.
 انتشار الأمراض
وعلى الرغم من تسجيل إصابات كثيرة بأمراض السرطان، لا سيما الدم والالتهاب الرئوي في الجهة الغربية والجنوبية التي تقام عليها تلك المصانع، فإنه لا توجد إحصائية رسمية لعدد الحالات المصابة بحسب بلدية طولكرم ويقول رئيس قسم الصحة في بلدية طولكرم أسامة الشيخ ناصر إن قرابة الـ10 مصانع موجودة غرب المدينة تلوث الهواء والمياه والتربة في المدينة وتبث سمومها عبر أدخنتها التي تنتشر في الجو ويضيف ناصر: "نتيجة وجود المصانع في المنطقة ولفترة طويلة قاربت 30 عاما، تسببت بالعديد من الأمراض الصدرية التي تصيب الجهاز التنفسي وتسبب أمراض الجيوب الأنفية والالتهاب في القصبة الهوائية والالتهاب الرئوي الحاد الذي يؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان، بالإضافة إلى تهيج العيون والأمراض الجلدية" ويعزو استمرار تصاعد هذه الغازات لارتفاع ملحوظ في نسبة الإصابة في السرطان في مدينة طولكرم، خاصة بين سكان المنطقة الغربية والجنوبية فيها وأوضح قائلا: "تحتوي الغازات المتصاعدة على جسيمات تحتوي على مواد سامة، وتتسبب بتكوين المطر الحمضي الذي يسقط على الأجسام والمباني القريبة من المكان، مما يؤدي إلى إحداث تشويه في هذه الأجسام والمباني" وأضاف: "تتصاعد من أدخنة المصانع أكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكربون وأكاسيد الكبريت التي عندما تتحد في الهواء تشكل مواد حمضية ضارة على الإنسان والنبات والمباني أيضا" واعتبر ناصر، الأضرار المباشرة على المدى القريب تتمثل في استنشاق المواطنين لهذه الغازات، وبالتالي إصابتهم بأمراض مزمنة لا يرجى الشفاء منها، وعلى المدى البعيد هناك مخاطر من تطوير الأساليب الصناعية في المصانع، وبالتالي تزداد نسبة المواد الخطرة المنبعثة منها ونصح ناصر المواطنين في المنطقة بإغلاق نوافذ منازلهم وقت الذروة لعمل المصانع، وعدم تعريض أجسامهم وأغراضهم للهواء في تلك الفترة، كما يمكن تكثيف زراعة الأشجار في محيط المنازل؛ بحيث تمتص الغازات السامة وتقلل من مخاطرها.
مواد سامة
بدوره، أكد عصام القاسم مدير سلطة جودة البيئة في طولكرم أن هناك عشرة مصانع في المنطقة الصناعية منها دهانات وصناعة أنسجة وصناعة أسطوانات غاز وفلاتر مياه، وكلها منتجات بحاجة إلى تصنيع كيماوي، وبالتالي مخرجاتها كيماوية سامة ويدلل على كلامه: "قمنا بضبط سيارة تنقل مخلفات المصانع الكيماوية إلى أراض زراعية بالقرب من المصانع، وحين اقتدنا السيارة إلى المحكمة اشتعلت بشكل ذاتي، وبعد إطفائها أخذنا عينات وفحص بعض العناصر السامة المتوقع وجودها، ووجدنا أنها تحتوي على تلك العناصر بكثافة رغم أن الاحتراق سبب نقصان في نسبة هذه العناصر" وأشار القاسم: "يتجنبون دفن المخلفات الصلبة في الأماكن المخصصة داخل "إسرائيل" لارتفاع التكلفة، فهم يلجأون إلى طريقة الحرق دون أي رقابة وحول المخاطر البيئية على المياه