الثقافي
المهرجان المغاربي للموسيقى الاندلسية بالقليعة
بمشاركة كوكبة من الفنانين والفرق الموسيقية الشهيرة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 10 جانفي 2015
تحتضن مدينة القليعة في ولاية تيبازة ابتداء من 15 جانفي الجاري فعاليات المهرجان المغاربي للموسيقى الاندلسية في طبعته السادسة، اين سيكون عشاق الموسيقى الاندلسية على موعد مع النغمة الأصيلة على وقع وتر زرياب وروائع الكلمات.
تعود هذه التظاهرة الهامة للعام السادس على التوالي، وهذا ما سيسعد بلا شك العشاق الكثيرين لهذا النوع الموسيقي الذي يزخر بسجل تاريخي عريق. ومع تحسّن مستواها من طبعة إلى أخرى، سيستمتع هواة الموسيقى هذه السنة أيضا ببرنامج ثري بمشاركة كوكبة من الفنانين والفرق الموسيقية الشهيرة من عدة بلدان البحر الأبيض المتوسط، وهي تونس والمغرب وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، مما يعد بأوقات ممتعة طيلة أيام التظاهرة، ومن ضمن هؤلاء الفنانين زروق مقداد، ريم حقيقي، لمياء مديني، المجموعة الأندلسية من تطوان، وفرقة "راسينيا" من مرسيليا، وغيرهما. وإلى جانب الحفلين التكريميين الكبيرين اللذين سيقامان تخليدا لروح الفقيد الشيخ الصادق البجاوي وللمطربة الكبيرة نرجس، ستنّظم ندوات حول التراث الأندلسي ويشرف على تنشيطها سيرين بن موسى وجلال خشاب.
ومنذ تأسيس المهرجان الذي يعود إلى عام 2009 وإلى حد الآن، دأب المنظمون على إعطاء هذا الموعد بعدا يكون في مستوى الاحتفاء بهذا التراث. فإلى جانب الدعوة الموجّهة لجمعيات وفرق موسيقية يُشهد لها دورُها في إحياء هذا الإرث الموسيقي والحفاظ عليه، فقد كان المهرجان حريصا دوما على تسليط الضوء على مدى التزام الرجال والنساء في العمل من أجل حماية الموسيقى الأندلسية. ومن ضمن الفنانين المشهورين نذكر على سبيل المثال لا الحصر: فضيلة الدزيرية، لحاج محمد البصري، عبد الغني بلقايد، عبد الرحمن بلحسين، الشيخ قدور درسوني، الشيخ سليمان عناني والشيخ دحمان بن عاشور، الذين تم تكريمهم جميعا على مدى الطبعات المتوالية، وقدمّت مسيرتهم كنموذج يحتذى به لخلفائهم الكثيرين.
وتعد القليعة، مدينة موسيقية حيث تعود تعود قصة القليعة مع الموسيقى الأندلسية إلى أكثر من أربعمائة سنة. فلقد ورثت هذه المدينة التي سميّت باسم "القلعة الصغيرة" هذا التراث الثري من أوائل اللاجئين الذين استقروا في هذه المدينة التي أسّسها حسن باشا عام 1550 بعد أن طردوا من إسبانيا. ومنذ تلك الفترة، استمرت في العمل من أجل الحفاظ على هذا الإرث الثمين.، باحتضان موعد موسيقي رفيع المستوى.
وعلى مر السنين، ظهر عشرات من الموسيقيين المخضرمين في هذه البلدة وكذلك جمعيات مثل "الغرناطية" و"الباشتارزية" و"الفن الأصيل" التي حملت عاليا راية الفن الموسيقي الأندلسي على الصعيدين الوطني والدولي. وتسعى هذه الجمعيات التي تنتسب إلى مدرسة الجزائر العاصمة، إلى جنب فرق أندلسية أخرى، للحفاظ على جذوة هذا التراث الموسيقي الذي نبت في بلاد الأندلس. قبل لجوئهم إلى شمال إفريقيا، احتل المسلمون الأندلس لمدة سبعة قرون. لكن بعد سقوط غرناطة عام، اضطروا للبحث عن ملجأ لهم 1492 على الضفة الآخر من البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا في شمال إفريقيا، جلبوا معهم عاداتهم وتقاليدهم ومهاراتهم وأيضا تراثهم الثقافي الهائل. وبعد طرد آخر المسلمين من الأندلس، بعد عام1609 اصبحت بلدان المغرب العربي، وهي المغرب والجزائر وتونس، الموطن الجديد للموسيقى الأندلسية. وهناك استأنفت تطورها في شكل "نوبات" قبل أن تمتد لتشمل بلدان أخرى (ليبيا وبلدان المشرق العربي). تحظى الموسيقى العربية الأندلسية برعاية شديدة من قبل المدارس الثلاثة الرئيسية التي تمثل مختلف التيارات، وهي الجزائر العاصمة (الصنعة)، قسنطينة (المالوف) وتلمسان (الغرناطي). فالقالب العاصمي يستمد جذوره من اللاجئين المتكونين في غالبيتهم من أهل قرطبة الذين استقروا في المنطقة الوسطى، فيما تأثر المالوف القسنطيني في بادئ الأمر بالمدرسة الإشبيلية قبل أن تستلهم أصولها من الموسيقى العثمانية. أما فيما يخص الغرناطي التلمساني، فلقد نهل، مثلما توحي إليه تسميته، من منطقة غرناطة التي ارتبطت بها تاريخيا، ومعروف أن حلفا قام بين الإمارة الناصرية بغرناطة ودولة الزيانيين بتلمسان لمحاربة مملكة أراغون. كما أن الاستقرار الذي نعمت به المملكة الزيانية بمنأى عن أجواء الخراب والحروب، دفع بالعديد من اللاجئين الغرناطيين للجوء إليها بعد سقوط غرناطة. وأما في غير ذلك، ومن وجهة النظر التقنية، توجد بين المدرستين العاصمية والتلمسانية أوجه شبه كثيرة، لاسيما فيما يتعلق بقاعدة البيانات، لكون أن المدينتين اللتين تستمدان منهما تأثيراتهما (قرطبة وغرناطة) كانتا متقاربتين جدا جغرافيا وبالتالي حتى فنيا وشعريا.
فيصل.ش