الثقافي

الجزائري كامل داوود يتقمص شخصية...ألبير كامو ويعيد كتابة رواية «الغريب»

 

من الكاتبة المتألقة ميساء بيه إلى بوعلام سانزال ومن يحيى بلعسكري إلى صلاح غمريش لا يزال الأديب الفرنسي ألبير كامو يسكن مخيلة الأدب الجزائري المعاصر فهو المحرك لها تارة والوصي عليها تارة أخرى ويبدو في كثير من الأحيان كوتد مغروس فيها.

في رائعته «الغريب» التي نشرها عام 1943 يروي كامو أن بطل الرواية مارسو قتل عربياً عند شاطئ مدينة الجزائر ولهذا السبب يمثل مارسو أمام المحكمة ويحكم عليه بالإعدام ليس بسبب جريمته التي بالكاد ذكرت خلال المحاكمة لكن بسبب سلوكه الغريب عن المجتمع، حتى إننا لم نعرف اسم الضحية التي ذكرت في الرواية خمس وعشرين مرة باسم «العربي».

هذه الزاوية المفقودة في رواية «الغريب» وبشكل أكبر غياب صفة ابن البلد عن العربي إضافة إلى مواقف كامو المعروفة خلال حرب الجزائر (وقد توفي في كانون الثاني عام 1960 أي قبل عام من تنظيم الاستفتاء حول استقلال الجزائر وكان ينادي خلال حياته بحلف فيدرالي) كل ذلك أعطى لصاحب جائزة نوبل للآداب قيمة كبرى حتى يومنا هذا فكيف استطاع هذا العاشق الولهان للضفة المقابلة من البحر المتوسط (لأرض الجزائر حيث شعر أنه في المنفى يوم اضطر للخروج من الجزائر عام 1940) أن يعزل المضطهد الحقيقي لدرجة أنه سلبه هويته؟

لذلك لم يذكر كامل داوود في روايته المضادة اسم كامو حيث جاءت هذه الرواية رداً على رواية «الغريب» وامتداداً لها وقد أطلق على الرواية اسم القاتل نفسه «مارسو» والمفترض أن الرواية تبدأ أحداثها يوم خروجه من السجن كما لو كانت القصة حقيقية وليست من نسيج الخيال وكأن الخيال نشر عدواه في عالم الواقع حتى كاد أن يحل مكانه فهل هناك أفضل من هذه الأتاوة التي فرضها الأدب؟

وكي لا يكون «العربي» مجرد أداة روائية أعطاه المؤلف اسماً ليكتب على قبره «موسى ولد العصاص» وهو شاب ثرثار بعض الشيء نحيل الجسم اختفى نصفه خلف شعر لحيته فماذا كان يفعل عند الشاطئ يوم صادفه مارسو في طريقه وقتله بدم بارد؟

ويحاول أخوه الأصغر هارون الذي يلعب دور الراوي في رواية «مارسو» الإجابة عن السؤال لكنه لا ينجح رغم الجهد الذي يبذله أثناء تمثيل الجريمة ويعيش هارون طوال حياته حزيناً على أخيه البكر مع أم بقيت متعطشة للانتقام.

وكما فعل جان باتيست كلامنس الذي لعب دور القاضي في رواية «السقوط» 1956 حين اعترف في أحد البارات بأنه لم يكن سوى أذن تسمع الأوامر يفعل بطل روايتنا ويعترف أنه إنسان متحرر من الوهم ومستعد للبوح وربما يكون مولعاً بالكذب لأنه معتاد على ارتياد البارات ولا يغادره شبح زجاجة الخمر..

ففي روايته يحافظ كامل داوود على الرؤية الدلالية لمقدمة القصة لكن بشكل متناظر حين يقول: «اليوم ما زالت أمي على قيد الحياة» يقابلها في رواية كامو القول: «إن أمه توفيت اليوم» فيشكل بذلك دلالة كمرآة عاكسة لأن هارون على درجة عالية من الذكاء كما كان مارسو ووالدته التي كانت تفضل أخيه عليه وتعامله بحذر وكما مارسو  فقد ارتكب هارون جريمة وهو في السابعة والعشرين من عمره عام 1962 أي يوم الاستقلال مع انتهاء الحرب.

ولدى عودته من الشاطئ المكان الذي قتل فيه أخوه «العربي» قال: نعم أنا قتلت جوزيف لأنه يحب أن أرد على عبثية حالتنا».

وعندما يزوره الشيخ في زنزانته يرد هارون الذي يكره الأديان كما رد مارسو على الكاهن حرفاً بحرف.

وكما كان ألبير كامو كاتباً صحفياً فإن كامل داوود هو أيضاً كاتب صحفي لغته في الكتابة كلاسيكية وجديدة بآن معاً عبر مجازاتها وصورها البيانية وجزالتها ووضوحها الممزوج بشيء من الغموض ما يذكرنا بالفعل بأسلوب كامو دون أن يكون نسخة عنه.

ولد كامل داوود في عائلة لا يوجد فيها من يحسن القراءة ولم يتعلم أحد الفرنسية سواه وهو الوحيد بين إخوته الذي تابع دراساته العليا.

يقول الراوي: إن كامل داوود يكتب بطريقة رائعة ولغة تقبض على فم القارئ كما يقبض المحب على فم حبيبته في قبلة نهمة.

بهذه الطريقة كتب كامل داوود رائعته «مارسو» بعد روايته «منتور 504» عام 2011 المؤلفة من أربع قصص قصيرة تدور حول الوضع الإنساني في الجزائر.

ومن المتوقع أن تأخذ روايته الجديدة أهميتها في بحث معاكس «للغريب» وستقرأ في المستقبل كما تقرأ اللوحة المزدوجة عن أيام الإغريق والرومان.

عن جريدة الوطن

 

من نفس القسم الثقافي