الثقافي

واسيني الأعرج: الرواية التاريخية تحتاج إلى التأني والقراءة

المملوك الشارد والأمير والفاتنة التي تستحق المخاطرة

 

إشكاليات عدّة تواجه كتّاب الرواية التاريخية، فهم مطالبون دوما بالحفاظ على التشويق الذي هو عنصر أساسي في أي عمل أدبي، وأن ينأوا بعملهم قدر المستطاع عن الملل الذي قد يصاحب قراءة كتاب تاريخي صرف.
هذه الإشكاليات تتعلق بكيفية تناول كتّاب الرواية التاريخية لحقائق التاريخ، دون تزييف أو تضليل، والحدّ الفاصل بين كتابة التأريخ وكتابة الأدب، لتصبح بذلك كتابة الرواية التاريخية حقلا شائكا دوما، يصرّ البعض على ولوجه، في حين يفضل كثيرون الابتعاد عنه.
الرواية التاريخية
تعتمد الرواية التاريخية على استحضار أحداث وشخصيات من الماضي، لتساعد بصورة أو بأخرى على قراءة الحاضر واستشراف المستقبل. وتنسب البداية الفعلية للرواية التاريخية إلى الكاتب الأميركي ستيفن كرين برواية “شارة الشجاعة الحمراء”، والتي كانت تفتقر إلى بعض العناصر الروائية التي اكتملت عند الاسكتلندي “والتر سكوت” في روايته “ويفرلي”.
فقد تمكن سكوت من إدخال العنصر الفني والأدبي في عرض أحداث التاريخ وأبطاله، ونجح في تصوير أحداث التاريخ بطريقة أدبية بارعة، بعيدا عن الجفاف الذي يصاحب الكتابات التاريخية.
في الأدب الغربي
يرى كثير من النقاد أن البداية الفعلية للرواية التاريخية بدأت من الغرب، ففي فرنسا كتب ألكسندر ديماس الأب التاريخ الفرنسي عـام 1844، روايته الشهيرة “الكونت دي مونت كريستو” التي تدور أحداثها بدءا من عصر لويس الثامن عشر حتى عودة الملكية، وانتشرت كتابة الرواية التاريخية في أوروبا بظهور فكتور هيغو برواية “أحدب نوتردام” في 1831، وفي روسيا تولستوي برواية “الحرب والسلام”، وفي إيطاليا “ألكسندرو مانزوني” برواية “المخطوبين” عام 1923.
في الأدب العربي
يعتبر جرجي زيدان هو الأب الفعلي للرواية التاريخية في الأدب العربي، فهو أول كاتب عربي كتب هذا النوع من الروايات، عبر رواياته التي وصلت إلى ما يقرب من 23 عملا روائيا عن التاريخ الإسلامي العربي، وكانت أول رواياته “المملوك الشارد” عن التاريخ الإسلامي.
يقول زيدان عن نوع الرواية التاريخية التي كتبها “العمدة في رواياتنا على التاريخ، ونأتي بحوادث الرواية تشويقا للمطالعين، فتبقى الحوادث التاريخية على حالها، وندمج فيها قصة غرامية، تشوّق المطالع إلى استتمام قراءتها، فيصبح الاعتماد على ما يجيء في هذه الروايات من حوادث التاريخ، مثل الاعتمـــاد على أيّ كتاب من كتب التاريخ".
برز عديد الروائيين الذين يهتمون بهذا النوع من الأدب بعد ذلك، وعلى رأسهم محمود طاهر حقي، الذي كتب رواية “عذراء دنشواي”، المبنية على مأساة دنشواي التاريخية، وعلي الجارم، الذي كتب أعمالا تاريخية للتعريف ببعض الشعراء العرب، مثل أبو فراس الحمداني، وابن زيدون، والوليد بن يزيد، فضلا عن محمد فريد أبو حديد الذي كتب عن تاريخ العرب قبل الإسلام في أعماله الروائية.
ويعتبر علي أحمد باكثير من أشهر كتاب الرواية التاريخية، خاصة في كتاباته عن التاريخ الإسلامي في روايته “وإسلاماه”. فيما بعد، كتب الروائي نجيب محفوظ كتابات تاريخية مثل روايته “كفاح طيبة” و”عبث الأقدار” و”رادوبيس”، متأثرا في ذلك بالتاريخ الفرعوني، وكتب نجيب الكيلاني عن البطولات التاريخية للعرب في العالم الإسلامي، ومن أبرز أعماله “عذراء جاكرتا” و”ليالي تركستان".
وفي الفترة الحالية، يكثر عدد الروائيين المهتمين بالرواية التاريخية على مستوى الوطن العربي ككل، حيث تتعدد اهتماماتهم والمجال التاريخي الذي يهتمون بخوضه وفقا للقطر الذي ينتمون إليه.
دراسة متأنية
الناقد والروائي فؤاد قنديل يؤكد في تصريحات خاصة لـ”العرب” أن كتابة الرواية التاريخية تحتاج إلى دراسة طويلة ومتأنية للفترة التي يكتب عنها الروائي، كما يحتاج إلى التدقيق في البحث عن أدق التفاصيل المتعلقة بالطعام والملابس والعادات والتقاليد، وهو ما يتطلب جهدا بحثيا ضخما لا يحتاجه الكاتب في أيّ نوع آخر من الروايات.
ويشدّد قنديل، الذي كتب مؤخرا رواية تاريخية تتناول عصر محمد علي بعنوان “الفاتنة تستحق المخاطرة”، أن هناك العديد من العناصر الواجب توافرها في التسويق للرواية التاريخية، فلا بدّ أن لا يكون العنوان مباشرا، كما يجب أن يتميز الطرح داخل الرواية بالجذب والتشويق، والبعد عن المباشرة، وتناول الأحداث بشكل جاف يُبعد القارئ عن الرواية.
السرد والوقائع
الروائي صبحي موسى يشير إلى أن الصعوبات في كتابة الرواية التاريخية لا تنتهي، فلا بدّ من قراءة العديد من المراجع، والحفاظ على مصداقية الأحداث التاريخية في الرواية، والبعد عن التحريف والتزييف، فضلا عن ضرورة فهم الروائي لموضوع عمله بشكل متكامل، لكي يتمكن من الجمع بين السرد والوقائع، وهذا كله لا يتطلبه الكاتب في الأنواع الأخرى من الروايات التي تعتمد على الخيال المحض.
أما الروائي الجزائري واسيني الأعرج، والذي كتب العديد من الروايات التاريخية من أبرزها “شرفات بحر الشمال”، ورواية “الأمير”، فيرى أن كتابة الرواية التاريخية يحتاج إلى قراءة نقدية للتاريخ، وقراءة العديد من الكتب والمراجع.
وفي الوقت ذاته الحفاظ على أن تكون الرواية هي رواية وعمل أدبي في المقام الأول، مؤكدا أن نقد التاريخ ضرورة حتى لا يفترض الروائي تاريخا عظيما في الوقت الذي يحتاج فيه الكثير من الوقائع إلى النقد وإعادة النظر، فرهان الكتابة هي كتابة نص ينطق بالرواية والتاريخ بحقائقه النسبية.
ويلفت الكاتب والروائي واسيني الأعرج إلى أن هناك العديد من القراء الذين يقبلون على قراءة الرواية التاريخية التي تقدّم ما يهمّ القارئ، ولا تقع في فخ المباشرة والاستسهال، فالقراء موجودون دوما ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية تناول الروائي لموضوع روايته.
عن العرب اللندنية

حنان عقيل 

من نفس القسم الثقافي