الثقافي

2965 سنة أمازيغية جديدة

أمازيغ شمال إفريقيا يحتفلون كل على طريقته

 

الكسكس و"التراز" لا غنى عنهما.. وبين الأساطير والتاريخ يبقى يناير إرثا ثقافيا يحتفى به

 

انشطة ثقافية متنوعة.. اطباق واكلات تقليدية.. تبادل الزيارات العائلية..إنهاء الخصومات وإقامة الصلح..تجميع الصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.. هي كلها وجوه جميلة للاحتفال بمرور 2965 سنة على انتصار القائد الامازيغي شيشناق على الفرعوني رمسيس الثاني، وهو الحدث الذي بني عليه التقويم الامازيغي بعدما كان تقليدا مرتبطا بالطبيعة وبالموسم الفلاحي، وبذلك يعتبر اليوم بداية لسنة امازيغية جديدة يحتفي بها الشعب الجزائري وامازيغ شمال افريقيا على حد سواء، تحييه مؤسسة فنون وثقافة لولاية الجزائر بباقة من الفقرات الثقافية والفنية والترفيهية المتنوعة التي برمجت بالعديد من الهياكل التابعة للمؤسسة الثقافية فنون وثقافة التي انطلقت امس وتستمر إلى غاية 19 من نفس الشهر.

نشاطات ثقافية للاحتفال بيناير عبر التراب الوطني

وأقيمت صباح يوم امس بمركز النشاطات الثقافية عبان رمضان بالعاصمة، عدة نشاطات ثقافية في اطار الاحتفال بالسنة الامازيغية الجديدة من تنظيم مؤسسة فنون وثقافة بالتنسيق مع جمعية زهرة بلادي. ويقام بالمناسبة معرض للاواني والالبسة التقليدية التي طبعت المجتمع الجزائري الامازيغي في الحقبات الماضية وميّزته عن غيره، وتطوّعت سيدات لإعداد أطباق تقليدية ذات الصلة ايضا بيناير، حيث في نهاية الفعالية اختارت لجنة التحكيم احسن طبق تقليدي، كما اقيم في نفس الاطار معرض للصور وندوة تاريخية للتعريف بالاحتفالية المتأصلة في المجتمع الجزائري منذ زمن والتي تطلّ علينا كل سنة، اما فضاء النشاطات الثقافية بشير منتوري، فسطرت به عديد الفعاليات الفكرية التاريخية الثقافية التي ستقام اليوم، استهل برنامجها بلقاء مع الباحث في الثراث سعيد بوطرفة، إلى جانب نشاطات ثقافية مختلفة خاصة بالمناسبة كأمسيات شعرية ومعارض فنية، وتنطلق بفضاء النشاطات الثقافية اغاو على مدى ستة ايام عدة تظاهرات ثقافية متنوعة بمناسبة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة، حيث أقيم معرض للحلويات التقليدية لمخالفي واخر للباس التقليدي لدليلة برينيس بهذه المناسبة، كما ينظم يوم 14 من الشهر الجاري بذات الفضاء لقاء مع الباحثة فرحاتي بركاهم حول كتابها “لباس بوسعادة” الذي يعد كتابا خاصا جمعت فيه مختلف أنواع الأزياء النسوية التقليدية للمنطقة، وأرادت من خلاله أن تخرج الأزياء البوسعادية من طابعها المحلي إلى الوطني والعالمي والتعريف بها كبطاقة تعريف للمجتمع البوسعادي. وقد امضت بركاهم فرحاتي فترة طويلة من البحث والجمع حتى تكلّل جهودها في الأخير بإصدارها لدى منشورات “ألف ورقة” كتابا باللغة الفرنسية ضم جميع أنواع الأزياء التي ترتديها نساء بوسعادة، وكذا الحلي والإكسسوارات التي ترافقها، مفرقة بين اللباس اليومي العادي واللباس المخصص للأفراح والمناسبات السعيدة ولباس العروس المميز، هذا وانطلقت الاحتفالات منذ اول أمس، بدار الثقافة بتيزي وزو، من خلال فعاليات الطبعة الـ 8 لصالون جرجرة للكسكسي،حيث حظي الطبخ التقليدي بأهمية كبيرة خلال الصالون الذي يعد فرصة " لتجديد العهد" مع عادات الطبخ المميزة لمناسبة يناير الذي يمثل أول يوم في اليومية الزراعية التي كان يعتمد عليها من طرف سكان إفريقيا الشمالية والتي لا يزال العمل بها قائما ببعض المناطق بأرض الوطن على غرار منطقة القبائل، وتتصاعد رائحة أطباق الكسكسي المتنوعة بقاعة المعارض لدار الثقافة حيث يدعى الزوار لتذوق مختلف الأطباق المقدمة من طرف ممثلي ولايات بشار والمدية وجيجل والبليدة وتيزي وزو المشاركين في الصالون، وقد أثار الكسكسي المحضر بسمك الميرو والسردين المعروض من قبل ممثلي ولاية جيجل فضول الزوار علما أن هذا الطبق التقليدي المحضر بتيزي وزو لا يحتوي على السمك، كما يتردد الزوار بأعداد كبيرة على جناح ولاية بشار حيث تعرض منتوجات خاصة بهذه المنطقة الجنوبية من أرض الوطن على غرار الكسكسي المعد بالأعشاب العطرية والتوابل والحبوب وجناح باتنة حيث يعرض الكسكسي المحلي وجناح المدية الذي يحتوي على طبق "الشخشوخة" وجناح البليدة حيث يعرض عصير الليمون "شربات"، من جهتهم قدم ممثلو ولاية تيزي وزو كيفية تحضير طبق الكسكسي وإعداد المرق بالدجاج وسبعة توابل المرافقة لهذا الطبق الذي يقدم بمناسبة يناير، تجدر الإشارة إلى أن هذه التظاهرة التي تدوم لغاية 14 من الشهر الجاري سيتخللها هذا اليوم تنظيم " وعدة " على شرف السكان بدار الثقافة، كما سيتم بنفس المناسبة تنظيم ملتقى حول " الأدب الشفوي والقصة الشعبية".