الجوفية؛ يقول القاسم: "حوض الماء الرئيسي لطولكرم هو أسفل جامعة الخضوري المقامة على أرضها تلك المصانع، وبالتالي يتم حقن هذه المياه بالمواد السامة نتيجة مخلفات المصانع" ويضيف: "أصحاب المصانع حفروا خلف مصانعهم مكب لنفاياتهم، وقاموا ببيع التربة الحمراء ودفن النفايات فيها، وهذا يسبب خطرا كبيرا على المياه الجوفية للمدينة، والتي تكون على أعماق منخفضة" أما الآثار البيئية الناتجة عن مخلفات المصانع على التربية، قال القاسم: "تتشكل طبقة بيضاء فوق الأراضي الزراعية تتسبب بتدمير المزروعات، حيث تحولت الأراضي المحيطة إلى أراض قاحلة بعدما كانت من الأراضي الأكثر خصوبة في فلسطين" وكشف القاسم، أن هذه المصانع تعمل "خارج الرقابة، حيث تعمل في مناطق لا تخضع للرقابة "الإسرائيلية" ولا الفلسطينية، وأن سلطات الاحتلال حاولت عدة مرات التحايل لتخفيف الأضرار الناجمة عن هذه المصانع، مشيرا إلى أن هذا الأمر قوبل بالرفض الفلسطيني التام، على اعتبار أن هذه المصانع غير شرعية ومقامة على أراض محتلة، وتتعارض مع كافة المواثيق والقوانين الدولية".
سرقة للأرض
بدوره، اعتبر عبد الخالق جبارة مدير بلدية طولكرم، أن ما يجري على الأرض هو مصادرة وسرقة للأراضي على غرار مصادرة الأراضي والجدار والاستيطان. ويقول: "أقيمت هذه المصانع على أراض تعود ملكيتها للأوقاف الإسلامية ولمواطنين فلسطينيين بقرارات مصادرة، وكانت كذلك ممرا لسكة الحديد باتجاه الحجاز، ويدعي "الإسرائيليون" أنها أراض "إسرائيلية" داخل الخط الأخضر" ويضيف جبارة أن "مجلس التنظيم الأعلى في بيت إيل أصدر قرار مصادرة لهذه الأراضي قبل عام بادعاء تنظيم المنطقة ضمن مخطط تنظيمي "إسرائيلي"، من أجل شرعنة وجود هذه المصانع التي تقام على أراض ضمن المخطط التنظيمي لمدينة طولكرم مقر منذ الانتداب البريطاني" وأوضح جبارة أن نصف سكان طولكرم معرضون للخطر، حيث إنه يسكن أكثر من نصف سكان المدينة في الأحياء الغربية والجنوبية، وهي ليست بعيدة عن قلب المدينة أيضاً.
صرخة طفولة
تعالت صرخات أطفال مجموعة من مدارس طولكرم، طالبوا بإزالة مصانع الاحتلال المقامة على أرضهم وبالقرب من مدارسهم خلال تنظيمهم سلسلة بشرية بمبادرة من مدرسة بنات فاطمة الزهراء الأساسية، وضمن حملة بعنوان: "صرخة طفولة لا لجيشوري" سمر عبد القادر مديرة مدرسة فاطمة الزهراء، قالت ": "نشتم رائحة مزعجة لغازات تنبعث من المصانع وبشكل متعمد حيث تتسبب بالإزعاج للطالبات في المدرسة، إضافة إلى انتشار الأمراض وتحسس من الأبخرة وحكة في الأنف والحساسية" وأضافت عبد القادر: "الطالبات محرومات من استنشاق الهواء النقي بسبب تصاعد الأبخرة بشكل شبه يومي، وتضطر الطالبات إلى إغلاق نوافذ الصفوف، مما يتسبب بضغط كبير نتيجة الاكتظاظ، ويؤثر سلبا على الأداء المدرسي للطالبات، ونقص التركيز لديهن، بالإضافة إلى التأثير النفسي والصحي.
ع.ع

من نفس القسم دولي