الثقافي

"الكتّاب ذواتهم متضخمة ونرجسية أكثر من اللازم"

الروائي الجزائري بشير مفتي:

 

قال الروائي الجزائري بشير مفتي، حول عدم رضاه عن اداء المؤسسة الثقافية الرسمية والصحافة المهتمة بالشأن الثقافي في الجزائر، بانه مع المثقف الناقد في كل الأحوال معتقدا أن هذا هو دوره بالأساس، مضيفا بان المثقف الجزائري قد عاش في السنوات العشر الأخيرة وصاية على الثقافة من طرف وزارة الثقافة، مما جلب له شخصيا التهميش من طرف هذه المؤسسات، مضيفا في نفس السياق ان مشكلة الصحافة الثاقفية في الجزائر لم تنضج بعد، ولم تصبح صحافة محترفة، باعتبار اعتيادها منذ سنوات العنف أن تكون مجرد واجهة سياسية لهذا أو ذاك، وكانت لها عداوة مع الصوت الثقافي باستمرار، وهي تشبه السلطة كثيراً في تهميشها له، أو اعتراضها على لسانه الطويل.

وأضاف مفتي في سياق حديثه، وبحكم المسؤوليات الواقعة على عاتقه في ادارة منشورات الضفاف وتاثيرها عليه كروائي، بانه يتعامل مع كتاب ذوي ذوات متضخمة ونرجسية أكثر من اللازم، ولعل هذا هو الجانب الأصعب في العلاقة بينه وبينهم كناشر، مضيفا بانه يحاول أن يحيّد الكاتب النرجسي بداخله حتى لا يحدث انفجار أو اصطدام، ولكونه كاتباً فهو يتفهّم الكتّاب أكثر، ولكن يجد صعوبات في التعامل مع إغفالهم للواقع الذي نعيش فيه، فمثاليتهم الأدبية شيء والواقع المحكوم بحسابات أخرى شيء آخر طبعاً، اما حول تجربته في النشر المشترك بين دار الاختلاف وضفاف والمؤسسة العربية للعلوم وحول مساهمتها في تسهيل حركة الكتاب في البلدان العربية، قال المفتي بانه في اطار اننا نتحدث كثيراً عن مشكلة انتقال الكتاب العربي من بلد إلى بلد، فلا يوجد حل واقعي إلا بعملية إشراك ناشر جزائري مع لبناني ومغربي، فيصبح الكتاب متوافراً في شكل أوسع على الأقل في بلدان معينة، وبهذه الطريقة نتمكّن من نشر أعمال أسماء جزائرية في لبنان والدول العربية، كما جذّرنا تواجد أسماء عربية في السوق الجزائرية. أظن أنها تجربة جيدة ومفيدة للجميع، وأضاف مفتي في حديثه حول مواظبته على الكتابة والنشر بإيقاع شبه ثابت مع كتاب كل عامين بان الأمر ليس مخططاً له، بل يعود لظروف وضغوط الحياة والعمل وأشياء كثيرة جعلته لا يقدر على أن يكتب وفق الشروط الصحية للكتابة، مضيفا "ربما حلم كل كاتب عربي أن يتفرغ للكتابة ويصبح محترفاً لكن ما العمل؟ ليس الأمر بيدنا، لا أظن التراكم يحقق ذلك. في الجزائر مثلاً أسماء كثيرة لها عدد كبير من الأعمال وهي تكتب وتنشر باستمرار لكنها لم تحقق تلك الغاية المرجوة، لا أدري كيف يتحقق لك اسم في عالمنا العربي! لا بد ربما أن يعجب بأعمالك النقّاد والقرّاء ويروّج لك الإعلام وأنا قلت مرة أن الروائي ربما يشعر أنه روائي عندما يكتشف أن له قراء معجبين بأعماله وهذا مهم جداً حقاً لاستمرارية الكاتب"، اما عن تجربة الكتابة الجماعية التي خاضها في كتابيه «القارئ المثالي» و «الجزائر معبر الضوء»، فقال ان كتابة رواية مشتركة مستبعدة عنده، مستشهدا بأهم تجربة عربية في هذا المجال