يناير.. ناير أو جانفي الشهر الامازيغي الأول

والجدير بالذكر ان يناير أو جانفي أو ناير بحسب اختلاف اللهجات الأمازيغية والمغاربية في شمال إفريقيا هو أحد الشهور الأمازيغية، فهو الشهر الأول من السنة الأمازيغية، ويتزامن حلوله مع اليوم الثاني عشر من بداية السنة الميلادية، والسنة الأمازيغية تبتدئ من سنة تسعمائة وخمسين قبل الميلاد، وبالتالي فإن التقويم الأمازيغي يزيد تسعمائة وخمسين سنة عن التأريخ الميلادي، فمثلا توازي السنة الأمازيغية 2955 السنة 2005 الميلادية، وارتبط يناير بمعتقدات ضاربة في القدم، فمثلا يعتقد الأمازيغ أن من يحتفل بيناير سيحظى بسنة سعيدة وناجحة، ويختلف شكل الاحتفال من قبيلة إلى أخرى، ويبدو أنه حتى بعض القبائل المعربة تحتفل بالسنة الأمازيغية. وتعتبر أكلة أوركيمن والكسكسي إحدى الوجبات الهامة في ذلك الاحتفال. وتجدر الإشارة إلى أن الكسكسي وجبة عالمية أمازيغية الأصل، ذات اعتبار متميز لدى المغاربيين أمازيغ ومعربين.

التقويم الأمازيغي من الاحتفاء بالموسم الفلاحي إلى الاعتزاز بنصر شيشناق

مثلت سنة 950 ق.م سنة تغيير جذري لتاريخ التقويم الامازيغي حيث كان الاحتفال برأس السنة الأمازيغية فلاحيا موسميا وحدثا تقليديا مرتبط أساسا بالأرض ولم يرتقي إلى مرحلة التأريخ بشكل رسمي الا في سنة 950 ق.م عند انتصار القائد الأمازيغي شيشنق في معركة حاسمة ضد قائد الفراعنة رمسيس الثاني، بعدما كان الفراعنة قبل هذا التاريخ ينظمون هجمات متكررة على بلاد الأمازيغ للاستيلاء على أرضهم وخيراتهم ونهب ثرواتهم وهي تعد أول حرب في تاريخ الانسانية يخوضها شعب لتحرير أرضه وحدثا تاريخيا هاما في التاريخ الأمازيغي القديم ثم صعوده إلى عرش الحكم الفرعوني وتأسيسه للأسرة الفرعونية الثانية والعشرين فكان ذلك التاريخ بداية الحساب أو التأريخ للتقويم الأمازيغي الذي يبلغ الآن 2965 سنة وتوثق النقوش التاريخية المحفورة على أعمدة معبد ″الكرنك″ في مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث تلك الآثار بالتفصيل، وتشير الطقوس التي كانت تقام احتفالا بالسنة الامازيغية إلى مدى ارتباط الإنسان الأمازيغي القديم بأرضه ومدى اندماجه في الطبيعة من خلال ممارسة بعض التعبيرات التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة للإنسان الأمازيغي إلا بوفرة المحاصيل، فبداية العام تشكل نهاية وخاتمة للمؤونة الماضية أو العولة وبداية التحضير للمحصول القادم، اما تاريخيا فيعد التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، إذ استعمله الأمازيغ منذ أن اكتشف الزراعة ومارسها في العهد القبصي والذي رافقه اهتمام بالظواهر الطبيعية والفلكية وما تخلفه من تأثيرات على الأرض ويؤكد ذلك المؤرخ الفرنسي غوتييه : بان الأمازيغ لم ينتظروا احدا ليعلمومهم الزراعة ويعتبر 12 جانفي أول يوم في السنة الأمازيغية وهو التاريخ الذي يفصل بين زمنين طبيعيين، زمن البرد والاعتدال الذي يصادف عادة بداية تجديد الطبيعة لدورتها الحياتية أو ما يعرف بخروج الليالي البيض ودخول الليالي السود حيث خلال الليالي البيض لا تكون التربة صالحة للزراعة ومع دخول الليالي السود تصبح التربة صالحة للبذر، لهذا يبدأ الناس في تهيئة الحقول ومباشرة الأعمال الفلاحية حيث تجتمع مختلف الاحتفالات التي تصادف هذا اليوم على تمجيد الطبيعة والإكبار من شأنها والتماس الأسباب التي يعتقد أنها تجلب الخير والإنتاج الوفير. 