وهي تجربة منيف وجبرا في «عالم بلا خرائط»، وتجربة أمين صالح وقاسم حداد في «الجواشن»، قائلا بأنها أعمال نادرة وقليلة لأنه ليس سهلاً أن تذيب حساسيتين مختلفتين في عمل واحد، أما الكتب التي شارك فيها فهي كتب جماعية. مضيفا بان في فرنسا هناك تقليد جميل بأن يطلبوا من مجموعة كتّاب أن يتناولوا موضوعاً واحداً مثل ليلة في فندق، وأنا طُلب مني أن أكتب عن القارئ المثالي من وجهة نظري، أما «الجزائر معبر الضوء» فهو كتابة عن المكان وهو أمر يستهويني كثيراً، أحب أن أكتب عن ذكرياتي في هذه الجزائر الجميلة والمتوحشة، وفي سياق اخر وحول اختياره لموضوع العشرية السوداء كموضوع اساسي في روايته يرى الروائي مفتي بان واجب الرواية ان تتذكر ولا تنسى، مضيفا انه صحيح انتقلنا إلى مرحلة المُصالحة الوطنية وأصبحنا نشعر أننا تركنا ذلك وراءنا، لكن في الحقيقة الكتابة هي الذاكرة الوحيدة التي تظل صامدة أو تتذكر الأشياء كما لو أنها تحاول أن تنبّه إلى أنه لا شيء ينتهي في النهاية، مشيرا إلى ان الامر نفسه نجده في الرواية الاسبانية أو اللبنانية، فهنالك عودة مستمرة لتلك الحرب الأهلية التي يحاول الروائي أن يشفى من كوابيسها من دون جدوى، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الجميع، لأن هنالك روايات كثيرة تنكتب اليوم في أفق آخر، في مواضيع مختلفة، لأن واقع ما بعد سنوات الإرهاب يعج بمشاكل ومواضيع تستحق الانتباه والكتابة، اما في حديثه عن القطيعة الحاصلة بين الجيل الحالي من الروائيين الجزائريين والأجيال السابقة قال مفتي بانه قد مرت فترة كان الجيل القديم يصرحون بان الجيل الجديد لا يستطيع تجاوز اسمائهم التي كانت مشتهرة ومعروفة محلياً وعربياً، أي انهم كانوا يحكمون عليهم من البداية بالعجز، قائلا بان جيله قد رفع شعار الاختلاف، أي لا أحد يستطيع أن يتجاوز أحداً في الأدب، وإنما دوره أن يختلف عليه ويقدم حساسيته الأدبية في شكل مغاير. "ثم كان هنالك صراع على المواقع في شكل خاص، فالجيل السابق كان في وضعية اجتماعية أحسن، ويتحكم في دواليب الإدارة وحتى في مواقع سلطوية ولم يكن يفعل شيئاً للأدب، واعتبرنا ذلك أنه سبب كل مشاكل جيلنا الجديد، وفي هذه الفترة التي أتحدث لك عنها لم يكن يوجد في البلد دار نشر واحدة تهتم بالأدب، وكان على أي شاب لكي يظهر أن ينخرط في جمعية اتحاد الكتّاب، والتي كانت تفرض عليه أن يكون له كتاب لينضم إليها، أو الجاحظية التي كان يرأسها المرحوم الطاهر وطار، وبالتالي كان هنالك شعور أن وجودنا مرتبط بهم، وعليه حاولنا أن ندافع عن وجودنا المستقل، ولهذا أسسنا رابطة كتّاب الاختلاف التي تولينا من خلالها نشر أهم النصوص الأدبية للجيل الجديد، لكن هذا لا يعني أننا دخلنا في عداوة أو في حرب معهم، بل نشرنا لهم مثل رشيد بوجدرة الذي بعد عودته من فرنسا كنا أول من اهتم به ونشر له ترجمة روايته «الانبهار». أي نحن شجعنا الكثير من الأسماء الأدبية القديمة لكي تظل على قيد الحياة في تلك الفترة الصعبة".

ليلى.ع


من نفس القسم الثقافي