الكسكس أو السكسو وجبة احتفال متفق عليها بين أمازيغ شمال إفريقيا

توارث أمازيغ شمال افريقيا على حد سواء، تقاليد الاحتفال منذ 950 سنة قبل الميلاد بشكل رسمي ومنتظم وأصبحت جزءا من ثقافتهم يتم الاستعداد كل سنة لإحياء هذه المناسبة من خلال القيام بمجموعة من التعبيرات مثل تعليق الأنشطة المنزلية كتنظيف المنزل وأواني الأكل، ولبس النسوة للباس جديد والتزين لاستقبال العام الجديد، وإعداد وجبات خاصة للمناسبة أشهرها طبق الكسكسي او سكسو بالخضر ويكون بلحم الدجاج المحلي ويستحضر اللبن ويتم اعداد الغرايف والبيض المسلوق والرفيسة والبركوكش وهذا كله يجب ان يكون جاهزا قبل غروب الشمس، كما يتم فيه غرس أشجار الزيتون ويكون رأس السنة الأمازيغية مناسبة لتبادل الزيارات العائلية وإنهاء الخصومات وإقامة الصلح ومناسبة كذلك للتضامن الاجتماعي عبر تجميع الصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.

طقوس وأساطير متنوعة لكن يبقى الاحتفال واحد

وتختلف الطقوس من منطقة إلى أخرى في الاحتفال بالمناسبة، اذ يحتفل أمازيغ الجنوب من الطوارق بإعداد 7 أطباق من أصناف المأكولات، املين بذلك في تحسين الأوضاع وفتح أبواب الرزق، في حين يحتفل سكان تيزي وزو بإطعام الحشرات حتى لا تأكل الزرع، والامتناع عن الحياكة مع ضرورة الأكل حتى الشبع ليضمن الإنسان أن يشبع باقي السنة، كما تقوم بعض الأمهات في هذه المناسبة بإعداد وجبات خاصة للعائلة قوامها اللحم والمكسرات التي توزع في أكياس على الأطفال، هذا ويحتفل العاصميون بالسنة الأمازيغية أوما يطلق عليه بالعجوزة وفق ترتيبات كبيرة، فبالإضافة إلى الأطباق التقليدية التي تدخل في احتفالات السنة الأمازيغية لا يستغني العاصميون عن ''التراز''، كما يحتفل بهذه المناسبة في أجواء بهيجة تضفي عليها الطقوس طابعا مميزا يشكل مصدرا للاعتزاز بماضيهم عبر القرون القديمة، بحيث يوضع طفل صغير داخل إناء كبير ثم يسكب كل ذلك الخليط على رأسه، حتى تكون السنة الأمازيغية فأل خير على الطفل وعلى أفراد العائلة، وتكون سنتهم صافية كحياة الطفل، ولأن هذه المناسبة درجت عليها العديد من الأساطير التي لا ترتبط بأصل غير أصلها التاريخي فالاحتفال بيانير اقترن أساسا بالأسطورة الشهيرة التي تقول أن شهر ''يناير'' قد طلب من شهر فبراير التخلي له عن أحد أيّامه بعد أن تحدّته إحدى العجائز الشمطاوات بالخروج مع عنزاتها الصغيرات لطهو طعامها خارج البيت، في عزّ برده وصقيعه، فما كان منه إلا أن قال لعمه فبراير ''يا عم فبراير أعرني ليلة ونهارا، كي أقتل العجوز المتفوهة بالعار والتي أرادت أن تتحداني''. وكان له ذلك بتخلي فبراير عن يومين من عمره لصالح يناير الذي جمّد العجوز وعنزاتها، وإلى الآن يقول أجدادنا أنه توجد بمنطقة جرجرة صخرة تدعى ''صخرة العجوز والعنزات'' حيث بالنظر إلى تلك الصخرة الضخمة يمكن ملاحظة عجوزا تحلب معزاتها، وبقربها بعض صغار الماعز.. إلا أن هذا حسب المختصين الجيولوجيين ''صدفة جيولوجية'' لا غير مترتبة عن الطبيعة، ويتحدّث كثيرون عن ''خدعة في النظر'' لنتوء صخري طبيعي.. بين هذا أوذاك، المهم أن الأمازيغ احتفلوا بعام 2965 وفق تقويمهم الخاص، سواءً صنعته سيوف ''شاشناق'' أوحماقة عجوز تحبّ التزلج على الجليد!.

 

من نفس القسم الثقافي